المحادثات المناخية في غلاسغو لن تحقق أهدافها.. إليكم أساليب أخرى لتسريع التقدم

11 دقيقة
اتفاقيات التغير المناخي
حقوق الصورة: آب فوتوز/ كيرستي ويغلسوورث
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما زال دور مؤتمر الأمم المتحدة مهماً، ولكن يجب أن نعتمد نماذج أخرى للتخفيف من التلوث بغازات الدفيئة حول العالم.

يتجمع آلاف الممثلين عن الدول المختلفة في مدينة غلاسغو باسكوتلندا لحضور المؤتمر المناخي السنوي للأمم المتحدة منذ الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث سيمضون أسبوعين في نقاشات حادة حول قائمة طويلة من النقاط التي ستفضي إلى الإجابة عن سؤال واحد: كم سيزيد العالم من سرعة إجراءاته لمنع الاحترار الكارثي في هذا القرن؟

اقرأ أيضاً: الهيدروجين: المكون الحاسم بمسيرة التحول في الطاقة عالمياً

اتفاقيات كثيرة حول التغير المناخي.. فماذا عن التقدم؟

إذا نظرنا إلى التاريخ للاستدلال على الإجابة، فلن تكون زيادة كبيرة. فبعد 25 قمة ⁧⁩على مدى العقود الثلاثة الماضية⁧، ما زالت انبعاثات غازات الدفيئة تواصل ارتفاعها، باستثناء بضعة انخفاضات عَرَضية خلال فترات الأزمات الاقتصادية. ومن المتوقع أن ⁧⁩يرتد التلوث المناخي بشكل حاد⁧ في 2021 إلى ما يقارب مستويات الذروة في 2019، وذلك مع العودة السريعة للنشاط الاقتصادي بعد فترة الوباء.

وبعد ست سنوات من موافقة الدول على اتفاقية باريس المناخية التي تمثل علامة فارقة في هذا المجال، لم تلتزم الدول بالسياسات الضرورية –ناهيك عن فرضها- للتخفيف من الانبعاثات بأي نسبة قريبة من المطلوب لتحقيق الهدف المعلن للاتفاقية: أي منع الاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين في هذا القرن، والسعي لحده بدرجة ونصف.

كما أن الدول الثرية ما زالت مقصرة ⁧⁩بعشرات المليارات من الدولارات⁧⁩ عن التمويل السنوي البالغ 100 مليار دولار، والذي تعهدت بتقديمه لمساعدة الدول النامية على التعامل مع التغير المناخي. وإذا اكتفت الدول بالالتزام بالتعهدات المتراخية التي حددتها للعام 2030 وفق هذه الاتفاقية، فمن المرجح أن ترتفع حرارة الكوكب بمقدار 2.7 درجة مئوية في هذا القرن، وذلك وفقاً لتقرير «فجوة الانبعاثات» ⁧⁩الذي نشره⁧ برنامج الأمم المتحدة البيئي مؤخراً. وإذا اكتفينا فقط بالسياسات المناخية المحلية المطبقة حالياً، فمن الممكن أن يتخطى الاحترار 3 درجات مئوية.

وفي عالم وصل فيه الاحترار إلى هذا الحد، من المرجح أن تختفي الشعاب المرجانية، و⁧⁩تبدأ الصفائح الجليدية بالانهيار⁩، و⁧⁩ستتكرر موجات الجفاف كل بضع سنوات⁧⁩ على نطاق واسع من الكوكب بعد أن كانت تحدث كل بضع مئات من السنوات، ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى إرغام ⁧⁩مئات الملايين من الناس⁧⁩ على تغيير مكان سكنهم، وذلك وفقاً لدراسات متعددة.

تقول جيسيكا غرين، وهي أستاذ مساعد في مجال العلوم السياسية في جامعة تورونتو، وتركز على الحوكمة المناخية: “إذا كان الهدف هو الحفاظ على مناخ آمن يصلح للحياة لأغلبية شعوب العالم، فنحن نستحق علامة الرسوب، فنحن لم نحقق المطلوب، بل لم نقترب حتى من تحقيقه”.

ونظراً للحسابات الجيوسياسية على المدى القريب، والتي تسيطر عليها اعتبارات القوة السياسية، والأفضلية الدولية، والنمو المحلي، فإن بطء التقدم ليس بالأمر المفاجئ. وإذا كانت الاتفاقية شاملة لجميع بلدان العالم تقريباً، بدءاً من بروتوكول كيوتو وصولاً إلى اتفاقية باريس، فيجب تمييع بنودها حتى تصل إلى مرحلة لا تطالب فيها بتقديم الكثير ببساطة.

