دراجات دائمة التنقل تجمع بيانات سرية عن تحركاتك بها، لكن لماذا؟

4 دقائق
مصدر الصورة: لايم بايك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا سألت تيم كوركوران عن أكثر الوجهات شعبيةً في رحلات الدراجات التشاركية في ساوث بيند، فمن الممكن أن يقدم لك لائحة بها، أو حتى مجموعة من إحداثيات نظام تحديد المواقع بخطوط الطول والعرض. ويشغل كوركوران منصب مدير التخطيط في المدينة، وهو مسؤول عن الإشراف على برنامجٍ يتيح للسكان استئجار الدراجات عبر تطبيق للهواتف الذكية، ومن ثم أخذها واستخدامها، وبعد ذلك تركها في أي مكان وفي أي وقت تقريباً. غير أنه لا يدير الخدمة فعلياً، بل إن “لايم” -وهي شركة ناشئة في وادي السيليكون- هي مَن تدير البرنامج، وتُبقي كوركوران على اطلاع عبر تدفق متواصل من البيانات حول نشاط الدراجات في ساوث بيند.

وتستطيع لايم جمع المعلومات لأن دراجاتها -على غرار جميع الدراجات في برامج الدراجات التشاركية دائمة التنقل- مبنية خصيصَى للعمل بدون محطات توقف محددة (ومن هنا أتت تسمية: دائمة التنقل). وبدلاً من هذا فإن الدراجات تبث موقعها كل بضعة ثوانٍ باستخدام شريحة مدمجة تحمل نظام تحديد المواقع العالمي، وتجهيزات اتصال خلوي من الجيل الثالث، ونظام طاقة شمسية. وعند الجمع ما بين هذه المُعدات وتطبيق لايم، فإن النظام يسمح للزبائن بتحديد أماكن الدراجات المتوافرة واستئجارها مقابل دولار واحد لكل ثلاثين دقيقة. وبعد الانتهاء من الرحلة، يقوم الراكب بركن الدراجة في أي مكان تقريباً، ومن ثم يقفلها إلكترونياً ببضعة لمسات على الهاتف الذكي. وبهذا تعرف لايم أين بدأت الرحلة وأين انتهت، إضافة إلى الطريق المسلوك ما بين النقطتين.

وقد وصلت خدمات الدراجات التشاركية دائمة التنقل إلى الولايات المتحدة منذ 18 شهراً تقريباً، ومنذ ذلك الحين انتشرت -على الأقل- في 88 مدينة أميركية، أما بالنسبة للشركات فهناك على الأقل 10 شركات بدأت العمل في هذا المجال، وتعتبر لايم من أكبرها. ويوجد حالياً لدى بعض هذه المدن بيانات حول البرنامج على امتداد أكثر من سنة، وقد بدأت تتوصل إلى بعض المعلومات الجديدة وتقديم المزيد من الرعاية لراكبي الدراجات في شوارعها.

وتعتبر ساوث بيند من المدن الرائدة في هذه المسألة، فقد طلبت من لايم مشاركة المعلومات عندما بدأت تعمل في يونيو 2017، وفي البداية كانت لايم تقدم المعلومات على شكل جداول إلكترونية، ولكن في أوائل 2018 أطلقت الشركة الناشئة لوحة تحكم مبنية على متصفح الإنترنت بحيث يمكن للمدن أن ترى إحصائيات مفصَّلة عن سكانها، مثل عدد مستأجري الدراجات، وعدد الرحلات، والمسافة المقطوعة والبُعد المباشر بين بداية الرحلة ونهايتها. كما أضافت لايم خرائطَ تكشف بالتدرُّج اللوني الأماكنَ التي تتم فيها أكثر الرحلات، إضافة إلى أداة لتحميل بيانات تبين معلومات الرحلات الإفرادية بدون الكشف عن أسماء الراكبين. ويمكن لكوركوران أن يرى مثلاً -وبنظرة واحدة إلى لوحة التحكم- أن سكان ساوث بيند قاموا بما يصل إلى 340,000 رحلة، وقطعوا مسافة أكثر من 254000 كيلومتر، وأمضوا أكثر من 7 ملايين دقيقة وهم يركبون دراجات لايم منذ بداية عمل الشركة. كما يمكنه أن يرى أنه يوجد أكثر من 700 دراجة لشركة لايم في المدينة، وذلك بعد أن بلغ هذا العدد حداً أقصى يساوي 1,200 دراجة خلال موسم كرة القدم لجامعة نوتردام في 2017.

