اختبار المستضدات قد يمثّل طريقة أسرع وأرخص لتشخيص الإصابة بفيروس كورونا

5 دقائق
مسحة أنفية يتم أخذها لإجراء اختبار فيروس كورونا في الدنمارك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا تزال اختبارات فيروس كورونا في الولايات المتحدة تُجرى على نطاق أضيق مما ينبغي؛ إذ اقترحت خارطة طريق حديثة أنه لا بدّ من اختبار ما يصل إلى 20 مليون شخص يومياً من أجل إعادة استئناف النشاطات الاقتصادية بأمان (يتم حالياً إجراء نحو 150 ألف اختبار في اليوم). ولزيادة عدد الاختبارات، لا بدّ من تجاوز الطرق التقليدية، الأمر الذي قد يتطلب نوعاً مختلفاً تماماً من الاختبارات.

يعدّ اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) هو الاختبار المعياري لفيروس كورونا، والذي يتم فيه استنساخ المواد الجينية التي يتم جمعها عن طريق المسحة الأنفية لملايين أو مليارات المرا، بحيث يمكن التعرّف على علامات فيروس كورونا (يعتبر الحمض النووي الريبي للفيروس صغيراً جداً بحيث لا يمكن التعرّف عليه وحده، ولكن استنساخه بكميات إضافية يسهّل العثور عليه). لا يعدّ اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل مثالياً، ولكنه يعتبر النوعَ الأكثر دقة من الاختبارات الموجودة للفيروسات. ولسوء الحظ، فإن إجراءه يتطلب وقتاً وطاقةً وفريقاً مدرباً. وهذا ما يجعل من الصعب بكثير زيادة عدد اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل لتصل إلى الأعداد اللازمة فعلاً.

وقالت ديبورا بيركس، رئيسة فريق عمل مكافحة فيروس كورونا في البيت الأبيض، في 17 أبريل: “لن يكون من الممكن أبداً إجراء اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل لنحو 300 مليون شخص يومياً أو إجراء اختبارات للجميع قبل ذهابهم للعمل أو المدرسة. ولكن قد يكون ذلك ممكناً مع اختبار المستضدات.”

فما هو اختبار المستضدات؟ في حين تبحث اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل عن أدلة على المادة الجينية للفيروس وتكشف اختبارات الأجسام المضادة عن الأجسام المضادة الموجودة عند الإنسان تجاه الفيروس، فإن اختبارات المستضدات تبحث عن أجزاء من البروتينات الموجودة على سطح الفيروس كعلامة للعدوى. (المستضد هو جزء من العامل المُمرِض الذي يولّد الاستجابة المناعية). تعدّ هذه البروتينات -التي توجد عادةً في النتوءات السطحية لفيروس كورونا- كبيرةً بما يكفي للبحث عنها وحدها، دون استنزاف الوقت والطاقة في استنساخ كميات إضافية.

يمكن للكشف عن وجودها أن يؤدي إلى تشخيص الإصابة بالعدوى في غضون دقائق فقط، دون الحاجة إلى استخدام معدّات باهظة الثمن أو إجراء تدريبات أو استهلاك طاقة. من الناحية النظرية، يمكن أن يكون من السهل جداً زيادة عدد الاختبارات الموثوقة للمستضدات، ويمكن استخدامها بعد ذلك في المنازل أو في أماكن تقديم الخدمات الصحية. قد يكون هذا هو الاختبار اللازم لإعادة الحياة في الولايات المتحدة مثلاً إلى مجاريها مرة أخرى.

لكن لا يعدّ إجراء اختبارات المستضدات أمراً سهلاً؛ فلا بدّ من فهم بيولوجيا الفيروس وتركيبه، ومعرفة البروتينات الفيروسية التي يجب البحث عنها. ولم نتمكن إلا لتوّنا من معرفة ما يكفي حول كيفية عمل فيروس كورونا لجعل اختبار المستضدات قابلاً للتطبيق، أي بعد أربعة أشهر تقريباً من أولى حالات الإصابة بالعدوى.