فوفقاً لاتفاقية باريس التي تعود إلى 2015، فإن أهداف الانبعاثات مُحددة بشكل ذاتي، وطوعية، وغير ملزمة.وليس هناك عقوبة فعلية للفشل في وضع أهداف طموحة أو تحقيقها، باستثناء شيء من التوبيخ الدولي الخفيف. كما أن قادة الدول وشعوبها مطالبون بالدفع طوعاً للحصول على فوائد قد لا تظهر بوضوح إلا بعد عدة عقود، ولن تتحقق على الإطلاق إذا لم تلتزم الدول الأخرى بتعهداتها.

إضافة إلى ذلك، فإن الاتفاقيات المناخية تطالب الدول الفقيرة، والتي لم تنتج سوى جزءاً صغيراً من الانبعاثات بالمقارنة مع الانبعاثات التي أنتجتها الدول الغنية، بإبطاء نموها والحد من قدرة مواطنيها على الحصول على الطاقة وتحسين مستوى حياتهم، وذلك مقابل وعود غامضة وغير ملزمة بالمساعدة.

ومع تجمع القادة والمفاوضين في غلاسغو، يعقد الكثير من المراقبين آمالهم على زيادة زخم الإيمان باتفاقية باريس.
ولكن، وفي نفس الوقت، هناك توجه فكري يقول بأن أطر العمل الدولية المتراخية لن تؤدي على الإطلاق إلى تحقيق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات، بل وقد تحول الانتباه عن نماذج أخرى يمكن أن تحقق المزيد. وقد نعرف قريباً أي الطرفين على حق.

وكما ⁧⁩قال جون كيري -والذي يُعتبر بمثابة قيصر المناخ الأميركي- لمحطة بي بي سي⁧، فإن مؤتمر الأمم المتحدة هو “آخر أفضل أمل للعالم حتى ينسق جهوده بشكل فعال”.

اقرأ أيضاً: مصر تدخل سباق تصنيع الهيدروجين الأخضر

تقدم محدود

لضمان الحصول على النتائج، يجب أن يحقق العالم بعض التقدم في مواجهة التغير المناخي، مع ابتعاد المزيد من الدول عن الفحم وانتقالها إلى مصادر الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية ذات التكلفة المنافسة.
وعلى الأقل، يبدو أن الانبعاثات العالمية قد توقفت عن الزيادة، ما يسمح لنا ⁧بتفادي أسوأ سيناريوهات الاحترار⁧⁩ الذي حدث منذ بضع سنوات، والذي بلغ حوالي 4 درجات مئوية أو أعلى.

ولكن يجب على البلدان تحقيق تقدم أسرع بكثير بدءاً من هذه المرحلة لتفادي العواقب التي ما زالت بالغة الخطورة. وسيمثل المؤتمر اختباراً يكشف عن مدى جدية الدول في التعامل مع هذه الأهداف، لأنه من المفترض أن تقوم معظمها برفع التزاماتها وفق اتفاقية باريس للمرة الأولى هذا العام.

ففي أبريل، ⁧رفع⁧ الرئيس الأميركي بايدن هدف الولايات المتحدة من 26% – 28% تحت مستويات 2005 ⁩بحلول العام 2025⁧⁩ إلى تخفيض بنسبة 50%-52% بحلول العام 2030. وبشكل مماثل، ⁧وافق الاتحاد الأوروبي في الصيف رسمياً⁧ على قانون المناخ الأوروبي، والذي يضع هدفاً ملزماً للدول الأعضاء بتخفيض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول العام 2030، مع هدف التحول إلى حالة “الحياد المناخي” بحلول العام 2050.

وبشكل عام، قدمت 90 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، أهدافاً جديدة للعام 2030 في إطار عملية الأمم المتحدة حتى منتصف سبتمبر/ أيلول، وذلك وفقاً ⁧⁩لمجموعة تتبع الإجراءات المناخية⁧، وهي مجموعة علمية بحثية مستقلة. ولكن، توجد أكثر من 70 دولة لم تقم بهذا حتى ذلك الوقت.

