أقمار ستارلينك الاصطناعية يمكنها حماية أنظمة الملاحة للجيش الأميركي من التشويش

5 دقائق
أقمار ستارلينك
منظر لكوكب الأرض كما تبدو للناظر من أقمار ستارلينك الخاصة بسبيس إكس. مصدر الصورة: سبيس إكس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بلغ عدد الأقمار الاصطناعية التي أطلقتها شركة سبيس إكس حتى الآن أكثر من 700، ومن المقرر إطلاق عدد آخر يقدر بالآلاف لتصبح قيد الخدمة في السنوات المقبلة. تتمثل المهمة الرئيسية لهذه الأقمار في توفير الإنترنت عالي السرعة في جميع أنحاء العالم تقريباً، وتوسيع نطاقها إلى العديد من المناطق النائية التي تفتقر إلى مستويات موثوقة من الخدمة حتى يومنا هذا.

والآن، خلُص بحثٌ ممول من قِبل الجيش الأميركي إلى أن هذه المجموعة الضخمة والمتنامية من الأقمار الاصطناعية قد يكون لها غاية أخرى: توفير بديل إضافي للنظام العالمي لتحديد المواقع (جي بي إس)، يتمتع بدقة عالية، وعصي على التشويش. سيعتمد الأسلوب الجديد على أقمار ستارلينك الاصطناعية المنتشرة في المدار الأرضي المنخفض لتقديم خدمات ملاحة شبه عالمية.

في ورقة بحثية لم تخضع لمراجعة النظراء بعد، يزعم كل من تود همفريز وبيتر إيانوتشي من مختبر الملاحة الراديوية بجامعة تكساس في أوستن، أنهما ابتكرا نظاماً يستخدم نفس الأقمار الاصطناعية، التي تعتمد عليها إشارات نظام جي بي إس التقليدية، لتحديد المواقع بدقة تفوق دقة جي بي إس بما يصل إلى 10 أضعاف، ضمن نظام أقل عرضة للتداخل بكثير.

إشارات ضعيفة

يتكون النظام العالمي لتحديد المواقع من مجموعة تضم نحو 30 قمراً اصطناعياً تدور حول الأرض على ارتفاع 20,000 كيلومتر؛ حيث يبث كل قمر منها باستمرار إشارة راديوية تحتوي على موقعه وتوقيت بث الإشارة، الذي تحدده ساعة ذرية في غاية الدقة مثبتة على متن القمر. وبالتالي يمكن لأجهزة الاستقبال على الأرض عندئذ أن تقارن بين الفترات الزمنية التي تستغرقها الإشارات القادمة من عدة أقمار اصطناعية للوصول، وتحدد موقعها حسابياً، وهي عملية لا يتجاوز فيها الخطأ عادة بضعة أمتار.

تكمن مشكلة النظام العالمي لتحديد المواقع في أن هذه الإشارات تكون ضعيفة للغاية عندما تصل إلى الأرض، ومن السهل أن تخضع إما للتشويش غير المقصود أو لعمليات الحرب الإلكترونية. في الصين، نجحت هجمات غامضة شُنّت عبر النظام العالمي لتحديد المواقع في انتحال صفة سفن متموضعة في مواقع مزيفة، في حين تتعطل إشارات جي بي إس بصورة منتظمة في شرق البحر المتوسط.

يعتمد الجيش الأميركي بشكل كبير على النظام العالمي لتحديد المواقع. وفي العام الماضي، قامت القيادة المستقبلية في الجيش الأميركي -وهي وحدة جديدة تم استحداثها بشكل خاص لتطوير قواته- بزيارة مختبر همفريز للتحدث عن شركة ناشئة تحمل اسم “كوهيرنت نافيجيشن” كان قد أسسها عام 2008. وقد قامت آبل عام 2015 بالاستحواذ على كوهيرنت، التي كانت تهدف إلى استخدام الإشارات الصادرة عن أقمار إريديوم الاصطناعية كبديل تقريبي لنظام جي بي إس.

يقول همفريز: “قالوا لي إن الجيش تربطه علاقة بشركة سبيس إكس [حيث وقع اتفاقية تنص على اختبار مشروع ستارلينك لنقل البيانات عبر شبكات الاتصال العسكرية في مايو]، وما إذا كنتُ مهتماً بالتحدث إلى سبيس إكس بشأن استخدام أقمار مشروعها ستارلينك بنفس الطريقة التي استخدمتُ فيها أقمار إريديوم الاصطناعية هذه”. ويضيف: “جعلنا هذا الأمر نتحدث إلى أشخاص يعملون في سبيس إكس، وقد أعجبوا به، ثم منحنا الجيش عاماً لدراسة المسألة برمتها”. كما عرضت القيادة المستقبلية أيضاً تمويل المشروع بعدة ملايين من الدولارات.

