طبيب سوري في أبوظبي يوظِّف تكنولوجيا الواقع الافتراضي لتصميم الابتسامة الرقمي

4 دقائق
الصورة الأصلية: تقدمة من الدكتور أسامة علوي | تصميم: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما تواصلنا في إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية مع الدكتور أسامة علوي للحديث عن تفاصيل إنجازه الجديد، شعرنا أن النقاش يجري مع أحد مستشرفي مستقبل التكنولوجيا؛ فهو يتحدث بشغف منقطع النظير عن إمكاناتها الواعدة ليس في مجال عمله فحسب، وإنما في شتى المجالات.

يتمتع الدكتور أسامة بمتابعة كبيرة على قنوات التواصل الاجتماعي من المعجبين بعمله في مجال تجميل الأسنان وإعادة تأهيل الابتسامة، ويمارس عمله في مجمع هارموني الطبي في أبوظبي. وقد نجح في استثمار شغفه “التكنولوجي”، وتراكُم سنوات من الخبرة في مجال طب الأسنان الرقمي، والدراسة في عدة جامعات فرنسية ليتمكن من توظيف تكنولوجيا الواقع الافتراضي لرسم الابتسامة المثلى التي يرغب مرضاه في الحصول عليها.

الدكتور أسامة علوي يسخِّر تكنولوجيا الواقع الافتراضي لتصميم الابتسامة الرقمي

الدكتور أسامة علوي يسخِّر تكنولوجيا الواقع الافتراضي لتصميم الابتسامة الرقمي
مصدر الصورة: تقدمة من الدكتور أسامة علوي

يقول الدكتور أسامة: “لقد تحول مجال تجميل الأسنان إلى مزيج بين الفن والعلم”؛ حيث يتم إجراء دراسة دقيقة لمعالم الوجه والأسنان وعلاقتهما مع الفك لكل مريض، ومن ثم تُرسَم خطة علاج لوضع الأسنان في مكانها الصحيح وبصورة تتناسب مع تناغم الوجه.

بعدها ينتقل العمل إلى مرحلة تصميم الابتسامة الرقمي. ويوضِّح الدكتور أسامة أن هذه المرحلة تنطوي على أخذ صور فيديو ومسح للتجويف الفموي (Intraoral scan) لإنشاء ملف رقمي كامل يحتوي صوراً ثلاثية الأبعاد لأسنان المريض. وبالاعتماد على هذا الملف وتكنولوجيا الواقع الافتراضي وبعض البرمجيات، يقوم الدكتور أسامة بإنشاء تصميم الابتسامة الرقمي في البيئة الافتراضية، ما يتيح معرفة المكان الصحيح لكل سنّ، وما إذا كانت خطة العلاج تستدعي تقويم الأسنان أو تعويضات سنية، والتنفيذ المباشر للتصميم الأمثل للأسنان.

ومن شأن هذا الإنجاز المميز  أن يمكِّن طبيب الأسنان وفريقه الطبي والفنيين في مختبر تعويضات الأسنان أن يتعاملوا مع الابتسامة والأسنان بصيغة ثلاثية الأبعاد، بالاعتماد على نظارة الواقع الافتراضي وقبضتي اليدين. كما يستطيع المريض رؤية شكل ابتسامته في صورة حية قبل أي تدخل طبي، ما يتيح له اختيار شكل ودرجة لون الأسنان والابتسامة التي يرغب في الحصول عليها.

كيف بدأ العمل على المشروع؟

استخدم الدكتور أسامة نظارات أوكولوس كويست (Oculus Quest) المزوَّدة بقبضتي يدين للتعامل مع الابتسامة “الافتراضية”. ويقول إن أحد أوجه الصعوبة في التعامل مع هذه المعدات يتمثل في أن الاعتياد على التعامل معها يحتاج إلى بعض الوقت (10-15 دقيقة)، كما أنها ثقيلة بعض الشيء. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن فيسبوك أطلقت إصداراً أخف وزناً وأرخص ثمناً وأعلى دقةً من هذه النظارات في حدث فيسبوك كونيكت (Facebook Connect)، الذي عُقد بشكل افتراضي في 16 سبتمبر الماضي.

الدكتور أسامة علوي يستخدم نظارات الواقع الافتراضي وقبضتي اليدين في تصميم الابتسامة الرقمي.

يقول الدكتور أسامة: “عندما اشتريت النظارات والقبضتين كان هدفي ترفيهياً أكثر من ارتباطه بعملي”. لكن حرصه على مواكبة أحدث التطورات في مجال عمله، ومن خلال متابعته لمؤتمر (IDS) -وهو أشهر مؤتمرات طب الأسنان في العالم ويعقد سنوياً في ألمانيا- استرعى اهتمامه توظيف إحدى الشركات لتكنولوجيا الواقع الافتراضي في تدريب الأطباء. عندها بدأ البحث عن الكيفية التي يمكنه من خلالها الاستفادة من هذه التكنولوجيا.

كان الدكتور أسامة في حاجة إلى برنامج تصميم يسمح باستيراد الصور الطبية ثلاثية الأبعاد وتصديرها، ووجد ضالته في برنامج جرافيتي سكيتش (Gravity Sketch) المخصص للمصممين، والذي يتوافر منه إصدار خاص بنظارات أوكولوس للواقع الافتراضي.

