عاصفة جيومغناطيسية تخرج 40 قمراً اصطناعياً من ستارلينك عن مدارها

4 دقائق
سبيس إكس تخسر 40 قمراً اصطناعياً بسبب عاصفة جيومغناطيسية
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 4 فبراير/ شباط 2022، أدت عاصفة أرضية مغناطيسية (جيومغناطيسية) تسببت بها الشمس إلى إخراج 40 قمراً اصطناعيّاً جديداً في مجموعة ستارلينك التابعة لشركة “سبيس إكس” (SpaceX) من مدارها. ويشعر الخبراء بالقلق حاليّاً إزاء قدرة مجموعات الأقمار الاصطناعية الضخمة التي يخطط إيلون ماسك وجيف بيزوس وغيرهما لنشرها على مقاومة أحداث مماثلة في المستقبل.

أطلقت سبيس إكس أحدث دفعة من أقمار ستارلينك على متن صاروخ فالكون 9 من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا يوم الخميس 3 فبراير/ شباط 2022. وكانت هذه عملية الإطلاق رقم 38 لمجموعة ستارلينك، وإجمالاً، قامت الشركة بإطلاق أكثر من 1,900 من أقمارها الاصطناعية التي تكافئ سيارة بحجمها، وتريد في نهاية المطاف نشر 42,000 قمراً اصطناعيّاً في المدار الأرضي الأدنى لتوصيل الإنترنت إلى كافة أنحاء العالم.

فرحٌ لم يدم طويلاً

ولكن الكارثة وقعت في اليوم التالي للإطلاق، فقد أدى اندفاع من البلازما الشمسية إلى إطلاق جسيمات مشحونة نحو الغلاف الجوي للأرض، ما تسبب بحدوث اختلال شديد في الحقل المغناطيسي للكوكب، وزيادة كثافة الغلاف الجوي.  وأدت زيادة الكثافة إلى تصاعد تركيز الجسيمات التي تقاوم حركة الأقمار الاصطناعية في مدار الأرض. ويمكن لهذه الظاهرة، والتي تعرف باسم مقاومة الغلاف الجوي، إلى إخراج الأقمار الاصطناعية من مساراتها المدارية.

وبسبب هذه العاصفة، فإن ما يصل إلى 40 قمراً اصطناعياً “دخل ثانية أو سيدخل ثانية إلى الغلاف الجوي للأرض”، كما قالت سبيس إكس في تصريح وصف ما حدث بأنه “وضع فريد من نوعه”. وقد كانت هذه الأقمار الاصطناعية في وضع حساس، لأنها أُطلقت في مدار منخفض يرتفع عن الأرض من 210 إلى 240 كيلومتراً، حيث تكون كثافة الغلاف الجوي أعلى، ما يؤدي إلى تفاقم آثار العاصفة. وقد كان من المفترض بهذه الأقمار الاصطناعية أن تعتمد على نفاثات أيونية على متنها لرفع مدارها إلى ارتفاع 550 كيلومتراً على مدى عدة أسابيع. أما الأقمار الاصطناعية الموجودة على مدارات أعلى فقد تعرضت إلى تأثير أقل، لأن الغلاف الجوي أقل كثافة على هذا الارتفاع، ما يقلل من مقاومته.

وأوضحت سبيس إكس أن الأقمار الاصطناعية مصممة حتى تحترق تماماً في الغلاف الجوي، “ما يعني عدم انتشار الحطام في المدار وعدم وصول أجزاء من الأقمار الاصطناعية إلى الأرض”. وقد دخلت عدة أقمار اصطناعية غلاف الأرض الجوي، ومن المتوقع أن تتبعها الأقمار الأخرى خلال أسبوع. ولكن تكلفة عملية الإطلاق الفاشلة تقدر بمبلغ 50 مليون إلى 100 مليون دولار.

اقرأ أيضاً: هل تصبح شركة روكيت لاب المنافس الأكبر لسبيس إكس؟

تجاهل غريب لتنبؤات نوا

كما أن الحدث أثار بعض التساؤلات الهامة حول خطة النشر ومستقبل مجموعات الأقمار الاصطناعية الكبيرة. وكانت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي “نوا” (NOAA) قد حذرت من احتمال وقوع العاصفة الأرضية المغناطيسية قبل عدة أيام من الإطلاق، لكن سبيس إكس قررت المضي بالعملية على أي حال. ولا يدري الخبراء سبب هذا التجاهل. يقول ماركو لانغبروك، وهو فلكي في جامعة ليدن: “إنه أمر غريب بعض الشيء، ومن المحتمل أنهم لم يعتقدوا أن الأثر سيكون على هذا المستوى”. 

وفي الواقع، فإن هذه العاصفة صُنفت ضمن مستوى G1 المنخفض نسبياً على سلم يتراوح بين G1 وG5. وعلى حين قالت سبيس إكس إن هذا أثر على مقاومة الغلاف الجوي “بزيادة قدرها 50% مقارنة بعمليات الإطلاق السابقة”، فإن الأثر كان ما يزال صغيراً نسبياً. ويمكن للأحداث العنيفة أن تؤدي إلى نتائج فادحة. تقول ديلوريس نيب، وهي خبيرة بالطقس الفضائي في جامعة كولورادو بولدر: “لم تكن العاصفة نفسها كبيرة بشكل خاص، فقد شهدنا تمدد الغلاف الجوي بنسبة 1,000% من قبل. ويمكن لزيادة الكثافة أن تصل إلى 10 أضعاف على ارتفاعات مختلفة”.