إن فكرة استخدام الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض لأغراض الملاحة ليست بالجديدة. في الواقع، شكلت أقمار برنامج ترانزيت الاصطناعية جزءاً من أولى المركبات الفضائية الأميركية التي أُطلقت في الستينيات؛ حيث كانت تدور على ارتفاع 1,100 كيلومتر، لتوفر معلومات المواقع للسفن والغواصات التابعة للقوات البحرية. تتمثل فائدة مجموعات الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض في أن الإشارات قد تكون أقوى 1,000 مرة من إشارات جي بي إس. لكن مساوئ هذه المجموعات تتمثل في أنه ليس بإمكان القمر الاصطناعي الواحد منها سوى تخديم مساحة صغيرة واقعة تحته، لذا فإن تحقيق تغطية عالمية موثوقة يتطلب المئات أو حتى الآلاف من هذه الأقمار.

ترقية وتحسين

قد يكون بناء شبكة جديدة كلياً من أقمار اصطناعية واقعة في المدار الأرضي المنخفض -ومزودة بساعات فائقة الدقة- عملية مكلفة للغاية، إلا أن هذا ما تخطط للقيام به بالضبط الشركة الناشئة زونا سبيس سيستمز، الواقعة في منطقة خليج سان فرانسيسكو؛ حيث تهدف إلى إطلاق مجموعة مكونة من 300 قمر اصطناعي على الأقل ضمن مشروع بولسار على مدى السنوات الست القادمة.

لكن همفريز وإيانوتشي لديهما فكرة مختلفة: سيستخدمان ترقية برمجية بسيطة لتعديل أقمار ستارلينك الاصطناعية حتى يصبح ما لديها من قدرات الاتصال وإشارات جي بي إس قادراً على توفير معلومات الموقع وخدمات الملاحة.

ويزعمان أن نظامهما الجديد قادر أيضاً -وخلافاً لما هو متوقع- على توفير دقة أفضل لمعظم المستخدمين من تكنولوجيا جي بي إس التي تعتمد عليها؛ ذلك لأن جهاز الاستقبال الخاص بنظام جي بي إس على كل قمر اصطناعي، يستخدم خوارزميات نادراً ما توجد في المنتجات الاستهلاكية، لتحديد موقعه بدقة لا يتعدى الخطأ فيها بضعة سنتيمترات. تستخدم هذه التكنولوجيات الخصائص الفيزيائية للإشارة الراديوية الخاصة بنظام جي بي إس، وترميزها، لتحسين دقة الحسابات المتعلقة بالموقع. في الواقع، يمكن لأقمار ستارلينك الاصطناعية إنجاز الجزء الأصعب من الحسابات من أجل مستخدميها في الأسفل.

كما تمثل أقمار ستارلينك الاصطناعية بشكل أساسي أيضاً أجهزة توجيه لبروتوكولات الإنترنت، قادرة على تحقيق سرعة نقل قدرها 100 ميجابت في الثانية. وعلى صعيد آخر، فإن أقمار نظام جي بي إس الاصطناعية تتصل بسرعات أقل من 100 بت في الثانية.

يقول إيانوتشي: “هناك عدد قليل جداً من البتات المتاحة كل ثانية لعمليات التراسل الخاصة بجي بي إس، بحيث لا يمكنها إتاحة الفرصة لتضمين بيانات (حديثة وعالية الدقة) حول المواقع الدقيقة التي تتواجد فيها الأقمار الاصطناعية”. ويضيف: “إذا أتيحت لك فرصة أفضل بمليون مرة لإرسال المعلومات من قمرك الاصطناعي باتجاه الأرض، فيمكن للبيانات عندها أن تكون أقرب بكثير إلى الحقيقة”.

يطلق همفريز على النظام الجديد اسم “نظام ليو المدمج للملاحة”؛ حيث سيستخدم حسابات المدار والساعة اللحظية لتحديد مواقع المستخدمين ضمن نطاق قدره 70 سنتيمتراً، حسب تقديراته. وعلى سبيل المقارنة، فإن معظم أنظمة جي بي إس المستخدمة في الهواتف الذكية، والساعات، والسيارات، لا يقل نطاق دقتها عن بضعة أمتار.

