التصدي لفيروس كورونا المستجد لا يسوغ انتهاك حقوق الأفراد

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في مدينة ووهان الصينية ليلة رأس السنة الجديدة وانتشاره السريع، تتصاعد المخاوف المحلية والدولية وتخرج دعوات لإعلان حالة الطوارئ مع وجود خوف كبير من انتهاك حقوق الأفراد أثناء التصدي لهذه الجائحة.

قد يعتقد المرء الآن أننا مستعدون عالمياً لهذا النوع من التهديدات نظراً لنجاحنا في السيطرة على فيروسات كورونا السابقة مثل “سارس” (SARS) و”المتلازمة التنفسية الشرق أوسطية” (MERS) منذ عام 2002. مع ذلك، وكما ذكر كل من كاثرين باولز وهيلاري مارستو وأنتوني فاوسي في “مجلة الجمعية الطبية الأميركية” (Journal of the American Medical Association)، أن ظهور مرض آخر من الأمراض البشرية الناجمة عن فيروس كورونا، يؤكد التحدي المستمر المتمثل في الأمراض المعدية الجديدة وأهمية الاستعداد الدائم لها”.

إنه تحدٍ معاصر، لكن على يبدو أن “منظمة الصحة العالمية” والسلطات الحكومية الصينية وقادة آخرون في الصين لم يفهموه على هذا النحو. إذ بعد الأخذ في الاعتبار جميع الأدلة المتاحة، صوتت لجنة الطوارئ التابعة لـمنظمة الصحة العالمية الشهر الماضي ضد إعلان حالة الطوارئ الدولية للصحة العامة (PHEIC). فاللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ هو أكثر من مجرد وضع سياسي، حيث يجرى تطبيق “اللوائح الصحية العالمية” (International Health Regulations) الخاصة بـ “إعلان حالة الطوارئ الدولية للصحة العامة” التي تم تحديثها في عام 2007 استجابة للدروس المستفادة من انتشار فيروس سارس على وجه الخصوص.

توصلت لجنة “منظمة الصحة العالمية” إلى هذا القرار على الرغم من “أنه من المتوقع أن تظهر المزيد من الحالات لتنتقل إلى أي بلد في العالم”. ورهناً بإعادة النظر اللاحقة، يبدو أن قرارها غير موفق في مواجهة حالة تنتشر بسرعة وتنتقل من إنسان إلى آخر مع عدم وجود دواء أو علاج أو لقاح معروف، ومعدل وفيات اقترب من 4% من عدد المصابين بالمرض.

الإجراءات التي أدت إلى انتهاك حقوق الأفراد في أثناء الأوبئة

عززت السلطات الصينية من استجابتها بشدة ربما لتجنب حدوث كارثة عالمية أخرى بسبب سوء تعاملها مع أزمة فيروس “سارس” وبسبب التضليل الفاضح الذي انتهجته حيال حقائق انتشاره في عام 2002. ومع ذلك، فإن العديد من الإجراءات التي تتخذها الآن تعد عدائية للغاية لأنها تنتهك حقوق الإنسان وتعد غير فعالة في وقف انتشار الوباء الجديد.

أنشأ المسؤولون الصينيون “طوقاً وقائياً” حول مدينة ووهان والعديد من المدن الأخرى التي حُددت على أنها بؤر لاحتضان فيروس “كوفيد-19” وانتشاره، كما منعوا أكثر من 35 مليون شخص من مغادرة الحدود الإدارية للولايات التي يقطنون بها. ومع إلغاء آلاف الرحلات الجوية، يُمنع الأجانب من الدخول إلى هذه المدن أيضاً.

أصبح الأشخاص المحاصرون في مدينة ووهان وأماكن أخرى عالقين هناك ومقيدين من ناحية القدرة على التحرك في مجتمعهم. وأولئك الذين تظهر عليهم علامات العدوى يُغرقون المستشفيات المحلية، ويجري التعامل مع حالاتهم وفحصهم، واضطر مئات المصابين إلى المكوث في الحجر الصحي، وأصيب العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية أثناء محاولتهم علاج الحالات التي وصلت أعدادها إلى أرقام قياسية.