اقرأ أيضاً: سبيس إكس تحلق بنموذج أولي لمركبة ستارشيب للمرة الأولى

الأصعب لم يأتِ بعد

ويمكن لهذه التأثيرات الكبيرة أن تظهر قريباً نسبياً، حيث يُتوقع أن تصل الشمس إلى ذروة دورة نشاطها البالغة 11 سنة، والمعروفة بالذروة الشمسية، في 2025، وهو ما سيجعل الانفجارات الكبيرة والعواصف الأرضية المغناطيسية أكثر تكراراً. تقول نيب: “هناك أسباب تدعو إلى القلق، فهذه التمددات في الغلاف الجوي ستحدث بشكل عشوائي مع اقترابنا من الذروة الشمسية”.

ويشير عجز أقمار ستارلينك عن تجاوز مجرد عاصفة صغيرة إلى أن سبيس إكس يجب أن تخطط لعمليات الإطلاق المستقبلية بشكل مختلف،  فقد تحتاج إلى إطلاق أقمارها إلى ارتفاع أكبر، حيث يكون الغلاف الجوي أقل كثافة، لضمان عدم خروجها من المدار. يقول جوناثان ماكدويل، وهو فيزيائي فلكي من مركز هارفارد – سميثسونيان للفيزياء الفلكية: “يُفترض بارتفاع 300 كيلومتراً أن يكون كافياً”. ويضيف ماكدويل أن هذا قد يؤدي إلى “زيادة لا تتجاوز 10% في تكاليف الإطلاق”.

ومن جهة أخرى، يمكن أن يؤثر هذا بشكل طفيف على سرعة نشر ستارلينك، حيث تحتاج الشركة إلى إطلاق عدد أقل من الأقمار الاصطناعية في الرحلة الواحدة حتى تستطيع تزويد كل منها بما يكفي من الوقود للوصول إلى ارتفاعات أكبر. كما قد يعني أن أي قمر اصطناعي يصاب بعطل سيحتاج إلى وقت أطول حتى يدخل ثانية في الغلاف الجوي للأرض، ما يؤثر سلباً على الميزة التي روجت لها سبيس إكس للمدارات المنخفضة، حيث كان يفترض أن تقلل من الحطام الفضائي، لأن الأقمار الاصطناعية المعطلة ستقع عائدة نحو الأرض بسرعة أكبر. يقول هيو لويس، وهو خبير في الأقمار الاصطناعية من جامعة ساوثامبتون: “إنها عملية موازنة بين عوامل متضاربة”. فعلى ارتفاع 200 كيلومتراً، سيبقى القمر الاصطناعي المعطل في المدار “لعدة أيام على الأكثر”، وفقاً للويس، ولكن هذه المدة سترتفع إلى عدة أسابيع على ارتفاع 300 كيلومتراً فما فوق.

اقرأ أيضاً: أقمار ستارلينك الاصطناعية يمكنها حماية أنظمة الملاحة للجيش الأميركي من التشويش

مشاكل على الأرض أيضاً

كما يمكن لإدارة هذه المجموعات الكبيرة من الأقمار الاصطناعية أن تتحول إلى مشكلة أيضاً. فعلى الرغم من أننا شهدنا الذروة الشمسية مع وجود أقمار اصطناعية في المدار من قبل، فإن عدد الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض الآن وصل إلى مستويات غير مسبوقة. وبحلول العام 2025، يمكن أن يصل عددها إلى أكثر من 1000، وليس فقط من سبيس إكس، بل من مشاريع أخرى، مثل مشروع كايبر من “أمازون” (Amazon)، وشركة “ون ويب” (OneWeb) من المملكة المتحدة. ويمكن للعواصف المتكررة في المستقبل أن تدفع وتسحب هذه الأقمار الاصطناعية وتغير مواضعها وتزيد من خطر التصادم بينها.

يقول لويس: “إن تغيرات الارتفاع التي نتحدث عنها تصل إلى مرتبة الكيلومترات، وكلما ازداد عدد الأقمار الاصطناعية في المدار، فإن قدرتنا على إدارة هذه البيئة المعقدة ستكون محدودة. وفي مرحلة ما، سنشهد حدثاً أكثر عنفاً من مجرد عودة 40 قمراً اصطناعيّاً إلى الغلاف الجوي”.

من جهتها، قالت أمازون إن مجموعتها، وتصميم أقمارها الاصطناعية نفسها، مصممة للتكيف مع تزايد النشاط الشمسي، ولكنها لم تقدم أي تفاصيل محددة. كما لم تستجب سبيس إكس وون ويب لطلبنا بالتعليق على الحدث.

يبين هذا الحدث مدى الحرص المطلوب من مشغلي مجموعات الأقمار الاصطناعية الكبيرة في التخطيط لمواجهة آثار النشاط الشمسي، بما أن أي تصادمات يمكن أن تؤدي إلى الآلاف من القطع الإضافية من الحطام الفضائي، ما قد يؤثر على قدرتنا على استخدام مدار الأرض بأمان. يقول ماكدويل: “أعتقد أنهم أخذوا هذا الأمر بعين الاعتبار في خططهم. وعلى الرغم من أنهم أخطؤوا في هذه الناحية تحديداً، فإننا نأمل بأنهم أجروا ما يكفي من التجارب الجيدة على نماذج المحاكاة”.

من المؤكد أننا نتجه إلى تجارب جديدة لم نخضها من قبل. يقول لويس: “إن هذه المنطقة من المدار قيمة وهامة للغاية، وعلينا جميعاً أن نكون أكثر حرصاً في دراسة جميع العوامل المؤثرة وتوقع المستقبل واستشراف هذه المسائل”.