دراسة إماراتية تُقَدِّم حلاً لمكافحة التزييف العميق باستخدام البلوك تشين

3 دقائق
مصدر الصورة: شاترستوك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أبريل 2018، انتشر مقطع فيديو قصير للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يُوَجِّه فيه إهانات لعدة أشخاص، من ضمنهم الرئيس الحالي دونالد ترامب. للوهلة الأولى، يبدو أن أوباما هو من يتحدث فعلاً؛ فتعبيرات الوجه وحركات الشفاه والكلمات تتطابق بشكل طبيعي لا يدعو للشك، والصوت الذي يتحدث هو الصوت الحقيقي للرئيس الأميركي السابق. باختصار، لا يوجد ما يثير الريبة بخصوص هذا المقطع سوى أن أوباما نفسه يقول بعد ذلك إنه لا يمكنه أن يتفوه بمثل هذه الكلمات. وفي مقطع فيديو آخر، يظهر بابا الفاتيكان البابا فرانسيس وهو يقوم بخدعة تعتمد على خفة اليد.

جذب مقطع الفيديو المزيف للرئيس أوباما انتباه الباحثة هيا رائد، التي كانت تكتب أطروحتها للماجستير في الكمبيوتر والهندسة الكهربائية، وكان حافزاً لورقة علمية -نشرتها بالتعاون مع الدكتور خالد صلاح، أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الكمبيوتر في جامعة خليفة بالإمارات العربية المتحدة- تقترح حلاً لوقف انتشار الفيديوهات المزيفة على الإنترنت، وذلك باستخدام تقنية البلوك تشين (سلسلة الكتل) والعقود الذكية.

مقطعا الفيديو السابقان هما مثالان على تقنية تُعرف باسم التزييف العميق يمكن عن طريقها صنعِ فيديوهات مزيفة من خلال التعلُّم الآلي، عبر دمج مجموعة صور ومقاطع فيديو لشخص معين، لإنتاج مقطع فيديو جديد يقول فيه الشخص كلاماً غير حقيقي أو يقوم بتصرفات لم يقم بها في الواقع.

وأوضح الدكتور صلاح، لموقع جامعة خليفة، في ديسمبر 2019، أنه “مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، فإن انتشار مثل هذا المحتوى قد لا يمكن إيقافه، وقد يؤدي إلى تفاقم المشاكل المرتبطة بالمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة. وبالتالي، فإن هناك حاجة ماسة إلى استخدام نظام إثبات الصحة (Proof of Authenticity (PoA) system) للمحتوى الرقمي على الإنترنت، لتحديد المصادر المنشورة الموثوقة، وبالتالي القدرة على مكافحة مقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية والصور عميقة التزييف”.

وفي الورقة العلمية، التي نُشرت في مجلة (IEEE Access) العلمية، التي يصدرها معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات ومقره في الولايات المتحدة، يشير الباحثان إلى أنه حتى اليوم لا توجد طرق ثابتة لتحديد صحة الوسائط الرقمية الموجودة على الإنترنت، إلا أنه ليس من الصعب تحقيق هذا الغرض إذا كانت هناك طريقة موثوقة وآمنة لتتبُّع تاريخ المحتوى الرقمي. لذا، يُقَدِّم البحث نظام إثبات صحة (PoA) لا مركزياً، باستخدام البلوك تشين.

الفكرة الأساسية هي مساعدة المستخدمين على تحديد ما إذا كان يمكن تتبُّع مقطع فيديو أو محتوى رقمي إلى مصدر موثوق وجيد السمعة أم لا، فإذا كان الفيديو أو المحتوى الرقمي غير قابل للتتبع، فلا يمكن الوثوق فيه.

وباعتبارها قاعدة بيانات مشتركة -يتم التحقق من صحتها من قِبل مجتمع واسع- فإن البلوك تشين تُوَفِّر سجلاً (دفتراً) لا مركزياً للبيانات والمعاملات غير قابل للتغيير أو التزوير. ويُشَكِّل كل سجل تم إنشاؤه كتلة، وكلما يتم تأكيد كتلة من قِبل المجتمع، يتم إقرانها بالإدخال السابق في السلسلة؛ مما يؤدي إلى إنشاء سلسلة من الكتل. لذا، يمكن استخدام تقنية البلوك تشين لإثبات صحة الوسائط الرقمية، عن طريق تعقُّب مصدرها بطريقة لا مركزية وموثوقة، حتى الوصول إلى المنشأ الأصلي الذي يكون عادةً مصمماً أو مصدر نشر موثوقاً.

ويتمثل الحل الذي تقترحه الورقة في استخدام عقود إيثريوم الذكية (Ethereum smart contracts) لتتبُّع أصل وتاريخ المحتوى الرقمي إلى مصدره الأصلي، حتى لو تم نسخه عدة مرات. ويعتمد العقد الذكي على شفرات نظام نقل الملفات بين الكواكب (IPFS) المُستخدَم لتخزين المحتوى الرقمي والبيانات الوصفية الخاصة به بطريقة لا مركزية. ويمكن للمستخدِم الاستفادة من خدمة (Ethereum Name Service (ENS، وهي عبارة عن نظام تسجيل اسم موزع (Distributed Name Registry System) يُستخدَم للربط بين عنوان منصة إيثريوم الخاص بالفنان (المصدر) وبين نصوص مقروءة تحدد هويته الحقيقية، بما في ذلك الاسم والشركة والملف الشخصي.

ووفقاً للورقة المنشورة، فإن هذا الحل يُوَفِّر طريقة موثوقة للفنانين الثانويين لطلب إذن من الفنان الأصلي لنسخ وتحرير مقاطع الفيديو. لذا، أتاح الباحثان الكودَ الكامل للعقد الذكي على موقع جيت هاب (GitHub)، وهي أكبر خدمة استضافة لأكواد الكمبيوتر في العالم.

علاوة على ذلك، فإن هذا الحل يفي بمتطلبات الأمان؛ إذ يمكنه الصمود أمام الهجمات الأمنية المعروفة، بالإضافة إلى أن تكلفته المقدَّرة ضئيلة للغاية، ودائماً ما تكون أقل من 0.095 دولار أميركي لكل معاملة.

وكشف الباحثان عن أنهما بصدد تطوير تطبيقات لامركزية (DApps) -وهي تطبيقات كمبيوتر تعمل على نظام الحوسبة الموزعة (distributed computing system)- لأتمتة عملية إثبات صحة مقاطع الفيديو. كما يخططان لتطوير مُكَوِّن يمكن دمجه في تطبيق لا مركزي لتوفير إمكانية التتبُّع وإثبات الصحة عند تشغيل مقاطع الفيديو أو عرضها في متصفح الإنترنت.

في النهاية، يمكن القول بأن النصيحة التي كانت تقدم للطلاب أو الصحفيين -ممن تتطلب وظائفهم التأكُّد من مصدر المعلومات بألا يثقوا سوى فيما يرونه بأعينهم- أصبحت من الماضي، فالتأكد من المعلومات في الوقت الحالي يعتمد على تقنيات أعقد كثيراً من مجرد الرؤية بالعين المجردة. وربما توفر حلولاً (مثل الحل الذي يقدمه هذا البحث) وسيلة تساعدنا على ذلك.