والأسوأ من ذلك هو أن وسائل الإعلام الصينية وغيرها من المصادر قللت من أهمية التهديد الذي يواجه الصحة العامة. وتجنبت البرامج التلفزيونية الصينية التي عرضت مؤخراً تصوير “فيورس كوفيد-19” على أنه تهديد للسكان. تساعد منصات وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن المعلومات المضللة التي تقرها الحكومة، ولكنها تنشر أيضاً إشاعات مزيفة حول الفيروس وحول مخاوف الناس من انتقام الجهات الحكومية من الناس حال تقصيرهم في الإبلاغ عن أعراض المرض إذا أصيبوا به. اتخذ بعض المسؤولين الصينيين نهجاً صارماً لضمان الامتثال لقواعد الصحة العامة. فقد كُتب في منشور ظهر مؤقتاً على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل “لجنة الحزب الشيوعي” أن أي شخص يخفي عن عمد الإصابة بالمرض في الصين “سيلازمه العار إلى الأبد”.

تفرض دول أخرى قيوداً على سفر مواطنين صينيين إليها. فقد أغلقتكوريا الشمالية بالفعل حدودها أمام السياح الأجانب على الرغم من الموارد المربحة التي تدرها السياحة على اقتصادها المتعثر. وبما أن التاريخ يعيد نفسه، ستنظر بعض الدول قريباً في فكرة تقييد الرحلات الجوية من وإلى الصين على الرغم من إرشادات “منظمة الصحة العالمية”.

تسهم الأمراض المعدية الجديدة مثل “فيروس كوفيد-19” في إثارة مخاوف الناس لأسباب واضحة، والتي تفاقمت بعد ذلك بسبب هذا النوع من الاستجابة العدائية المفرطة من قبل الحكومات. من الناحية المثالية، ينبغي أن تستند تدابير الصحة العامة إلى نتائج وبائية محددة وتدخلات مؤكدة مرتبطة مباشرة بالمخاطر الفعلية والتي يدعمها برنامج “إبي داتا” (epi data)، وهو برنامج تستخدمه “منظمة الصحة العالمية” لجمع البيانات الوبائية والطبية والمتعلقة بالصحة العامة”. إذ من المسلّم به أن تدابير الصحة العامة يصعب تطبيقها عندما تكون البيانات المتاحة غير واضحة أو غير موثوقة.

بناء على ما سبق، فإن الهيئات الصحية الدولية والحكومات الوطنية أو الإقليمية تعود إلى القرارات “الآمنة” في بعض الأحيان لتجنب الخلافات السياسية مثل قرار “منظمة الصحة العالمية” بعدم “إعلان حالة الطوارئ الدولية للصحة العامة”، أو تستخدم تدابير مقيدة للغاية للحد من التداعيات المضرة بالصحة العامة مثل الحجر الصحي على المدينة الصينية أو فرض قيود على السفر. لكن الحقيقة تكمن في أنه لا يوجد منهج ينجح بالفعل من هذين المنهجين إلى الآن.

حماية حقوق الإنسان أثناء جائحة فيروس كورونا

ما ينجح هو التدخلات القانونية والأخلاقية المرتبطة بحماية حقوق الإنسان والتي تتطلب صلاحيات لحماية الصحة العامة، وهي مصممة لمواجهة مخاطر محددة وتشجع الناس على الامتثال طوعاً حيثما أمكن لتحقيق الأهداف المشروعة والمشتركة.

خذ على سبيل المثال تدخلات الصحة العامة لضمان السفر الآمن جواً. تشكل الرحلات الجوية العالمية مخاطر لانتشار الأمراض من دون أدنى شك. فقد وثّقت العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) التي تصل داخل حدودها من خلال السفر الجوي. ومن المؤكد أن هناك المزيد من الحالات سوف تطفو على السطح. إلا أن وقف السفر الجوي ليس خياراً من الناحية الاقتصادية، ولا هو مفيد من منظور الصحة العامة، فمعظم الركاب وأفراد الطاقم لا يمثلون أي خطر لنقل عدوى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

بدلاً من تقييد الرحلات الجوية من الصين أو حظرها، كما فعلت بعض الدول (بما في ذلك الصين نفسها)، في حالات تفشي المرض السابقة، تبذل سلطات الصحة العامة الأميركية جهوداً حثيثة لإجراء الفحوصات غير المكثفة على الركاب في رحلات جوية منتقاة لتقييم المخاطر الصحية بين الركاب أو أفراد الطاقم.