أما البيانات الأكثر إثارة للاهتمام فهي البيانات التي على مستوى الرحلة، حيث يقول كوركوران إن ساوث بيند تدرس كيفية استخدام هذه المعلومات في تحديد مسارات جديدة ومجازات محمية للدراجات. وفي وقت سابق من هذه السنة، استخدمت المدينة هذه البيانات لمعرفة مناطق ترك الدراجات الأكثر استخداماً على الأرصفة، ومن ثم قامت بتحديدها بالطلاء، وبدأت تشجع السكان على ترك دراجاتهم في تلك الأماكن، ويقول كوركوران إن من الممكن في النهاية أن نجد المئات من هذه “المواقع المفضلة لركن الدراجات” في جميع أنحاء المدينة. وبالرغم من أن هذه الفكرة قد تبدو متضاربة مع الحرية التي تقدمها فكرة الدراجات التشاركية دائمة التنقل، إلا أن الخبراء يقولون إن السكان والشركات عموماً يرتاحون لوجود أماكن محدَّدة لأخذ الدراجات وركنها، بشرط وجود العديد منها، حتى لا يضطرون إلى المشي أكثر من بضع دقائق للوصول إلى الدراجة.

وبالنسبة لمدينة سياتل -التي بدأت دراجات لايم تعمل فيها منذ يوليو 2017 حتى أصبحت تحوي الآن 5,000 دراجة منها- فهي تعمل على خطط مماثلة، فقد حدَّدت المدينة في شهر مارس خمسَ مناطق لركن الدراجات على أرصفتها بعد تحليل معلومات الشركة حول استخدام الدراجات، وتهدف سياتل إلى إطلاق المزيد من هذه المناطق، وتخصيص مساحات على الشوارع للمزيد من أماكن ركن الدراجات ومجازاتٍ لها، كما قال جويل ميلر (الذي يترأس برنامج الدراجات التشاركية في المدينة): “إننا نشعر بالحماس للاستمرار في جمع هذه البيانات واكتشاف الأماكن التي يفضل الناس الذهاب إليها وأماكن تجمُّع الدراجات، كما ستساعدنا هذه المعلومات على تحديد أماكن ركن الدراجات، وأين يجب أن تستثمر المدينة لإنشاء المزيد من البنى التحتية الخاصة بالدراجات”.

ويعتقد بعض الخبراء أن المعلومات المبنية على نظام تحديد المواقع العالمي جيدة للمدن، ولكنها تحتاج إلى أنظمة حماية تخضع لتدقيق مستقل، حيث تقول كيت فيلين-يي (مديرة الإستراتيجية في الجمعية الوطنية لمسؤولي النقل في المدن، واختصاراً: ناكتو NACTO): “يمكنك ببساطة -وباستخدام الدراجات دائمة التنقل- أن تذهب مباشرة إلى منزلك وتترك الدراجة هناك، ولكن هذه المسألة تثير الكثير من المخاوف في وجود خدمات تحديد المواقع”.

ونظرياً، إذا كان الأشخاص يركنون الدراجات تماماً قرب وجهتهم، فهذا يسهل على أي شخص قام باختراق البيانات معرفة هُوياتهم الحقيقية انطلاقاً من الهويات التي تعطيها لهم الشركة، وقد يتمكن هذا المخترق بعد ذلك من أن يعرف الرحلات التي يقوم بها أشخاص محددون. وتعتقد فيلين-يي أن على المدن أن تستعين بخدمات مدقِّقين مستقلين للتأكد من أن شركات الدراجات التشاركية تحمي بيانات الراكبين بشكل جيد.

وتقول لايم إنها تحاول أن تكون بمثابة “شريك جيد” للمدن، حيث تقول إميلي وارين (مديرة السياسة والشؤون العامة في لايم): “نعتقد أن تبادل المعلومات ضروري لنا لبناء أساس قوي من الثقة مع المدن التي ترغب في رؤية القياسات الأساسية لعملنا”.

أما مولي بيلون ماكاردل (التي تعمل على سياسات التكنولوجيا في ناكتو) فتقول إن هناك بضعة مدن ما تزال تحاول أن تجد طريقة لإدارة البيانات التي تتلقاها من شركات الدراجات التشاركية دائمة التنقل وتفسيرها، خصوصاً إذا كانت هناك عدة شركات تعمل فيها. ويولِّد عمل لايم في العشرات من المدن الأميركية عشرات الملايين من نقاط البيانات يومياً، وذلك وفقاً لشركة سنوفليك الناشئة التي تدير مخزن البيانات السحابي حيث تحتفظ لايم بمعلوماتها.

وتقول لايم إنها تعمل بالاشتراك مع المدن على وضع صيغة معيارية تسهِّل استخلاص بيانات الاستخدام من عدة شركات إلى قواعد البيانات الخاصة بالمدن، سواء ببرمجيات من طرف ثالث أو أدوات سيقومون ببنائها بأنفسهم، وتقول وارين: “إذا تعاونَّا معاً كصناعة واحدة، وقررنا اعتماد معيار معين، فسوف يتيح هذا للمدن أن تتَّخذ المزيد من الخطوات للاستفادة من هذه البيانات القيِّمة”.