16,625 بحثاً علمياً يكشفون لنا عن الوجهة القادمة للذكاء الاصطناعي

5 دقائق
مصدر الصورة: دانييل زيندر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن كل ما تسمعه تقريباً عن الذكاء الاصطناعي اليوم هو بفضل التعلم العميق. وتعمل هذه الفئة من الخوارزميات عن طريق استخدام الإحصائيات للعثور على الأنماط في البيانات، وقد أثبتت قدرات هائلة في تقليد المهارات البشرية، مثل القدرة على الرؤية والسمع، بل إنها قادرة على محاكاة التفكير المنطقي بشكل ضيق للغاية. وتعتمد العديد من الأنظمة على هذه الخوارزميات، مثل محرك البحث جوجل، واختيار منشورات الصفحة الرئيسية في فيسبوك، ومحرك الاقتراحات في نيتفليكس، وقد بدأت بإحداث تحولات جذرية في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية.

ولكن، وعلى الرغم من أن التعلم العميق تمكن بشكل منفرد من دفع الذكاء الاصطناعي نحو دائرة الاهتمام العام، فهو لا يمثل سوى نقطة صغيرة في سعي البشرية نحو محاكاة ذكاء الانسان. وقد كان في مقدمة هذه الجهود لفترة تقل عن 10 سنوات. ولكن، إذا نظرت إلى تاريخ المجال بأكمله، سترى بسهولة أن التعلم العميق يتجه نحو الانتهاء.

يقول بيدرو دومينجوز، وهو بروفسور في علوم الحاسوب في جامعة واشنطن، ومؤلف كتاب “The Master Algorithm“: “لو كتب شخص ما في 2011 أننا سنرى عبارة مشابهة في الصفحات الأولى من الصحف والمجلات بعد بضع سنوات، لقلنا له: لا بد أنك تتعاطى مادة أفقدتك عقلك”.

يكمل دومينجوز قائلاً إن مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي كان يتميز بالصعود والهبوط المفاجئ لتقنيات مختلفة منذ زمن طويل. وقد شهد كل عقد منافسة شديدة بين أفكار مختلفة، وبين الحين والآخر، وبشكل مفاجئ كأنما بكبسة زر، يركز الجميع على فكرة واحدة.

رغبنا في إم آي تي تكنولوجي ريفيو بأن نستعرض هذه التقلبات بشكل مرئي، ولهذا لجأنا إلى واحدة من أكبر قواعد البيانات المفتوحة للأبحاث العلمية: arXiv. وقمنا بتحميل ملخصات جميع الأبحاث الموجودة في قسم الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى 18 نوفمبر، 2018، والبالغ عددها 16,625 بحثاً، وقمنا بتتبع الكلمات المذكورة في هذه الملخصات عبر السنوات لنرى كيف تطور هذا المجال.

بعد تحليل البيانات، وجدنا ثلاثة توجهات رئيسية: نقلة نحو التعلم الآلي خلال أواخر التسعينيات وأوائل القرن الجديد، وصعوداً في شعبية الشبكات العصبونية في بداية العقد الثاني من القرن الجديد، ونمواً في التعلم المعزز في السنوات القليلة الماضية.

علينا في البداية أن نذكر ببعض الأشياء. أولاً، يعود قسم الذكاء الاصطناعي في arXiv إلى 1993 فقط، في حين أن مصطلح “الذكاء الاصطناعي” يعود إلى الخمسينيات، أي أن قاعدة البيانات هذه لا تمثل سوى الفصول الحديثة من تاريخ هذا المجال. ثانياً، فإن الأبحاث التي تضاف إلى قاعدة البيانات سنوياً لا تمثل سوى جزء من العمل المنجز في هذا المجال حالياً. وعلى كل حال، فإن arXiv مصدر رائع لاستخلاص بعض أكبر التوجهات، ولرؤية التجاذبات بين الأفكار المختلفة.

عصر التعلم الآلي

إن أكبر نقلة وجدناها كانت تمثل الابتعاد عن الأنظمة المبنية على المعرفة في بدايات العقد الأول من القرن الجديد. وقد كانت هذه البرامج الحاسوبية مبنية على فكرة تقول إنه يمكن استخدام القواعد لتمثيل كل أشكال المعرفة البشرية، وقد استعاض الباحثون عنها بالتعلم الآلي، وهو الفئة الأساسية التي تنضوي تحتها خوارزميات التعلم العميق.

من ضمن أول 100 كلمة مذكورة في هذه الأبحاث، فإن الكلمات المتعلقة بالأنظمة المبنية على المعرفة، مثل “منطق” و”قيد” و”قاعدة” شهدت أكبر قدر من التراجع، على حين أن الكلمات المتعلقة بالتعلم الآلي، مثل “بيانات” و”شبكة” و”أداء” شهدت أكبر قدر من النمو.

أما سبب هذا التغير الشامل فهو بسيط للغاية. ففي الثمانينيات، حازت الأنظمة المبنية على المعرفة على شعبية كاسحة بفضل الحماسة التي رافقت مشاريع طموحة تهدف إلى محاكاة المنطق السليم باستخدام الآلات. ولكن مع التعمق في هذه المشاريع، واجه الباحثون عقبة كبيرة: فقد كان هناك عدد هائل من القواعد التي كان يجب ترميزها حتى يتمكن النظام من تحقيق أي شيء مفيد، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف وإبطاء العمل بشكل كبير. وقد ظهر التعلم الآلي كحل لهذه المشكلة، فبدلاً من أن يقوم البشر يدوياً بترميز مئات أو آلاف القواعد، مكنت هذه الطريقة الآلات من استخلاص هذه القواعد بشكل آلي من كميات كبيرة من البيانات. وهكذا، انتقل التركيز من الأنظمة المبنية على المعرفة إلى تحسين التعلم الآلي.