بدأت مؤسسة “مراكز مكافحة الأمراض واتقائها” (Centers for Disease Control and Prevention) الفيدرالية في الولايات المتحدة في إجراءات الفحوصات المحسنة لـ “فيروس كورونا المستجد” بداية في ثلاثة مطارات أميركية، وهي مطار “جون إف كينيدي الدولي” (JFK)، و”مطار لوس أنجلوس الدولي” (LAX)، و”مطار سان فرانسيسكو الدولي” (SFO) في 17 يناير/ كانون الثاني، وتم اختيار مطارين إضافيين، وهما “مطار أوهير الدولي” (ORD)، و”مطار هارتسفيلد جاكسون” (ATL) بعد ذلك بوقت قصير. توظف وسائل الفحص المحسنة أدوات رقابية لتتبع الحالات المحتملة داخل المطارات التي تستقبل الغالبية العظمى من الركاب القادمين من البلدان المتأثرة بالمرض. ويجري طرح الأسئلة على هؤلاء المسافرين بداية، والتحقق من أن درجة حرارة أجسامهم طبيعية عند نقاط الدخول والخروج.

نادراً ما تكون هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات المتقدمة مثل الحجر الصحي والعزل بعد الفحص في المطار. في الواقع، لم تُكشف خلال إجراءات الفحص هذه إلا حالات قليلة جداً التي من الممكن أن تكون معدية. عندما أعلنت “منظمة الصحة العالمية” عن “إعلان حالة الطوارئ الدولية للصحة العامة” في 8 أغسطس/آب 2014، بخصوص فيروس “إيبولا” في غرب إفريقيا، أجرت البلدان التي انتشر فيها المرض بكثرة فحصاً للمسافرين إلى الخارج في المطارات الدولية. في “مطار فريتاون الدولي” (Freetown International Airport)، في سيراليون، خضع 166,242 مسافراً لهذا الفحص بين سبتمبر/ أيلول 2014 وفبراير/ شباط 2016، واشتبه في ظهور أعراض المرض على 10 ركاب، مُنع 5 منهم من السفر بسبب إصابتهم بالملاريا والتيفوئيد (في حالتين منفصلتين)، ولكنهما لم يُصابا بالإيبولا. بينما لم تُظهر تقنيات فحص الدخول المستخدمة في العديد من مطارات الولايات المتحدة خلال فترة تفشي المرض أي حالة مؤكدة على مدى 30 يوماً في عام 2014.

في حين أن فاعلية عمليات الفحص المحدودة وغير المكثفة للأمراض المعدية مثل الإيبولا وفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تظل موضع تساؤل، فإنها من الناحية القانونية وعلى مستوى الفائدة المرجوة منها ليست كذلك. حيث ترى “منظمة الصحة العالمية” ومؤسسة “مراكز مكافحة الأمراض واتقائها” أن مثل هذا الفحص يمثل عنصراً أساسياً في الجهود المبذولة لزيادة الوعي العالمي، وتحديد المسافرين الذين تظهر عليهم الأعراض، وتتبع ورصد الحالات المحتملة، وغرس الثقة بين جميع الركاب في أن السفر جواً ما يزال آمناً.

إذاً، ما الذي نتعلمه من هذه الأساليب الجديدة؟ هناك حاجة إلى الاستجابة الفورية، مع عدم انتهاك حقوق الإنسان دون مبرر. كما هو الحال مع الأوبئة السابقة، فإن أفضل طريقة لحماية السكان هي مطابقة البيانات الدقيقة مع الأسس العلمية السليمة واحترام حقوق الأفراد، وليس انتهاكها أثناء التصدي لجائحة فيروس كورونا.