الاختبارات السريعة للجينوم تقوم بتشخيص أخطر الأمراض عند الأطفال في الوقت المناسب لإنقاذهم

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدت رايلي سابل وكأنها طفلة سليمة تماماً عندما وُلدت في أغسطس 2016. ولكن بعد بضعة أشهر، أدرك والداها إيمي ييجر وروبرت سابل بأن لديها مشكلة ما، فبدلاً من قيامها بحركات الطفل الطبيعية كتحريك القدمين وقبض اليدين، فإن جسدها كان يرتعش ويتشنج.

أصيب والداها ييجر وسابل بالقلق، وقاموا بأخذها إلى الطبيب لإجراء بعض الاختبارات، والتي لم تُظهر أية نتائج تدل على وجود مشكلة. وخلال الأشهر التالية، ازدادت حالة رايلي سوءاً. إذ لم تكن تتمكن من رفع رأسها أو الجلوس مثل الأطفال الآخرين في عمرها، وبدأت تتعرّق بكثرة.

ثم قام والداها اللذين ازداد قلقهما بأخذها لمراجعة طبيبة الأعصاب جينيفر فريدمان في مستشفى رادي للأطفال في سان دييغو. واقترحت إجراء اختبار طبي أشمل يسمّى تسلسل كامل الجينوم، وهو تقنية تحدّد بدقة التسلسل الكامل للحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (حمض الدنا) عند الشخص – وذلك لكافة النيوكليوتيدات التي يبلغ عددها ستة مليارات – وتبحث عن الشذوذات للمساعدة في معرفة المشكلة.

وعادة ما يستغرق الأمر أسابيع حتى يقوم العلماء بتسلسل كامل الجينوم. لكن فريدمان وزملاءها في مستشفى رادي سّرعوا العملية إلى أقل من أسبوع، مما يسهم في جعل في التعرّف على المشكلة عند الأطفال المصابين بأمراض خطيرة أسرع بكثير حتى يتمكنوا من الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه للشفاء.

وتعدّ الأمراض الوراثية هي السبب الرئيسي لوفاة الرضّع في أميركا الشمالية، إذ تُصيب 4٪ من الأطفال حديثي الولادة. وبينما لا يزال هذا العمل في مستشفى رادي في مرحلة البحث – حيث تبلغ تكلفته على المستشفى حوالي 6,000 دولار لكل طفل – إلا أن هناك أمل بأنه قد يؤدي إلى اختبار طبي قياسي يمكنه إنقاذ آلاف الأرواح.

طلبت فريدمان إجراء الاختبار لرايلي في أحد أيام الثلاثاء في شهر أغسطس الماضي. وفي المختبر الداخلي لمستشفى رادي، قام التقنيون بأخذ الحمض النووي من دم الطفلة وبدأوا بإجراء التسلسل. وبحلول يوم الثلاثاء التالي، قام المختبر بتقديم التشخيص: مرض عصبي وراثي نادر يسمّى مرض باركنسون الطفلي، وهو نوع من اضطراب الحركة ويمكن أن يكون قاتلاً إذا تُرك دون علاج.

وبعد بضعة أيام من معرفة والديها للتشخيص، بدأت رايلي بأخذ دواء يسمّى ليفودوبا. يقول سابل: “لقد بدأنا نلاحظ تغييرات جذرية على الفور تقريباً”. وأصبحت ارتعاشات رايلي تحت السيطرة الآن. إذ يمكنها أن تجلس بمفردها وتعلّمت كيف تزحف وهي بعمر 18 شهراً.

 

ومنذ أن تم إجراء التسلسل لرايلي، أصبح مختبر مستشفى رادي أسرع في ذلك. إذ يمكن أن يكون الوقت اللازم لتسلسل كامل الجينوم أقل من أربعة أيام.

ويقول ستيفن كنجزمور – الرئيس والرئيس التنفيذي لمعهد رادي لطب الجينوم عند الأطفال: “يعدّ ذلك جزءاً من موجة جديدة من الطب الدقيق”. ومن خلال معرفة الأمور الجينية التي تكمن وراء أعراض الطفل، يحصل الأطباء على فكرة أفضل عن الأدوية التي قد تنجح أو لا تنجح ويمكن أن ينتهي الأمر بإنقاذ حياة الطفل.