وفي هذه الأثناء، تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحقيق الحياد المناخي في العام 2060، بحيث انضمت روسيا إلى قائمة تضم أكثر من 100 دولة تعهدت بإنهاء انبعاثات غاز الدفيئة الرئيسي على الأقل بحلول منتصف القرن تقريباً. كما ⁧⁩أعلنت⁧ الصين سابقاً عن التزامها بالوصول إلى تحقيق نفس الهدف في العام 2060، وأعلنت مؤخراً أنها ستتوقف عن بناء محطات توليد الكهرباء بالفحم خارج حدودها، كما ⁧⁩كررت خطتها⁧⁩ مؤخراً للبدء بتخفيض الانبعاثات بحلول العام 2030.

وفي عطلة نهاية الأسبوع، أعلنت المملكة العربية السعودية عن خططها لتحقيق انبعاثات إجمالية معدومة بحلول العام 2060 وزرع 450 مليون شجرة على مدى السنوات التسع القادمة. ولكن كيلي سيمز غالاغر، مديرة مختبر السياسات المناخية في مدرسة فليتشر في جامعة تافت، تقول إن أهداف منتصف القرن يمكن أن تؤدي إلى “صرف النظر عن الإجراءات قريبة المدى”. كما تشدد أيضاً على أن الدول لا تقوم بما يكفي لفرض سياسات محلية تؤمن طريقاً واقعياً نحو تحقيق تعهداتها للعام 2030.

اتفاقيات التغير المناخي
في وقت سابق من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أكدت الوكالة الدولية للطاقة⁧ على وجود فجوات كبيرة بين السياسات المناخية الوطنية، وتعهدات غلاسغو، والإجراءات المطلوبة لإنهاء الانبعاثات بحلول منتصف القرن. حقوق الصورة: الوكالة الدولية للطاقة/ ترجمة وتعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

وفي الواقع، فمن الصعب أن نعرف كيف يمكن للولايات المتحدة تحقيق هدفها البالغ 50% بعد أن أُزيل ⁧⁩أحد العناصر الأساسية⁧ للتخفيف من انبعاثات قطاع الطاقة من الميزانية، ⁧⁩كما تقول التقارير⁧. وقد وجد تحليل ⁧⁩نُشر مؤخراً⁧ من قبل باحثين في مجال الطاقة في جامعتي برينستون ودارتموث أن الولايات المتحدة ستكون مقصرة في تحقيق هدفها المناخي ⁧⁩بمقدار 350 مليون طن تقريباً⁧ على الأقل، حتى لو نفذت كل السياسات الأخرى في الميزانية المنتظرة وأقرت جميع مشاريع قوانين البنية التحتية اللازمة.

وستتسبب هذه التقصيرات بإعاقة كيري في المحادثات المقبلة، حيث سيجد صعوبة إضافية في إقناع الدول الأخرى بتعزيز تعهداتها وسياساتها المناخية. وفي هذه الأثناء، فإن تعهدات العام 2030 التي تم الإعلان عنها قبل الحدث ما زالت أقل من المطلوب بشكل واضح. ووفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة البيئي، فإن الدول تحتاج إما إلى إزالة 28 مليار طن إضافي من تلوث ثنائي أوكسيد الكربون في السنوات التسع المقبلة لحد الاحترار بمقدار 1.5 درجة لهذا القون، أو 13 مليار طن لحده بمقدار درجتين مئويتين. وتقول غرين: “لا أرغب في التهجم على عملية الأمم المتحدة قبل تحديد النتائج، ولكن الوقت قد حان حتى نكون واقعيين إزاء ما يمكنها ولا يمكنها تحقيقه”.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نتوصل إلى إزالة الكربون بتكاليف معقولة؟

أين تكمن المشكلة في تنفيذ اتفاقيات الحدّ من التغير المناخي؟

تتلخص المشكلة الأساسية بكون التغير المناخي معضلة هائلة التعقيد وباهظة التكاليف إلى درجة مرتفعة للغاية. وفي أغلب الأحيان، فإن الاتفاقات الدولية فشلت في معالجة المشاكل الاقتصادية والتحديات السياسية المحلية، كما يقول الكثير من الأكاديميين، فمواجهة التغير المناخي تعني تغييراً على مستوى العالم للأغلبية العظمى من النواحي المتعلقة بكيفية توليد الطاقة، وإنتاج الغذاء، وتصنيع البضائع، ونقلها ونقل البشر حول العالم. وسيعني هذا إغلاق أو تعديل العديد من محطات توليد الطاقة والمصانع والآلات التي تساوي التريليونات من الدولارات، والتي كانت قادرة على متابعة العمل بشكل مربح لعدة عقود.

