لماذا يشعر أحد خبراء أنظمة الأمن التقني بالقلق حول جوجل؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كنت أثق ببعض منتجات شركة “جوجل”، مثل متصفح الويب “كروم”، لكنني أفقد تلك الثقة يوماً بعد يوم بسبب أنظمة الأمن التقني في شركة “جوجل”.

قبل بضعة أسابيع، لاحظت أمراً غريباً يحدث على متصفح الويب “جوجل كروم”، فقد كنت أتصفح الإنترنت دائماً من خلاله بصفة مستخدم مجهول، لكنه فجأة سجّل الدخول إلى حساب جوجل الخاص بي. وبعد قليل من البحث (وزيارتي إلى منتدى معني بالتقنيات) اتضح لي أن متصفح “كروم” قد سجل نفسه بعد أن زرت بريدي الإلكتروني على جوجل “جي ميل” (Gmail).

ميزة اتساق الهوية في متصفح الويب “جوجل كروم”

وتبين أن هذا التغيير في “جوجل كروم” لم يكن خطأ، بل إنه جزء من “ميزة” جديدة في المتصفح تسمى “اتساق الهوية بين المتصفح وملفات تعريف الارتباط (cookie jar)”. وعلى الرغم من الاسم التقني البسيط لهذه الميزة، فإنها تمثل تغييراً جوهرياً في طريقة عمل المتصفح. ففي السنوات العشر الأولى من انطلاقه، كان “جوجل كروم” عبارة عن متصفح ويب نموذجي، إذ كان لديك خيار تسجيل الدخول إلى المتصفح في “جوجل”، والاستفادة بالتالي من الخيارات المتعددة مثل مشاركة البيانات وتزامن الخدمات السحابية، ولكنك لست ملزماً بذلك أبداً. أما بعد إجراء التحديث، أصبح تسجيل الدخول إجبارياً، فإذا زرت أياً من مواقع “جوجل”، فإن المتصفح سيربط نفسه بحسابك في “جوجل”. وفيما يتعلق بمحرك بحث “جوجل”، فسيتعرف الأخير على انعكاسات الخصوصية لهذا التغيير، ولن يؤدي مجرد تسجيل دخول المتصفح لإرسال بياناتك فوراً إلى خوادم جوجل، ولكنه سوف يقود المستخدمين أيضاً إلى إجراء تسجيل دخول غير مقصود تُشارك جوجل بعدها صفحاتهم المحفوظة (الإشارات المرجعية) وسجل التصفح.

وبعد أن كتبت عن هذا التغيير، فوجئت بالاستجابة الصاخبة للمجتمع التقني، إذ يبدو أن العديد من التقنيين المتخصصين يفكرون مثلي تماماً، ذلك أن متصفح الويب يجب أن يكون مجرد متصفح ويب بدلاً من أن يكون ذراع جوجل الضخم على الإنترنت، حتى أن ردود أفعال أولئك المتخصصين تسبب في تراجع جوجل نوعاً ما. وأوضحت الشركة عندما أعلنت عن هذا التحديث أن ميزة تسجيل الدخول التلقائي في “متصفح كروم” ستبقى هي السلوك الافتراضي له، ولكنك ستتمكن من إيقاف تشغيله عن طريق مفتاح تبديل اختياري يُضبط من إعدادات المتصفح.

ما هو “فخ فيسبوك”؟

يعتبر هذا النمط من السلوك الذي تعتمده شركات التكنولوجيا أمراً روتينياً بحيث أصبح من المسلمات، ودعنا نسميه “فخ فيسبوك” نسبة إلى عدد المرات التي تراخت فيها شركة “فيسبوك” عن طريق الخطأ فيما يتعلق بإعدادات الخصوصية لبيانات الملفات الشخصية للمستخدمين، والذي نجم عنه موجة من التغطية الصحفية السيئة، أعقبها اعتذار ثم تعديل المسار بهدوء. وتتمثل إحدى السمات الرئيسية لهذه الأحداث في أن إدارة الشركة نادراً ما تتلقى اللوم، بل وتُحمّل بدل ذلك المسؤولية على مهندس مجهول يُخرج الأمور عن السيطرة. وربما يُصادف باستمرار أن تلك التغييرات تخطئ في اتجاه زيادة “إشراك المستخدم” ولا تجعل من تجربتك أكثر خصوصية.

الجديد هنا، والتطور الحديث بالفعل، هو أننا بدأنا نرى أن هذا النهج له ضريبته. على سبيل المثال، يبدو أن المدراء التنفيذيين في شركة “فيسبوك” يقضون الكثير من الوقت في الإجابة عن أسئلة “الكونغرس”. وفي العام 2017، عندما أعلنت “فيسبوك” أنها سلّمت أكثر من 80 مليون ملف شخصي للمستخدمين إلى شركة “كامبريدج أناليتيكا”، التي تعمل في مجال الاستشارات الاستراتيجية المشبوهة في الانتخابات، لم تلقَ تعاطفاً كبيراً بل انخفضت أسهمها انخفاضاً ملحوظاً. وما نستخلصه من ذلك، هو أن فقدان ثقة المستخدمين بشركة ما لا يجعلهم يهربون على الفور، ولكن ذلك قد يكون له عواقب تراكمية.