وبالفعل، نجح الدكتور أسامة -بعد التغلب على بعض المعوقات التقنية- في تحويل فكرته إلى حقيقة؛ إذ سرعان ما استخدم جهاز التصوير في العيادة لإجراء صورة لأسنان مريض ومسح التجويف الفموي لديه. ثم قام بتصدير الصور إلى برنامج جرافيتي سكيتش، واستخدم النظارات الافتراضية لاستعراض صور المريض في الواقع الافتراضي. ثم بدأ في تطوير تصور لشكل الأسنان باختلاف طول السن وعرضه وتدرج لونه لبناء تصميم ابتسامة رقمي. وهو ما يسهل العمل مع مختبر صناعة الأسنان والطلب منهم تعديل شكل السن أو درجة ميلانه أو تحريكه في بيئة ثلاثية الأبعاد، ويمنح المريض شكل الابتسامة الذي يريده.

وبناء على إنجازه هذا، يتوقع الدكتور أسامة أن يشهد المستقبل تطويراً لبرامج تصميم الابتسامة الرقمي التي يتعامل معها طبيب الأسنان وفنيُّو المختبر، حتى تتمكن من العمل على منصة واقع افتراضي، بما يحقق سهولة وسلاسة في تدفق العمل، ويتيح الحصول على أفضل النتائج. وأشار في هذا السياق إلى أنه يتواصل مع العديد من الشركات حالياً للمضي قدماً بمشروعه ونقله إلى مستوى أكثر تقدماً.

تطبيقات تكنولوجيا الواقع المعزز في طب الأسنان

تشهد تكنولوجيا الواقع المعزز أيضاً تطوراً متسارعاً؛ إذ بإمكان أي شخص اليوم تجربة مرشِّحات الواقع المعزز باستخدام هاتفه الذكي لتجربة تغيير لون البشرة ولون العينين وإضافة مؤثرات مرئية بالاعتماد على تكنولوجيا التعرف على الوجوه.

وفي مجال طب الأسنان، يشير الدكتور أسامة إلى تطبيق عرضته إحدى الشركات في مؤتمر آي دي إس العام الماضي واشترته شركة إيفوكلار(Ivoclar)، إحدى أهم الشركات في مجال طب الأسنان. يقوم التطبيق بالتقاط صورة لابتسامة الشخص ويتيح له استعراض كيفية تغير شكل ابتسامته عند إجراء تعديلات على الأسنان. وقد وفّرت الشركة نسخة مخصصة للأطباء للاستفادة من تكنولوجيا الواقع المعزز في تصميم الابتسامة الرقمي.

الواقع الافتراضي والمعزز: تكنولوجيا واعدة في العديد من المجالات

يرى الدكتور أسامة في تحليله الاستشرافي أن الواقع الافتراضي والواقع المعزز يمثلان مستقبل التكنولوجيا، وعلى وجه الخصوص التكنولوجيا التي يتعامل معها المستخدم النهائي. ويستشهد باستحواذ فيسبوك قبل سنوات على شركة أوكولوس المختصة بتقنيات الواقع الافتراضي في صفقة بلغت قيمتها 2.3 مليار دولار. وفي الشهر الماضي، كشفت فيسبوك في حدث فيسبوك كونيكت أنها ستطلق “النظارات الذكية” للواقع المعزز في العام القادم بالشراكة مع راي-بان. حتى إن مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لفيسبوك، قال مؤخراً في مقابلة مع موقع ذا فيرج:” إن تكنولوجيا الواقع الافتراضي تشق طريقها إلى الأمام”، وعبَّر عن حماسته للتطورات التي ستشهدها تكنولوجيا الواقع الافتراضي والمعزز في المستقبل.

من ناحية أخرى، تناول الدكتور أسامة في حوارنا معه فائدة واعدة أخرى لهذه التكنولوجيا تتمثل في التعليم والتدريب؛ ففي ظل تفشي وباء كورونا، شهدنا انتقال الكثيرين إلى أسلوب العمل عن بُعد. ورغم صعوبة عمل الطبيب عن بعد، إلا أن تكنولوجيا الواقع الافتراضي فتحت الباب واسعاً أمام تعليم وتدريب طلاب الطب عن بُعد. وقال الدكتور أسامة: “أتخيل أنه في المستقبل القريب، سيكون الأستاذ في مكان وطلاب الطب في مكان آخر، والجميع يرتدي نظاراته الافتراضية ويُمسك بقبضتي اليدين ليعملوا مع الأستاذ على علاج مريض افتراضي أو إجراء تشريح افتراضي”.

ويقدِّم الدكتور أسامة مثالاً على الاستخدامات المستقبلية لهذه التكنولوجيا في مجالات أخرى، يقول: “أتخيل أننا عوضاً عن استخدام خرائط جوجل بشكلها الحالي، سنرتدي عدسات أو نظارة افتراضية تعتمد على تكنولوجيا الواقع المعزز لتعرض لنا سيارة افتراضية تسير أمامنا لتقودنا إلى وجهتنا”. وقد بدأت الدراسات بالفعل حول هذه الفكرة التي أثبتت فعاليتها في بيئة تجريبية.

يختم الدكتور أسامة حديثه بالقول: “أعتقد أن عدسات أو نظارات الواقع الافتراضي والمعزز ستشكل نافذتنا إلى عالم جديد لا حدود فيه للإبداع إلا خيال الإنسان”.