ازدهار الشبكات العصبونية

ضمن هذه الحقبة الجديدة من التعلم الآلي، فإن النقلة نحو التعلم العميق لم تحدث فورياً. وبدلاً من ذلك، كما يظهر تحليلنا للمصطلحات الأساسية، قام الباحثون باختبار مجموعة متنوعة من الطرائق إضافة إلى الشبكات العصبونية، وهي الآلية الرئيسية التي يعتمد عليها التعلم العميق. ومن بعض التقنيات المفضلة الأخرى: الشبكات البايزية، وآلات شعاع الدعم، والخوارزميات التطورية، وجميعها تعتمد على أساليب مختلفة للعثور على أنماط في البيانات.

خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الجديد، ظهرت منافسة متواصلة بين جميع هذه الطرائق. وبعد ذلك، في 2012، ظهر إنجاز محوري أدى إلى تغير شامل آخر. فخلال مسابقة إيماج نت السنوية، والتي كانت تهدف إلى تحفيز التطوير في مجال الرؤية الحاسوبية، تمكن الباحث جيفري هينتون ومجموعة من زملائه في جامعة تورونتو من تحقيق أفضل دقة في التعرف على الصورة بفارق مدهش بلغ أكثر من 10%. أدت التقنية التي استخدموها، والمسماة بالتعلم العميق، إلى إطلاق موجة من الأبحاث الجديدة، بدأت أولاً في مجال الرؤية الحاسوبية وانتشرت إلى مجالات أخرى. ومع تزايد عدد الباحثين الذين استخدموا التعلم العميق لتحقيق نتائج ممتازة، زادت شعبيته وشعبية الشبكات العصبونية.

صعود التعلم المعزز

في السنوات القليلة التي تلت صعود التعلم العميق، يكشف تحليلنا حدوث النقلة الثالثة والأخيرة في أبحاث الذكاء الاصطناعي.

إضافة إلى جميع التقنيات المستخدمة في التعلم العميق، هناك ثلاثة أنواع مختلفة: التعلم الموجه، والتعلم غير الموجه، والتعلم المعزز. يتضمن التعلم الموجه تلقيم الآلة ببيانات مصنفة، وهو الأكثر شيوعاً وتطبيقاً من الناحية العملية حتى الآن. ولكن في السنوات الأخيرة، شهد التعلم المعزز –والذي يحاكي عملية تدريب الحيوانات عن طريق العقوبة والمكافأة- تزايداً كبيراً في عدد مرات ذكره في ملخصات الأبحاث.

ليست الفكرة جديدة، ولكنها لم تلاق النجاح لعدة عقود. يقول دومينجوز: “كان باحثو التعلم الموجه يسخرون من باحثي التعلم المعزز”، ولكن، وكما في حالة التعلم العميق، أدت لحظة محورية واحدة إلى بروز هذه الفكرة. أتت هذه اللحظة في أكتوبر 2015، عندما تمكن برنامج ألفا جو من ديب مايند، والذي تم تدريبه بالتعلم المعزز، من التغلب على بطل العالم في لعبة جو القديمة، وهو ما أحدث أثراً فورياً في الأوساط البحثية.

العقد المقبل

على الرغم من أن تحليلنا يقدم فقط لقطة حديثة للمنافسة بين الأفكار التي تميز أبحاث الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يوضح التقلبات المستمرة في السعي نحو محاكاة الذكاء البشري. يقول دومينجوز: “الشي الأساسي الذي يجب أن ندركه هو أنه لا أحد يعرف كيف يمكن حل هذه المشكلة”. نشأت الكثير من التقنيات المستخدمة في السنوات الخمس والعشرين الماضية في نفس الوقت تقريباً، أي في الخمسينيات، وقد شهدت تزايداً وتراجعاً في شعبيتها مع التحديات والنجاحات في كل عقد. وعلى سبيل المثال، فقد شهدت الشبكات العصبونية ذروة شعبيتها في الستينيات، ولوقت قصير في الثمانينيات، ولكنها كادت تضمحل تماماً قبل أن تكسب شعبيتها الحالية مرة أخرى عن طريق التعلم العميق.

يمكن القول إن كل عقد شهد سيطرة تقنية مختلفة: فقد هيمنت الشبكات العصبونية على أواخر الخمسينيات والستينيات، وانتشرت مقاربات صورية مختلفة في السبعينيات، وسيطرت الأنظمة المبنية على المعرفة على الثمانينيات، وكانت التسعينيات من نصيب الشبكات البايزية، واستحوذت آلات شعاع الدعم على العقد الأول من القرن الجديد، وأخيراً، عادت الشبكات العصبونية في العقد الثاني.

لن يكون العقد الثالث مختلفاً، كما يقول دومينجوز، ما يعني أن حقبة التعلم العميق قد تصل إلى نهايتها قريباً. ولكن الأوساط البحثية، على عادتها، تحمل في جعبتها الكثير من الأفكار المتنافسة حول ما سيأتي لاحقاً، سواء أكان طريقة قديمة ستعود إلى نطاق الاهتمام من جديد، أو طريقة جديدة تماماً ستستحوذ على حقل الذكاء الاصطناعي. يقول دومينجوز: “إذا تمكنت من الإجابة عن هذا السؤال، فهي إجابة تستحق براءة اختراع”.