لكن الميزة الأساسية بالنسبة للبنتاجون، هي أنه يجدر بمحاولات التشويش والخداع الإلكتروني أن تصبح أصعب بكثير في مواجهة نظام ليو المدمج. لا يتميز هذا النظام بأن إشاراته أقوى بكثير على مستوى سطح الأرض، بل إن الهوائيات المخصصة لترددات موجاته الميكروية موجهة أكثر بنحو 10 مرات من هوائيات نظام جي بي إس؛ هذا يعني أنه يجب أن يكون التقاط إشارات الأقمار الاصطناعية الحقيقية أكثر سهولة من التقاط الإشارات الصادرة عن جهاز ما للتشويش. “هذا ما ما نأمله على الأقل”، كما يقول همفريز.

وفقاً لحسابات همفريز وإيانوتشي، فإن نظام ليو المدمج للملاحة قادرة على توفير خدمة ملاحية متواصلة إلى 99.8% من سكان العالم، باستخدام أقل من 1% من سعة الوصلة الهابطة من ستارلينك، وأقل من 0.5% من قدرتها الطاقوية.

يقول تود والتر من مختبر جي بي إس في جامعة ستانفورد، الذي لم يشارك في البحث: “أعتقد بقوة أن هذا قد يؤدي إلى الحصول على خدمة أكثر متانة ودقة”. ويضيف: “إذا لم تكن مضطراً إلى تعديل أقمار ستارلينك الاصطناعية، فهي بالتأكيد طريقة سريعة وبسيطة للمضي قدماً في المشروع”.

ولا تقتصر تكنولوجيا الملاحة على أقمار سبيس إكس الاصطناعية فقط. يقول إيانوتشي إن مجموعة الأقمار الاصطناعية الخاصة بشركة “ون ويب” -التي أفلست في مارس الماضي والتي تتجه الحكومة البريطانية إلى شرائها- يمكنها أيضاً أن تعمل كنظام محلي لأغراض الملاحة، “على الرغم من أن ستارلينك تحتل موقع الصدارة في الوقت الحالي”.

ومع ذلك، فإن نظام ليو المدمج للملاحة له عيوبه أيضاً؛ فليس من المتوقع لمجموعة ستارلينك الضخمة الأولية أن تعمل فوق خط عرض 60 درجة، ما يعني أن سكان هلسنكي قد يُحرَمون من الاستفادة منها، كما هو الحال بالنسبة للجنود المتواجدين في أي من المناطق المتنازع عليها في المستقبل في كلا القطبين الشمالي والجنوبي.

أيضاً، إن استخدام النظام على الأرض يقتضي مستقبلاً الاعتماد على الهوائي الخاص بستارلينك من سبيس إكس -الذي يصفه رئيسها التنفيذي إيلون ماسك بأنه يشبه طبقاً فضائياً يتوضع على عصا، وربما يكون باهظ الثمن- بدلاً من شرائح جي بي إس الرخيصة التي يمكن وضعها داخل الهواتف الذكية والساعات. أياً كانت خدمة ليو المدمجة للملاحة التي سنشهدها مستقبلاً، فإنها -خلافاً لنظام جي بي إس- سوف تظهر بأثمان باهظة أيضاً، على الأقل لأن سبيس إكس تنتظر بفارغ الصبر أن ترى استثمارها الضخم في مشروع ستارلينك وقد بدأ يجني لها الأرباح. لهذه الأسباب، لا يتفق الجميع على الاعتقاد بأن الأمور ستسير على هذا النحو.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة زونا، برايان مانينج: “بدأنا ننظر إلى هذه المقاربة منذ فترة طويلة، ولم تبدُ لنا القدرات بنوعيها التجاري والتقني منطقية فعلاً، وهو ما دفعنا إلى العمل على مجموعة مستقلة من الأقمار الاصطناعية”.

لم ترد أي من القيادة المستقبلية في الجيش الأميركي أو سبيس إكس على طلباتنا للحصول على التعليقات، إلا أن باحثي جامعة تكساس يأملون في أن يدرك ماسك قيمة التكنولوجيا الجديدة. يقول إيانوتشي: “هذا المشروع يتمتع بإمكانات لإحداث تغيير حقيقي في نظام الملاحة على مستوى العالم”.