هل يمكن أن تصاب بكوفيد طويل الأمد رغم تلقي اللقاح؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
البيانات شحيحة لكن إليك ما نعرفه.

من الواضح أن اللقاح فعال، فما يزيد على 9 من كل 10 حالات إصابة بكوفيد، وحالات حرجة دخلت المستشفى ووفيات، كانت لدى أشخاص لم يتلقوا اللقاح. اللقاح فعال بدرجة كبيرة في منع حالات كوفيد الشديدة، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يصاب بعض الأشخاص المحصنين بحالة تسمى “عدوى اختراق التحصين”، وهي الإصابة بالمرض على الرغم من تلقي اللقاح الذي يقي منه، ويبدو أنها تتكرر بنسبة أكبر مع متحور “دلتا” الشرس، أحد سلالات فيروس كورونا، فهل يمكن الإصابة بكوفيد رغم تلقي اللقاح؟

أحد الأسئلة المفتوحة هو عن إمكانية أن تؤدي عدوى اختراق التحصين إلى الإصابة بكوفيد طويل الأمد.

الإصابة بكوفيد رغم تلقي اللقاح

يعد كوفيد طويل الأمد واحداً من أبرز الجوانب المحيرة من فيروس كورونا، وهو عبارة عن مجموعة من الأعراض المضنية التي تستمر أسابيع أو أشهر بعد انتهاء الإصابة. وتتضمن هذه الأعراض عادة الإعياء وضيق في التنفس وخفقان القلب و”التشوش الذهني”، لكن تتطور لدى بعض الأشخاص مشكلات أشدّ خطورة في عدة أعضاء من الجسم ومنها الرئتان والقلب والدماغ، بيد أن المشكلة تتمثل في ندرة البيانات الجيدة حول كوفيد طويل الأمد وعدوى اختراق التحصين.

بسبب ندرة هذه البيانات يستحيل على معظم الخبراء تأكيد إمكانية إصابة الأشخاص المحصنين بكوفيد طويل الأمد. لطالما عملت “مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها”، وهي الهيئة الصحية الوطنية العامة في الولايات المتحدة، على تتبع جميع حالات عدوى اختراق التحصين، لكن منذ الأول من مايو/أيار بدأت بتتبع الحالات التي تؤدي إلى دخول المصابين إلى المستشفى أو وفاتهم فقط مستعينة بالبيانات التي تجمعها الوكالات الصحية الحكومية والمحلية. تم اتخاذ هذا القرار بهدف “تعظيم جودة البيانات المجموعة حول الحالات ذات الأهمية الكبيرة فيما يتعلق بالناحية السريرية والصحة العامة”. لكن من دون بيانات شاملة حول حالات عدوى اختراق التحصين سيكون من المستحيل معرفة احتمالات إصابة الأشخاص المحصنين بعدوى تؤدي إلى أعراض طويلة الأمد.

تجري الأبحاث حول كوفيد طويل الأمد بقيادة أستاذة مادة علم المناعة في “جامعة ييل”، أكيكو إيواساكي، وقالت في رسالة إلكترونية: “برأيي، يجب أن تعمل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على تتبع جميع تداعيات حالات عدوى اختراق اللقاحات المضادة للفيروس، وليس التي تؤدي إلى الدخول إلى المستشفى أو الوفاة فقط. فحتى الإصابات الخفيفة أو غير المصحوبة بأعراض قد تؤدي إلى الإصابة بكوفيد طويل الأمد، رغم الحصول على جرعتي اللقاح، وتتبع هذه الإصابات على الصعيد الوطني سيمدنا بمعلومات مهمة”. إيواساكي هي واحدة من الخبراء الذين صرحوا بصورة واضحة أنه من الممكن أن يصاب الأشخاص المحصنون بكوفيد طويل الأمد.

