شركات في مقدمتها جوجل تعمل على بناء أنظمة للذكاء الاصطناعي يمكنها أن تشكك بنفسها

3 دقائق
حين تكون البطارية قيد الشحن أو قيد التفريغ، فإن هناك مقدارًا ضئيلًا من السعة الضائعة في البطارية لا يمكن استعادته.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التعلم العميق، وهو أقوى أساليب الذكاء الاصطناعي، في طريقه لاكتساب قدرة جديدة: الإحساس بالارتياب (عدم اليقين).

يعمل الباحثون في كل من أوبر وجوجل على إدخال تعديلات على إطاري التعلم العميق الأكثر شيوعاً ستمكنهما من التعامل مع الاحتمالات. سيوفر هذا الأمر لأكثر برامج الذكاء الاصطناعي ذكاءً وسيلة لقياس مدى ثقتها بالتوقعات التي تتكهن بها، أو بالقرارات التي تتخذها. الهدف الإساسي هو أن تعلم متى يتوجب عليها أن تشكك بنفسها.

حقق التعلم العميق، الذي يستلزم تزويد شبكة عصبونية ذات أبعاد كبيرة وقدرات عالية بعينات من البيانات التجريبية، نجاحاً هائلاً على مدار السنوات القليلة الماضية مما مكّن الآلات من التعرف على الأشياء ضمن الصور، أو تدوين المحادثات بشكل مثالي تقريباً. ولكنه يتطلب الكثير من البيانات للتدريب، والكثير قدرات الحوسبة، وقد تعاني من الهشاشة على نحو مثير للدهشة.

وعلى نحو غير متوقع إلى حد ما، فإن هذا التشكيك الذاتي يقدم أحد الحلول. فهذا الأسلوب الجديد قد يكون مفيداً في سيناريوهات حاسمة تشمل السيارات ذاتية القيادة، وغيرها من الآلات ذاتية التحكم.

يقول داستن تران، الذي يعمل على هذه المشكلة في شركة جوجل: “لا شك أنك تحبذ وجود نظام يمنحك قياساً لمدى تأكده من أمر معين”. ويضيف: “إن لم تتمكن إحدى السيارات ذاتية القيادة من معرفة مستوى الارتياب لديها بشأن صحة المعلومات، فقد ترتكب خطأ فادحاً، وقد يكون لذلك عواقب كارثية”.

يعكس هذا العمل الحقيقة التي مفادها أن الارتياب يمثل جانباً أساسياً من منطق التفكير والذكاء عند البشر. وإضافته إلى برامج الذكاء الاصطناعي قد يجعلها أكثر ذكاء وأقل ميلاً لارتكاب الأخطاء الفادحة، وذلك بحسب زوبين جاهراماني، الباحث البارز في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو أستاذ في جامعة كامبريدج وكبير العلماء في شركة أوبر.

قد تثبت الأهمية البالغة لهذا التوجه مستقبلاً نظراً لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي يتم استخدامها في سيناريوهات أكثر أهمية. أخبر جاهراماني ونحن نحتسي القهوة معاً في صباح أحد الأيام التي تخللت واحداً من أبرز مؤتمرات  الذكاء الاصطناعي، والذي أقيم في لونج بيتش في كاليفورنيا في ديسمبر من العام المنصرم 2017، حيث قال: “نريد الحصول على إطار متين للتعلم العميق، ولكننا نريد أن نسهّل على الناس أمر تمثيل الارتياب”.

خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي نفسه، وفي ظهيرة أحد الأيام، اجتمعت ثلّة من الباحثين في حانة مجاورة لمناقشة “بايرو”، وهي لغة برمجية جديدة أطلقتها أوبر، وهي تدمج التعلم العميق مع البرمجة الاحتمالية.