ولهذا، وعلى الرغم من تراجع تكاليف الطاقات المتجددة، والبطاريات، والسيارات الكهربائية، فإن الانتقال بسرعة إلى الموارد عديمة الكربون ما زال يعني الكثير من التكاليف الهائلة للدول والشركات، مهما كانت العوائد النهائية من بناء صناعات جديدة وتخفيض مخاطر تسارع التلوث المناخي. علاوة على ذلك، فإن هذه النقلة تمثل خطراً وجودياً على الصناعات التي تصدر غازات الدفيئة وتتمتع بنفوذ قوي.

ففي ⁧⁩مقالة نُشرت مؤخراً⁧ في مجلة «فورين أفيرز» (Foreign Affairs)، قال الاقتصادي في جامعة يال ويليام نوردهاوس إن المفاوضات المناخية التي دامت لعدة عقود أخفقت لثلاث أسباب رئيسية:

  1. معظم دول العالم لم تخصص أي موارد فعلية لمكافحة التلوث المناخي.
  2. ونحن لا نستثمر ما يكفي لتحفيز الابتكار في التكنولوجيات النظيفة.
  3. كما أن اتفاقات الأمم المتحدة لم تحل المشكلة المعروفة ⁧⁩بمشكلة “الراكب المجاني“⁧⁩.

وتتلخص هذه المشكلة في أن معظم الدول ستجني نفس الفوائد من الإجراءات الدولية في خفض الانبعاثات، سواء أقدّمت مساهمة حقيقية في هذا الجهد أم لم تقدم، وبالتالي، لا يوجد ما يدفعها فعلياً إلى تكلف مشقة المشاركة. ولن تحدث تخفيضات الانبعاثات بالسرعة المطلوبة على النطاق المطلوب إلى أن تقوم الدول والاتفاقات التجارية والمعاهدات بوضع الحوافز والعقوبات والقواعد بشكل يجبر الجميع على البدء بالعمل بشكل جدي.

ولا يوجد حالياً ما يشير إلى أن معظم البلدان ستتوافق فجأة على نسخ فعالة التأثير من هذه الحوافز والعقوبات والقواعد في غلاسغو.

اقرأ أيضاً: علماء ومصورون يتعاونون على إظهار سرعة تفاقم التغير المناخي

الابتكار: الحل العالمي لتسريع التقدم الدولي في مواجهة التغير المناخي

ومع التشديد على كون مؤتمر الأمم المتحدة “مسألة في غاية الأهمية”، فإن فارون سيفارام، وهو من كبار مستشاري كيري، يقول إن الدور الأهم الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في تخفيض الانبعاثات خارج حدودها هو تطوير تكنولوجيات رخيصة ومنخفضة الكربون بشكل أفضل من المتوافر حالياً.

وبتوفير تمويل كبير لجهود البحث والتطوير، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تجعل جهود إزالة الكربون أكثر سهولة وواقعية سياسية بالنسبة للدول الأخرى، كما قال في ⁧⁩أحد النقاشات⁧⁩ التي تخللت مؤتمر إيم تيك الذي عقدته إم آي تي تكنولوجي ريفيو في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.

وسيتحقق هذا الأمر على وجه الخصوص بالنسبة للاقتصادات الناشئة التي ستطلق أغلب الانبعاثات في السنوات المقبلة. ويقول: “يمثل الابتكار الأداة الرئيسية التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة لتسريع عملية الانتقال الطاقي في جميع أنحاء العالم”. أيضاً، يشدد آخرون على أهمية الجهود المحلية واحتمالات تراكم آثارها.

ففي ⁧⁩مقالة⁧ نُشرت السنة الماضية في مجلة “بوسطن ريفيو Boston Review”، أكد تشارلز سيبل من مدرسة كولومبيا للقانون وديفيد فيكتور من جامعة كاليفورنيا في مدينة سان دييغو على الحاجة إلى ما وصفاها بمصطلح “الحوكمة التجريبية” والنجاحات المبكرة التي حققتها.

وفي هذا النموذج، فإن المؤسسات الأصغر التي لا تحتاج إلى تحقيق إجماع عالمي، مثل الدول أو الوكالات التنظيمية لقطاع محدد، يمكن أن تضع معايير صارمة وملزمة تؤدي إلى تغييرات كبيرة في صناعات محددة تؤدي إلى التلوث. كما أنها قادرة على تعديل أساليبها مع مرور الوقت بناء على النتائج.