لكن مجدداً، لا تزال البيانات التي تدعم ذلك محدودة. حالياً، ليس لدينا سوى مصدرين منشورين للبيانات حول حالات عدوى اختراق التحصين وكوفيد طويل الأمد. المصدر الأول هو دراسة خاضعة لمراجعة الأقران أجريت على 1,497 شخصاً محصناً من العاملين في قطاع الرعاية الصحية في إسرائيل، وتم نشرها في 29 يوليو/تموز في مجلة نيو إنغلاند الطبية، وخلصت إلى أن 39 شخصاً أصيبوا بعدوى اختراق التحصين أبلغ 19% منهم عن أعراض استمرت أكثر من 6 أسابيع كالإعياء والصداع والآلام العضلية. كما كتب رئيس مجلس الإدارة في “جامعة كاليفورنيا” بقسم الطب في مدينة سان فرانسيسكو، بوب واتشر، تغريدة قال فيها: “لست متأكداً من أن الحالات الخفيفة من عدوى اختراق التحصين بمتحور دلتا لا تؤدي إلى كوفيد طويل الأمد”، وأضاف أن نتائج الدراسة التي أجريت في إسرائيل تؤيد مخاوفه.

المصدر الثاني نُشر في خادم ما قبل الطباعة “ميد أركايف” (medRxiv) في 26 يوليو/تموز، وهو يجمع نتائج استفتاء يجري على وسائل التواصل الاجتماعي حول التحصين باللقاح والإصابة بكوفيد. تم نشر الاستفتاء العام ضمن مجموعة على موقع “فيسبوك” تابعة لمؤسسة “سرفايفر كوربس” (Survivor Corps) وهي منظمة أهلية للناجين من كوفيد-19 أسستها دايانا بيرينت في شهر مارس/آذار من عام 2020. ومن 1,949 مشاركاً في الاستفتاء، قال 44 إنهم عانوا من إصابة بـ”كوفيد-19″ مرفقة بالأعراض بعد تلقي اللقاح، وأبلغ 24 مشاركاً من هذه المجموعة عن معاناتهم من أعراض كوفيد طويل الأمد، وقال شخص واحد إن العدوى التي أصيب بها أدت إلى إصابته بكوفيد طويل الأمد ودخوله إلى المستشفى.

شارك في تأليف الدراسة كل من بيرينت وطبيب القلب في كلية “ييل” الطبية هارلن كرومهولز وزميلة أبحاث الدراسات العليا ديزي ماسي. لم تخضع الدراسة بعد لمراجعة الأقران، والأساليب المتبعة فيها بعيدة كل البعد عن الصرامة ولذلك لا ينبغي بأي حال من الأحوال استقراء الأرقام لتطبيقها على عامة السكان. قالت بيرينت عن نتائج الاستفتاء: “أنا أول من يقول إنها ليست بيانات عظيمة. لكنها إشارة هامة إلى ضرورة بذل جهد أكبر لتتبع هذه الحالات”. أشارت إيواساكي إلى نسخة سابقة من بيانات مؤسسة “سرفايفر كوربس” عندما صرحت على منصة “تويتر” أنه من الممكن أن تؤدي عدوى اختراق التحصين إلى الإصابة بكوفيد طويل الأمد.

متحور دلتا و الإصابة بعدوى اختراق التحصين

بحسب وثيقة داخلية من “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، فإن احتمالات الإصابة بعدوى اختراق التحصين تصبح أعلى مع متحور دلتا شديد العدوى الآخذ بالانتشار، كما يبين آخر تقرير صادر عن “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” أنه بإمكان الأشخاص المحصنين باللقاح نقل العدوى بهذا المتحور ونشره. إذا ازدادت احتمالات الإصابة بعدوى اختراق التحصين أكثر وأصبح تطوير الإصابة بكوفيد طويل الأمد محتملاً، فيجب أن تعدّ الولايات المتحدة العدة للمواجهة. إذ إننا غير مستعدين على الإطلاق في الوقت الراهن، وهذا ما تشير إليه الشهادات المفجعة التي يقدمها المصابون بكوفيد طويل الأمد ولا يحصلون على علاج فعال.