تتشابه اختبارات المستضدات في هدفها مع اختبارات البوليميراز المتسلسل، فكلا الاختبارين جيد في الكشف عن الحالات الجديدة للإصابة بفيروس كورونا (على عكس اختبارات الأجسام المضادة، التي تعتبر مناسبة أكثر لتحديد الإصابة السابقة بالعدوى والشفاء منها). لكن محدوديات اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (أي الحاجة إلى ساعات وفريق مدرب لإجرائه واستهلاك كميات كبيرة من الطاقة) تمنع إجراء اختبارات المتابعة بشكل متكرر؛ فعادة ما يستغرق ظهور النتائج عدة أيام. يقول لي جيركي، الأستاذ في جامعة إم آي تي وكلية الطب بجامعة هارفارد، إن هذه التقنية ليست جيدة في تتبع تطور الإصابة مع مرور الوقت. فقد تكون نتيجة اختبار المريض لفيروس كورونا سلبية في اليوم الأول، “ثم تكون إيجابية بشكل واضح في اليوم التالي” على حد تعبيره. ويضيف: “هذه هي الطريقة التي تسلكها العدوى بفيروس كورونا في بعض الأحيان”.

يتم الكشف حالياً عن بعض الأشكال الأسرع من اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل، مثل الجهاز الجديد الذي أنتجته شركة أبوت لابوراتوريز (Abbott Laboratories)، الذي من المفترض أن يتمكن من إجراء اختبار يعتمد على تفاعل البوليميراز المتسلسل خلال أقل من 13 دقيقة. لكن هذه الأجهزة لا تزال محدودة من حيث توافرها ونوعية الكواشف اللازمة لها، وهي تستهلك الطاقة بشكل كبير ويتطلب إجراؤها الخضوع للتدريب. ولا يمكنها معالجة إلا عينة واحدة فقط في نفس الوقت، مما يعني أن على المختبرات أن تجد طريقة لتخزين العينات الأخرى التي ستنتظر دورها فترات طويلة.

سريع وسهل

من ناحية أخرى، يمكن لاختبارات المستضدات أن تُظهر النتائج بشكل فوري. وهذا يعني أنها مناسبة لإجراء اختبارات المتابعة بشكل متكرر. ويمكن استخدامها في الحالات التي تتطلب نتيجة سريعة للتأكيد أو النفي، كما هو الحال في المستشفيات التي تعاني من زيادة المرضى أو في دور رعاية المسنين والمرضى التي لا يتمكن المقيمون فيما من الحركة بما يكفي للذهاب إلى أماكن الاختبار، أو لتحديد إصابة عمال الرعاية الصحية بالعدوى. 

يقول ستيف تانغ، الرئيس التنفيذي لشركة أوراشور (OraSure) التي تصنع الملايين من اختبارات المستضدات لفيروس مرض الإيدز سنوياً وتعمل الآن على تطوير اختبار لفيروس كورونا: “نعتقد أن الأمر الأولي لعودة الحياة إلى طبيعتها هو التأكد من أنك لا تنقل العدوى، وأن الأشخاص المحيطين بك لا ينقلون العدوى. علينا أن نتجاوز هذه العقبات التي تؤذينا الآن، ويمكن أن يكون اختبار المستضدات أداة جديدة قوية لتحقيق هذا الهدف”.

ويعدّ جيركي أحد مؤسسي شركة متخصصة بالتكنولوجيا الحيوية تتخذ من كامبريدج مقراً لها، وتسمى إي توينتي فايف بيو (E25Bio)، والتي تقوم بتطوير اختبار لمستضدات فيروس كورونا. وكما هو حال الاختبارات الأخرى التي يتم تطويرها لفيروس كورونا، يتم إجراء هذا الاختبار عن طريق أخذ مسحة أنفية من المريض ووضع العينة في محلول، والذي يتم تعريضه بعد ذلك لأحد أطراف مجموعة من الشرائط الورقية. تحتوي الشرائط على أجسام مضادة اصطناعية تم إعدادها بشكل خاص لترتبط بمستضدات فيروس كورونا. ومع حركة المحلول على طول الشريط ليصل إلى أعلاه، فإن أي مستضدات موجودة في المحلول ترتبط بالشريط وتؤدي إلى تغيّر لونه، ويمكن رؤية ذلك لمعرفة النتيجة. يستغرق الأمر برمته أقل من 30 دقيقة، ولا يحتاج إلى معدات خاصة أو تدريب.