ولهذا، نأمل بأن مجموعة من الحكومات أو الجهات التنظيمية التي تجرب عدة مقاربات مختلفة يمكن أن تقدم لنا دروساً هامة حول الأساليب الناجعة والفاشلة، وتؤدي إلى دفع عملية شاملة تسمح لقطاعات أخرى باعتماد أساليب أقل تكلفة وأكثر سهولة لفرض سياسات لتخفيض الانبعاثات وتبني التكنولوجيات النظيفة.

التغير المناخي
سياح يمشون قرب أكياس الرمال في المالديف، وهي دولة من الجزر المنخفضة التي تعرضت سواحلها إلى تأثيرات كبيرة بسبب الحت المرافق لارتفاع مستوى المحيطات. حقوق الصورة: أليسون جويس/ غيتي إيميدجيز

وتشير المقالة إلى قواعد كاليفورنيا الصارمة والخاضعة لتطوير دائم حول تلوث الهواء والانبعاثات الكربونية بسبب السيارات.
فقد أجبرت القواعد التي فرضتها هذه الولاية شركات صناعة السيارات، والتي لا تريد إنتاج طرازات مختلفة لأسواق مختلفة، على ابتكار أساليب لإنتاج سيارات تتمتع بفعالية أعلى في استهلاك الوقود.كما ساعدت أيضاً على تسريع تطوير السيارات الكهربائية، كما يقول المؤلفان.

ومن الأمثلة الأخرى سياسات ألمانيا الصارمة حول الطاقات المتجددة واستثماراتها في البحث والتطوير، ما ساعد على بناء سوق مبكرة للألواح الشمسية، مع تخفيض التكاليف لبقية أنحاء العالم. يقول فيكتور إن اتفاقية باريس تلعب دوراً فعلياً، وهو الضغط إلى درجة ما على الشركات والحكومات، وتوفير بوصلة تقود العالم نحو “أهداف غير قابلة للتحقيق” ولكنها تحدد الاتجاه الصحيح بشكل تقريبي. إلا أن دورها “أصغر بكثير” مما يعتقد مناصروها، كما يقول وسيبل في المقالة.

وقد كتبا: “ماذا لو كانت الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى حل عالمي عملي هي تشجيع وتجميع حلول جزئية؟ ماذا لو كانت الوسيلة الأفضل لتحقيق إجماع فعال هي دعوة الأطراف إلى البدء بحل المشاكل على عدة مستويات، بدلاً من السؤال عمن سيلتزم بتحقيق نتائج معينة مهما كانت النتيجة؟”.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي يبرز ضرورة أن تبدأ الولايات المتحدة ببناء الأشياء الضخمة مرة أخرى

النوادي المناخية

هناك وجهة نظر متنامية تقول إن المجموعات الأصغر من الحكومات أو المؤسسات يجب أن تضع بعض القواعد أو تؤسس تكتلات تجارية لفرض الإجراءات المناخية عبر تحقيق فوائد واضحة أو عقوبات رادعة. وقد أكد فيكتور ونوردهاوس وغيرهما على أهمية الأسواق المعروفة باسم ⁧⁩النوادي المناخية⁧، والتي تبدأ صغيرة الحجم بما يكفي لفرض قواعد أكثر صرامة، ولكنها تتضمن أيضاً حوافز يمكن أن تجتذب المزيد من الأعضاء وتشجعهم على الالتزام بأهداف متزايدة الصعوبة.

ويمكن أن تأخذ هذه المقاربة عدة أشكال، بما فيها ⁧⁩أسواق الكربون الإقليمية⁧⁩ والاتفاقات التجارية بين عدة دول بالتزامات مناخية مشتركة، أو البرامج المشتركة لدعم الابتكار التكنولوجي في مجالات أساسية. ومن الأمثلة على هذا النموذج الاتحاد الأوروبي، والذي يفرض قواعد مناخية أكثر صرامة بشكل مستمر. فإضافة إلى وضع أهداف ملزمة لتخفيض الانبعاثات بين الدول الأعضاء، فإن المفوضية الأوروبية بدأت باتخاذ عدة خطوات لزيادة تكلفة التلوث الكربوني، وتخفيض السماحيات المجانية للكربون في القطاعات الصناعية مثل الإسمنت والحديد، وفرض ضريبة كربون حدودية لدفع رسوم على البضائع أو الشركات التي تساهم بنسبة كبيرة في التلوث.