ومن أجل حصول رايلي وغيرها من الأطفال الآخرين على المساعدة التي يحتاجون إليها في أسرع وقت ممكن، فقد قام التقنيون في مختبر رادي بتعديل تقنيات التسلسل الحالية ودمجها لجعل العملية أسرع. إذ يقومون أولاً بإدخال أجزاء دقيقة من الحمض النووي إلى شرائح زجاجية صغيرة، والتي يتم مسحها بالليزر في جهاز التسلسل. ويقوم الجهاز بقراءة نيوكليوتيدات الحمض النووي بحيث يمكن إعادة تجميع الشفرة الجينية وتحليلها في جهاز الكمبيوتر. ثم يستخدم عمّال المختبر شريحة حاسوبية لاستخلاص البيانات بالإضافة إلى مزيج من الأدوات البرمجية المختلفة لتحديد الطفرات الجينية وسبب المرض.

حتى الآن، استخدم الباحثون في مستشفى رادي التقنية السريعة لتسلسل الجينوم عند 340 طفلاً، معظمهم من حديثي الولادة والرضع. وقد أدى ذلك إلى تشخيص المرض عند حوالي ثلث هؤلاء الأطفال، وأدت النتائج عند هذا الثلث إلى تغيير الأطباء لطريقة العلاج عند الثلثين منهم تقريباً. وفي بعض الأحيان كان ذلك يتم عن طريق تجنب الأدوية أو الإجراءات التي قد تكون ضارة للطفل. وفي كثير من الحالات، فقد ساعدت هذه التغييرات الطفل على الشفاء بشكل أسرع ومغادرة المستشفى خلال وقت أقصر، وأدت في بعض الأحيان إلى إنقاذ حياة الطفل، كما يقول كنجزمور.

وتقول أناستيجا وايس – المتخصصة في علم الأوبئة في المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري التابع للمعاهد الوطنية للصحة – بأن هذه الوسائل لتسريع تسلسل الجينوم يمكنها أن تجعل من هذه التقنية خياراً أكثر عمليةً في الحالات التي يعاني فيها المرضى من أمراض خطيرة تهدد حياتهم وتحتاج إلى علاجها بسرعة.

وتزداد سرعة الباحثين في مستشفى رادي بشكل أكبر. ففي شهر فبراير، قام كنجزمور وفريقه بتحطيم الرقم القياسي المسجل لسرعة تسلسل الجينوم البشري، وذلك في غضون 19.5 ساعة (من الجدير بالذكر أن إجراء أول تسلسل للجينوم البشري استغرق 13 عاماً، من 1990 إلى 2003).

ويرغب كنجزمور وفريقه بإنقاص الوقت بحيث يتناسب مع مناوبة الطبيب في وحدة العناية المركزة، والتي يمكن أن تستمر لمدة 24 ساعة أو أكثر. وبهذه الطريقة، يمكن لنفس الطبيب الذي طلب إجراء الاختبار أن يرى النتائج، كما يقول.

في الوقت الحالي، لن يكون تسلسل الجينوم خلال 19.5 ساعة أمراً تقليدياً. إذ حصل كنجزمور وفريقه على مساعدة من بعض شركات الجينوم بما فيها شركة إلومينا. ولا بدّ من تحسين العملية بشكل أكبر قبل استخدامها في الحالات المستقبلية.

ويقوم مستشفى رادي بتوسيع جهوده في التسلسل السريع. وعلى الرغم من أنه لا يزال في مرحلة البحث، إلا أنه يقوم الآن بإجراء الاختبار لأربع مستشفيات للأطفال في مينيسوتا وكولورادو وفلوريدا وكاليفورنيا. ويأمل المستشفى خلال السنوات القليلة المقبلة أن يقوم بإجراء التسلسل لما يصل إلى 5000 جينوم باستخدام الطريقة السريعة.

ويكشف تسلسل الجينوم أحياناً عن حالة مرضيّة لا يمكن علاجها، أو قد يموت الطفل أثناء وجوده في وحدة العناية المركزة. ومع ذلك، فإن مجرد معرفة سبب وفاة الطفل يمكن أن يعطي بعض العزاء لهؤلاء الآباء، كما يقول كنجزمور. ويقول: “إن القدرة على ذكر اسم المرض ولقاء الآباء الآخرين ومناقشة الأمر معهم يمكن أن تساعد في تجاوز عملية الحزن”.