كيف اكتشف العلماء فجوة هائلة في الهرم الأكبر؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من الأفضل لنا أن نترك علم الآثار إلى علماء الآثار الفعليين – وخاصة أولئك العلماء الذين يستخدمون تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين بشكل صحيح لإجراء اكتشافات جديدة وغريبة. نشر العلماء مؤخراً دراسة غريبة جداً في مجلة نيتشر (Nature) تكشف بالتفصيل عن اكتشاف وجود فراغ عملاق داخل الهرم الأكبر في الجيزة في مصر، وما ساعدهم في هذا الاكتشاف هو ملاحظة تأثير الأشعة الكونية التي تتشكل على حافة الفضاء وتقصف كوكبنا. هذه هي المرة الأولى منذ أكثر من قرن من الزمان التي يتم فيها العثور على هيكل رئيسي جديد في الهرم الأكبر (المعروف باسم هرم خوفو)، وقد استعصى هذا الاكتشاف على منقبي الآثار منذ اكتمال الهرم منذ 4,500 سنة. إذ لم يُكتشَف شيء بهذه الضخامة داخل هذا الهرم العملاق منذ العصور الوسطى. 

وليس لدى علماء الآثار أدنى فكرة عما يوجد في الداخل.

إليكم ما حدث: قام باحثون من “معهد الحفاظ على التراث الابتكاري” (Heritage Innovation Preservation Institute) الفرنسي غير الربحي” بالتعاون مع مجموعة من الفيزيائيين اليابانيين كجزء من مهمتهم في إجراء مسح للأهرامات، واعتمدوا على التقنيات الحديثة في رسم خريطة لهَرَمَي خوفو وخفرع، ولتحقيق هذا الهدف الجريء، فكّر الباحثون بشكل عميق وواسع باتساع الكون.

تتعرض الأرض باستمرار للأشعة الكونية، التي تشمل نوى الهيدروجين. وتتفكك هذه النوى إلى جسيمات أصغر عندما تسقط في الغلاف الجوي لكوكبنا؛ تسمى بعضها ميونات، والتي تصل إلى سطح الكوكب بسرعة الضوء تقريباً. وهي تبقى على قيد الحياة لبضعة أجزاء من مليون من الثانية فقط. توجد الميونات في كل مكان دائماً، ولكن تصعب مراقبتها لأنها لا تفعل أي شيء. 

ولكن إذا استطعت ملاحظتها، يمكنك استخدامها كوسيلة لرؤية الأشياء التي لا يمكن مشاهدتها عادة، كما هو الحال مثلاً في حالة وجود غرف واسعة سرية داخل هرم عمره 4,500 عاماً، ويبلغ ارتفاعه 455 قدماً، ولأن الصخور تمتص طاقة الميون، فقد بحث الباحثون عن جيوب فضائية، حيث يكون تركيز الميونات أعلى. 

تمكّن فريق البحث من الاعتماد على مجموعة من أجهزة الكشف عن الميونات – تسمى أغشية الاستحلاب النووية – التي قدمها الشركاء اليابانيون لمراقبة الميونات التي ترتدّ عما أدركوا أنه كان تجويفاً طوله 100 قدم في وسط الهرم. وهو تقريباً بنفس حجم “صالة العرض الكبيرة، وهو يشكّل ممراً يؤدي إلى غرفة الملك، وقد أكّدت فرق بحثية أخرى نتائج هذا الفحص. لا شك أنّ علماء الآثار اكتشفوا غرفة جديدة كلياً تقع في الهرم الأكبر. 

كيف ظل هذا الهيكل مخفياً لفترة طويلة؟ لا يثير هذا الأمر دهشة كبيرة، وفقاً لعالمة الآثار كارول ريدماونت من جامعة “كاليفورنيا”، في بيركلي. إذ يقع هذا التجويف في وسط الهيكل الضخم، ولم يكن من الممكن العثور عليه دون تقنيات التصوير المتقدمة ما لم ينهار هذا الهرم ذاتياً. 