وبجمع هذه القوانين مع سياسات مناخية أكثر صرامة، وتمويل عمليات البحث والتطوير، واتفاقيات الشراء المدعومة حكومياً ضمن دول أوروبية معينة، فقد بدأت تظهر نقلات حقيقية وسريعة نسبياً في الصناعات الثقيلة في أوروبا. ويتضمن هذا التوجه عدة مشاريع متنوعة ومتنامية لتصنيع ⁧⁩الهيدروجين الأخضر⁧⁩ و⁧⁩الفولاذ الأخضر⁧⁩.

تتلخص الميزة الأساسية لأي نادٍ مناخي في أنه يمتلك من المحفزات ما يكفي لجذب المزيد من الأعضاء مع مرور الوقت، كما قال نوردهاوس في رسالة بالبريد الإلكتروني. ويتلخص عامل الجذب الأساسي للدول والشركات بالقدرة على بيع المنتجات ضمن سوق وفق شروط مماثلة. وهو ما يمكن أن يحفز بلداناً أو شركات أجنبية أخرى على تبني المعايير المطلوبة للانضمام، سواء أكان ذلك يعني سعراً كربونياً مشتركاً أو سياسات أهداف مناخية متماثلة نسبياً.

اقرأ أيضاً: ترامب يواصل هجماته الشرسة على كاليفورنيا وإجراءاتها المناخية

الإعاقة المتعمدة لتنفيذ اتفاقيات الحد من التغير المناخي

توجد بطبيعة الحال بعض المشاكل الواضحة في هذه الطريقة، فهي تتطلب الكثير من الوقت، حيث إن صياغة اتفاقية تجارية واحدة معقدة، ناهيك عند الكثير من الاتفاقيات، قد يتطلب عدة سنوات على الأقل، وهو أمر غير مناسب للعالم الذي يحتاج إلى تخفيضات حادة في الانبعاثات على الفور. كما قد تؤدي إلى العديد من مجموعات القواعد المتضاربة التي قد يكون الجمع بينها صعباً للغاية.

وهو ما يعني أن بعض مجموعات الدول تحقق نتائج جيدة، على حين أن بعض المجموعات الأخرى لا تقوم بشيء يُذكر. أيضاً، يمكن أن تؤدي هذه الطريقة إلى ظهور تحالفات تجارية أكثر تشتتاً من ذي قبل حول العالم، مع كتل من الأطراف المناخية “الجيدة” و”السيئة” شبه المنغلقة على نفسها تجارياً.

وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تعميق الانقسامات الدولية، بل وحتى زيادة الأعمال العدوانية التي يمكن أن تتجسد بأساليب خطيرة.
أيضاً، هناك مشكلة مساواة عالمية واضحة، حيث يُطلب من البلدان الفقيرة –والتي لم تصدر سوى نسبة قليلة من الانبعاثات تاريخياً، ولا تستطيع تحمل تكاليف وتبعات تقليل الكربون بسرعة- أن تخضع لنفس المعايير التي تخضع لها الدول الغنية، أو تدفع ضرائب حدود كربونية تهدد بإبطاء نموها الاقتصادي.

وتقول غرين من جامعة تورونتو إنه توجد مشكلة جذرية أكثر عمقاً تؤدي إلى إبطاء التقدم المناخي، وهي الإعاقات المتعمدة التي تتسبب بها الصناعات ذات الأرصدة المالية الضخمة والنفوذ السياسي والتي تستفيد من تلويث الغلاف الجوي. وتقول إن هذه الشركات تتمتع بنفوذ سياسي كبير للغاية، ولن يتغير الوضع المناخي قبل حل هذه المشكلة.

وقبل أن تستطيع الدول زيادة تعهداتها الدولية، على الأقل بدرجة منطقية، فيجب أن تتجاوز هذه العوائق ببناء تحالفات كبيرة بما يكفي لإقرار القوانين والقواعد الصارمة. ولن يتحقق أي من هذه الأشياء على نحو سريع أو سهل أو مؤكد على وجه الخصوص.
أما الحقيقة الواقعة فهي أنه من شبه المؤكد أن احترار الكوكب سيتجاوز 1.5 درجة مئوية -ومن المرجح للغاية أن يتجاوز الدرجتين المئويتين- في هذا القرن، مهما كان ما سيحدث في غلاسغو.

ولكن كل عُشر إضافي من الحرارة يعني أن تأثيرات التغير المناخي ستصبح أكثر عنفاً. وهذا لوحده يجب أن يكون حافزاً كافياً للمجتمعين في المؤتمر لبذل أقصى جهد من أجل تحقيق أي تقدم ممكن، وللدول والأمم والمؤسسات للعثور على أساليب أخرى لتحقيق هذا التقدم أيضاً.