كان نواه جودمان وراء تنظيم اللقاء في لونج بيتش، وهو أستاذ في جامعة ستانفورد وأحد العاملين أيضاً في مختبر الذكاء الاصطناعي في أوبر. بشعره المجعد والأشعث ومرتدياً قميصه غير المزرر، قد يظنه المرء بسهولة معلماً لليوغا وليس خبيراً في الذكاء الاصطناعي. وكان “تران” من بين أولئك المجتمعين، الذي ساهم أيضاً في تطوير بايرو.

يوضح جودمان أن منح التعلم العميق القدرة على معالجة الاحتمالات، يمكن أن يجعله أكثر ذكاءً بطرق عديدة. على سبيل المثال، يمكنه أن يساعد البرنامج للتعرف على الأشياء، بدرجة معقولة من اليقين، بالاعتماد على عدد قليل من الأمثلة بدلاً من أن يصل عددها إلى عدة آلاف. كما أن توفير مقياس لليقين بدلاً من الإجابة بنعم أو لا، ينبغي له أن يساعد أيضاً في الأنظمة الهندسية المعقدة.

وفي حين أن نظام التعلم العميق التقليدي يتعلم فقط من البيانات التي يتم تزويده بها، يمكن لبايرو أن تستخدم أيضاً في بناء أنظمة مبرمجة مسبقاً بالاعتماد على المخزون المعرفي. قد يكون هذا مفيداً في أي سيناريو قد يظهر فيه التعلم الآلي في الوقت الحالي.

يقول جودمان: “في الحالات التي يكون لديك فيها معرفة مسبقة تريد بناءها ضمن النموذج، فإن البرمجة الاحتمالية مفيدة بصفة خاصة”. ويضيف: “سيستخدم الناس بايرو لمعالجة كل ما يمكن تصوره”.

“إدوارد” هي لغة برمجية أخرى تدعم مفهوم الارتياب، وقد تم تطويرها في جامعة كولومبيا بتمويل من وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية “داربا”. ما تزال كل من بايرو وإدوارد في المراحل الأولى من التطوير، ولكن ليس من الصعب معرفة السبب الذي يدفع أوبر وجوجل للاهتمام بهما.

فأوبر تستخدم التعلم الآلي في عدد لا يحصى من المجالات، من توجيه السائقين إلى تحديد أجور ركوب سياراتها بشكل ديناميكي (بناء على تغيرات العرض والطب)، وبالطبع في سياراتها ذاتية القيادة. وقد أنفقت الشركة استثمارات مبالغ طائلة على الذكاء الاصطناعي، حيث وظفت عدداً من الخبراء للعمل على أفكار جديدة.

أما جوجل، فقد أعادت بناء أعمالها بالكامل لترتكز حول الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق في الآونة الأخيرة.

يقول ديفيد بلي، أستاذ الإحصاء وعلوم الحاسوب في جامعة كولومبيا ومشرف “تران”؛ إن الجمع بين التعلم العميق والبرمجة الاحتمالية يُعدّ فكرة واعدة تحتاج إلى المزيد من العمل. يقول ديفيد: “إنها فكرة عظيمة من حيث المبدأ”. ويضيف: “لكن هناك العديد من التحديات التقنية”.

ومع ذلك، كما يشير جودمان، فإن بايرو وإدوارد في غاية الأهمية أيضاً للجمع بين مدرستين متنافستين في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تركز إحداهما على الشبكات العصبونية، في حين تركز الأخرى على الاحتمالات.

في السنوات الأخيرة، كانت مدرسة الشبكات العصبونية مهيمنة للغاية إلى حد أنه تم إغفال جميع الأفكار الأخرى. وللمضي قدماً، قد يحتاج هذا المجال إلى تبني هذه الأفكار.

يقول جودمان: “إن الجزء المثير للاهتمام من القصة هنا هو  أنه ليس عليك التفكير بهذه المقاربات على أنها منفصلة”. ويضيف: “يمكنها أن تكون مجتمعة – في الواقع، ستكون كذلك – في الأدوات التي نبنيها الآن”.

حتى أنك قد تقول في قرارة نفسك إن هذه الأنظمة تصبح أكثر ذكاءً، بشكل جزئي، من خلال تعلم ما لا تعرفه.