لنكن واضحين، إن حدوث حالات الإصابة بعدوى اختراق التحصين وكوفيد طويل الأمد الذي قد يتطور نتيجة لها ليس دليلاً على عدم فاعلية اللقاحات. بل على العكس، اللقاح هو درعنا الأقوى للحماية من كوفيد طويل الأمد. قد لا يكون مثالياً، لكنه يقي من الإصابة الشديدة التي تستدعي الدخول إلى المستشفى وتؤدي إلى الوفاة في معظم الحالات؛ لا يمكن أن تصاب بكوفيد طويل الأمد إذا لم تصب بالعدوى في المقام الأول.

تتنوع التقديرات الخاصة بنسب الأشخاص المصابين الذين تتطور إصابتهم إلى كوفيد طويل الأمد، لكن مدير “المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية”، وولتر كوروشيتز، نوّه إلى أن أقوى تقدير تقريبي يتمثل في دراسة نشرت في شهر يونيو/حزيران في مجلة “طب الطبيعة” (Nature Medicine) وأجريت على 312 شخصاً غير محصن باللقاح مصاباً بكوفيد-19 في مدينة بيرغن النرويجية. اضطر بعض المشاركين في الدراسة للدخول إلى المستشفى بسبب إصابتهم في حين انعزل معظمهم في منازلهم ما يشير إلى أن إصاباتهم كانت خفيفة، وبعد 6 أشهر لا يزال 61% منهم يعانون من بعض الأعراض. والمثير للقلق هو أن 52% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و30 من أصحاب الإصابة الخفيفة أبلغوا عن معاناتهم من أعراض المرض بعد 6 أشهر.

وعندما سئل كوروشيتز عن إمكانية تطابق هذه الأرقام مع الولايات المتحدة قال: “أعتقد ذلك. لا أرى سبباً ليكون الوضع في الولايات المتحدة مختلفاً”.

كوروشيتز هو قائد مشارك لمبادرة “ريكوفر” (RECOVER Initiative)، التي أطلقتها وكالة البحث الطبي الأميركية “معاهد الصحة الوطنية (إن آي آتش)” (National Institutes of Health (NIH)) على نطاق واسع بهدف دراسة كوفيد طويل الأمد، بتمويل من مجلس النواب الذي خصص لها مبلغاً وقدره 1.15 مليار دولار في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2020. أعلن مدير معاهد الصحة الوطنية، فرانسيس كولينز، عن المبادرة في شهر فبراير/شباط، لكن الوكالة لم تدفع مبالغ التمويل الأولية للمؤسسات “لدعم البنية التحتية وتطوير الأبحاث الأساسية” تمهيداً لإجراء الدراسات الفعلية حتى شهر يونيو/حزيران. آنذاك، قال كولينز إنه يتوقع البدء بالتجارب “في الأسابيع والأشهر المقبلة”.

يتمثل هدف مبادرة “ريكوفر” في التوصل إلى علاج للأشخاص الذين استمرت أعراض كوفيد-19 لديهم على المدى الطويل، ويقول كوروشيتز إنه من أجل القيام بذلك سيتعين على العلماء أولاً التوصل إلى الأسباب الحيوية لكوفيد طويل الأمد. تتوفر عدة نظريات بالفعل، وقد اقترحت إيواساكي 3 منها: يمكن ببساطة أن يبقى الفيروس في الجسم بعد الإصابة ويسبب الأعراض. أو قد يكون المسؤول عن الأعراض هو “شبح” الفيروس، أي الأجزاء الباقية من بروتيناته وحمضه النووي الريبوزي (رنا) (RNA). أو ربما أدت الإصابة الأولى إلى تحفيز الاستجابة المناعية الذاتية التي بقيت مستمرة في الجسم. تقول إيواساكي إن النظرية الأخيرة تتوافق مع أسباب إصابة بعض ممن تلقوا جرعتي اللقاح بكوفيد طويل الأمد.

تقول: “من المتوقع أن تتمكن المناعة التي يولدها اللقاح من القضاء على معظم الفيروسات الداخلة ومنع انتشارها إلى الأعضاء البعيدة. أظن أنه من غير المحتمل أن تنشأ مصادر عدوى فيروسية في جسم تلقى جرعتي اللقاح. لكن إذا حفز الفيروس الاستجابة المناعية الذاتية فستؤدي إلى أعراض طويلة الأمد”.