ووفقاً لجيركي، فقد تم تطوير اختبارات فيروس كورونا من نفس المنصة الأساسية المستخدمة في اختبار فيروسي الضنك وزيكا. كانت دقة هذه الاختبارات تتراوح من 90 إلى 95%، ويتوقع جيركي نفس الدقة بالنسبة لاختبارات فيروس كورونا. ويقول بأن تكلفة كل اختبار ينبغي أن تكون أقل من 10 دولارات، مع العلم بأن تكلفة اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل تبلغ أكثر من خمسة أضعاف ذلك. وتتوقع الشركة أن تكون قادرة على إنتاج الملايين من هذه الاختبارات بشكل منتظم عندما يكون الإنتاج قيد التنفيذ. وتأمل شركة إي توينتي فايف بيو أيضاً إصدار تطبيق يمكنه جمع نتائج الاختبار من المستخدمين بشكل آمن وإتاحة البيانات الوصفية، مثل الجنس والعمر والموقع، لأخصائيي الأوبئة وخبراء الصحة العامة الذين يحاولون تتبع انتشار فيروس كورونا.

مشكلة الجهاز التنفسي

لا يعتبر الجميع متحمّسين لإمكانات هذه التقنية. يقول آلان ويلز، المدير الطبي للمختبرات السريرية في المركز الطبي بجامعة بيتسبرغ: “أود أن أقول بأن اختبار مستضدات فيروس كورونا سيكون بمنزلة تغيير جذري، باستثناء جانب واحد، هو أنه لن ينجح”.

فما السبب في ذلك؟ يعمل اختبار المستضدات بشكل جيد مع الأمراض البكتيرية مثل المكورات العقدية. لكن الفيروسات التنفسية -كفيروسات كورونا- تختلف اختلافاً كاملاً؛ حيث تحدث الأمراض التنفسية في الجهاز التنفسي، لذا من الأفضل استخدام مسحة أنفية لجمع العينات من عمق التجويف الأنفي.

إلا أن وجود الفيروس في هذه المنطقة يختلف من شخص لآخر؛ فعلى سبيل المثال، يتمتع اختبار مستضدات فيروس الأنفلونزا بحساسية جيدة تصل إلى حوالي 70% إلى 80% عند إجرائه بشكل صحيح على مسحة أنفية جيدة، ولكن يكون ذلك عند الأطفال فقط، لأن كمية الفيروس لديهم تكون أعلى بكثير من كميته لدى البالغين. وعند استخدام نفس اختبارات مستضدات فيروس الأنفلونزا عند البالغين، تنخفض الحساسية إلى أقل من 50%. وقد لوحظ هذا الأمر مع جميع فيروسات الجهاز التنفسي. يتم في اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل تضخيم المادة الجينية للفيروس بحيث يصبح من الأسهل الكشف عن علامات فيروس كورونا، بينما لا يحدث تضخيم للبروتينات الفيروسية في اختبار المستضدات؛ فإما أن يقوم الاختبار بالكشف عنها في العينة أو لا يقوم بذلك.

وقد تمكنت بعض الشركات -مثل إي توينتي فايف بيو وأوراشور- من إعداد اختبارات ناجحة لأمراض أخرى، ولكن ليس لفيروسات الجهاز التنفسي، كما تساور ويلز الكثير من الشكوك بشأن تمكّن هذه الشركات من حل المشاكل البيولوجية والتكنولوجية التي تعيق هذه الاختبارات. ويقول: “أتمنى أن أكون مخطئاً. ولكن إذا كنت أراهن، فإن فيروس كورونا لن يكون مختلفاً عن الفيروسات الأخرى، فهذه البيولوجيا أو الكيمياء ليست بالجديدة”. وتعتمد مجموعات اختبارات المستضدات التي تدّعي أن حساسيتها أكثر من 90% على عينات المختبر، وما زالت بانتظار اختبارات التحقق من صحتها على عينات مأخوذة من مرضى فعليين، والتي قد تكون أقل دقة بكثير.

إذا أثبتت هذه الاختبارات الجديدة للمستضدات موثوقيتها، فمن شبه المؤكد أنها لن تحل محل اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل، كما يعترف جيركي وتانغ وغيرهما بذلك بشكل صريح. لكن يمكن لهذه الاختبارات أن تعمل إلى جانب اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل وغيرها من أشكال الاختبارات الأخرى لدفعنا نحو تجاوز العوائق وتقريب بلد مثل الولايات المتحدة من هدفها المتمثل في إجراء 20 مليون اختبار يومياً.