ولكن يكمن السؤال الحقيقي في معرفة ما يوجد داخل هذه الغرفة الكبيرة؟ هل هي مستودع لكنوز قيمة ونادرة تعود إلى عهد الأسرة الرابعة؟ أم غرفة خاصة لممارسة الطقوس، أم هي جزء من طقوس الدفن لخوفو؟ أم فيها المومياء المفقودة للفرعون نفسه؟ يقودنا هذا الاكتشاف حقاً إلى طرح أسئلة أكثر مما يقدم لنا من إجابات. يقول عالم المصريات في جامعة “هارفاردبيتر دير مانويليان: “إننا ما زلنا لا نعرف أي نقاط دخول ممكنة لهذه الفجوة على اعتبار أنها غير قابلة للوصول، وربما لا يكون هناك أي نقاط من هذا القبيل إذا كانت هذه الغرفة مجرد نوع من الفجوة المعمارية في البناء”. وعلاوة على ذلك، فهو يؤكد أنّ الميونات لا تسلط الضوء على الغرف المنفصلة لهذه الفجوة (إن وجدت) أو شكلها أو حجمها أو أية أشياء محتملة الوجود هناك. 

وحتى لو امتلك بعض الأشخاص أدنى فكرة عما يوجد بالداخل، أو عن الغرض من هذه الغرفة، فهم لن يخوضوا عن طيب خاطر في لعبة التكهنات. ليس لدى مؤلفي هذا البحث الكثير ليقولوه حول ما يمكن أن يكون في الداخل. يقول مانويلان: “أفهم أنّ معظم الناس يريدون معرفة المزيد عن الغرف الخفية، والموجودات المهمة، والمومياء المفقود للملك خوفو، ولكن لا شيء من هذا القبيل على طاولة البحث في هذه المرحلة، وإلى أن نعرف المزيد عن هيئة هذا التجويف وشكله والغرض منه، فليس من الصواب أن نبالغ في تكهناتنا حول هذا الموضوع، على الأقل ليس بالنسبة لعلماء المصريات”. 

تقول ريدمونت إنّه نظراً لحجم الفجوة المماثل لحجم قاعة العرض الكبيرة ومعرفة أن الجزء الداخلي للهرم قد مر بعدة مراحل من إعادة التصميم والتغييرات قبل اكتماله، فقد يكون هذا التجويف نسخة أخرى من “صالة العرض الكبيرة” وقد أغلقت لسبب أو لآخر. لقد بُني هرم خوفو، كما تقول، في فترة تجريبية من تطور بناء الأهرامات، حيث كان المصريون ما زالوا في إطار اختبار الكثير من الأفكار الجديدة. لن نشعر بدهشة بالغة إذا اكتشفنا أنّ هذه الفجوة في الواقع هي مجرد غرفة أثرية غير مكتملة. لن تكون هذه النتيجة الأكثر إثارة للقلق، ولكن ربما يكون الأمر ذا أهمية كبيرة بالنسبة للخبراء الراغبين في معرفة المزيد عن كيفية بناء الأهرامات التي تشكل معالم كبيرة ضمن الآثار المصرية الأخرى. 

هذه هي المرة الأولى التي تُستخدَم فيها أجهزة الكشف عن الميونات لتحقيق اختراق أثري مهم، ولكنها ببساطة هي الأحدث في الاتجاه المتنامي لدى علماء الآثار الذين يحققون اكتشافات كبيرة في العالم القديم باستخدام أدوات مستقبلية. لقد أوضحتْ فيما مضى عالمة الآثار في جامعة “ألاباما” في برمنغهام سارة باركاك إمكانية الاستخدام المثمر للأقمار الصناعية والأدوات الفضائية في مسح المواقع التاريخية وكشف التفاصيل الخفيّة للعالم القديم”. إنّ “علم الآثار الفضائي” هو أمر واقعي في الوقت الراهن كما أنه يشكل مجالاً قيّماً للبحث في حد ذاته. 

وبطبيعة الحال، من المرجح أن تسهم التكنولوجيا في مساعدة العلماء على مواصلة استكشاف هذه الغرفة الجديدة – ولكن دعونا نأمل فقط ألا نقرأ عن اصطدام طائرة بدون طيار تعطل محركها في جدار الهرم بعد بضعة أشهر من الآن. 

هذه المقالة هي جزء من مشروع فيوتشر تنس التعاوني بين جامعة ولاية أريزونا، ونيو أميركا، وسليت. يستكشف فيوتشر تنس طرق تأثير التقنيات الناشئة على المجتمع والسياسة والثقافة.