هل يمكن للقاح تخفيف أعراض كوفيد طويل الأمد؟

من المشجع أنّ الأبحاث تؤكد قدرة اللقاح على تخفيف بعض أعراض كوفيد طويل الأمد. توصلت إيواساكي إلى أن نسبة تتراوح ما بين 30% و40% من الأشخاص يشعرون بالراحة جراء تلقي اللقاح، وتقول إن ذلك قد يكون بسبب تثبيط خلايا الاستجابة المناعية الذاتية التي تسبب الأعراض. مؤخراً، عملت إيواساكي بالتعاون مع مؤسسة “سرفايفر كوربس” على دراسة تأثير اللقاح على المرضى الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد، وقد استُلهمت هذه الدراسة من دراسة أخرى أجريت على نتائج الاستفتاء الذي يجرى ضمن المجموعة على منصة “فيسبوك”.

ستكون مبادرة “ريكوفر” مشروعاً ضخماً يتتبع الأشخاص الذين يعانون من إصابات جديدة وحادة بـ”كوفيد-19″ على مدى فترة زمنية طويلة إلى جانب الذين أصيبوا في السابق ويعانون حالياً من كوفيد طويل الأمد. ستساعد الدراسات التي ستجرى على بيانات تشريح الجثث والسجلات الصحية الإلكترونية في تسليط الضوء على الضرر طويل الأمد الناجم عن هذه الأعراض والعوامل التي تؤثر على التعافي. وفي نهاية المطاف ستؤدي هذه الجهود إلى توليد البيانات التي نحن بأمس الحاجة إليها عن كوفيد طويل الأمد، لكن ليس بالسرعة الكافية.

تقول بيرينت: “الناس يعانون ويموتون في حين تقف معاهد الصحة الوطنية مكتوفة الأيدي وتضيع الوقت بإجراءاتها البيروقراطية”.

يدرك كوروشيتز إحباط المرضى الذين يعانون من المرض والأطباء الذين يحاولون معالجتهم، يقول: “عملنا بلا انقطاع لإطلاق مبادرة ’ريكوفر‘ وجميع أجزائها، من واجبي أن أوجه اعتذاري لتأخر إجراءات تحريك الأموال ودفعها للأبحاث. لقد سارت الإجراءات على نحو أسرع من المعتاد، لكن مع ذلك يجب أن أوجه اعتذاري للناس”.

قالت إيواساكي إن فهم أسباب كوفيد طويل الأمد وآثاره ضروري من أجل تطوير الإجراءات العلاجية والتشخيصات التي من شأنها أن تساعد في نهاية المطاف على منع المزيد من المعاناة والصعوبات الاقتصادية. وأضافت: “تزداد أعداد المرضى الناجين من كوفيد-19 الذين تطورت لديهم آثار مجهدة طويلة الأمد، كالإعياء الشديد والخلل الإدراكي، وهي تمنعهم من استئناف العمل وعيش حياة طبيعية. وأثر ذلك مدمر بالنسبة لملايين الناس حول العالم”.

وفي نهاية الحديث عن موضوع الإصابة بكوفيد رغم تلقي اللقاح، لا يزال الاستفتاء الذي تجريه مؤسسة “سرفايفر كوربس” حول حالات عدوى اختراق التحصين وكوفيد طويل الأمد على “فيسبوك” جارياً وعاماً. وحالياً تركز بيرينت على مناصرة التركيز على كوفيد طويل الأمد وإقناع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بفرض الإبلاغ عن جميع حالات عدوى اختراق التحصين كإجراء إلزامي.

تقول: “يجب أن نتدخل عندما لا يتحرك أحد، وهذا أمر سخيف، لكن إذا كان ضرورياً فنحن هنا للقيام به”.

مجلة “فيوتشر تنس” هي شراكة بين مجلة “سليت” (Slate) ومركز التفكير “نيو أميركا” (New America) وجامعة أريزونا ستيت، وهي تتمعن في القضايا المتعلقة بالتكنولوجيات الناشئة والسياسات العامة والمجتمع.