تغييرات شركة “جوجل” على متصفح البحث “كروم”

وهذا ما يجعل تغييرات “جوجل” الأخيرة على متصفح “كروم” تثير الدهشة. إن شركة “جوجل” هي إحدى الشركات الكبرى في وادي السيليكون، التي تجنبت الكثير من الأفعال التقنية التي تُفسد الشركات الأخرى. وعلى الرغم من غرابة الفكرة القائلة إن “جوجل تعمل بشكل أفضل من تلك الشركات”، فإنها تعد واحدة من أكبر الشركات التي تستطيع جمع البيانات في العالم. ومع ذلك، يمكنني التأكيد أن هذا يعود بمجمله إلى استثمار “جوجل” في بناء ثقة المستخدمين.

ويأخذ هذا الاستثمار أشكالاً مختلفة، أولها أن شركة “جوجل” استثمرت بشكل مستمر في تأمين بنيتها التحتية، وعندما اختُرقت (من قبل الصين، حسبما قيل) في العام 2010، لم تنسحب الشركة من الصين فحسب، بل إنها سخرت الموارد في تحصين أنظمتها، حتى أنها نقلت فريقها المتخصص بأنظمة الأمن ​​إلى بناء مخصص على أطراف مدينة ماونتن فيو من أجل عرقلة التجسس غير الإلكتروني. ويتباهى مهندسو أنظمة الأمن في “جوجل” بأنهم يستطيعون مجاراة الدول، وهم يدعمون ذلك من خلال تقديم تحذيرات لاختراق محتمل إلى المستخدمين المعرضين للخطر مثل الصحفيين والسياسيين والأساتذة على مستوى الدول. وعلى صعيد الخصوصية، تتربع شركة “جوجل” على عرش الإعلانات الموجهة، ولكنها تتجنب إلى حد كبير تغييرات الخصوصية المثيرة للجدل والمزعجة مثل تلك التي عانت منها شركة “فيسبوك”. وعلى الرغم من أن “جوجل” تجمع الكثير من البيانات، فقد كانت في العموم مقنعة حول ما تطلبه. وعلى عكس “فيسبوك”، فإن الشركة لا تسرب بياناتك مطلقاً إلى جهات أخرى.

نتج عن هذه الاستراتيجية التي تدعم الأمان مزايا ملموسة لشركة “جوجل” حتى لو كانت غير مرئية للشخص العادي، وساعد ذلك على بناء الثقة مع المستخدمين التقنيين البارزين الذين يعملون مثل سفراء غير رسميين أو بمثابة مزودي “الدعم الفني المتعلق بتكنولوجيا المعلومات” نيابة عن الجميع. والأهم من ذلك، سمحت تلك الاستراتيجية لشركة “جوجل” بتطوير عملية جمع البيانات والإعلان عن الأعمال التجارية من دون تقديم الشهادة المحرجة أمام “الكونغرس” ومن دون الانجرار إلى مثل أعمال “كامبريدج أناليتيكا”. وبالطبع، حقيقة أن خدمات شركة “جوجل” واسعة الانتشار ما يجعلها قادرة على أن تكون مرنة من هذه الناحية، بمعنى أنها ليست بحاجة إلى تجاوز قواعد الخصوصية مع المستخدمين في حين أنها تمتلك بالفعل الكثير من البيانات الخاصة بهم.

ولكن تشير التغييرات الأخيرة في متصفح “كروم” إلى أن شركة “جوجل” ليست محصنة ضد نفس الضغوط التي تعرضت لها شركات أخرى. ومع أن التحديث على متصفح “كروم” قد يكون مؤشراً بسيطاً على ذلك الضغط، إلا أنه ليس المؤشر الذي يُعتبر الأكثر إثارة للقلق. فقد وقعت شركة “جوجل” مؤخراً اتفاقية سرية مع “شركة ماستركارد” من أجل ربط معلومات معاملات بطاقة الائتمان الخاصة بك مع متصفح الويب، وليس بوسعنا إلا تخمين ما ستفعله مع هذه البيانات. وقد سربت الصحيفة الإلكترونية “ذي إنترسبت” (The Intercept)، مذكرة داخلية تُبين من خلالها أن “جوجل” تفكر في العودة إلى الصين وبناء محرك بحث مخصص يطلق عليه اسم “دراغون فلاي” (Dragonfly)، والذي سوف يتعقب المستخدمين الصينيين بانتظام ويقدم نتائج بحث تخضع للرقابة ويحذف نتائج لمصطلحات مثل “حقوق الإنسان”. وقد ادعت شركة “جوجل” من جانبها أن المشروع كان فقط “استكشافياً”، ومع ذلك يُعتبر هذا التصريح محل جدال. وسوف يكون من الصعب رؤية “جوجل” تحتفظ بموقعها القوي فيما يتعلق بالخصوصية إذا ما نشرت مثل هذه الأنظمة في جزء كبير من العالم.

باختصار، أخشى أن تكون شركة “جوجل” في طريقها لأن تصبح نوعاً مختلفاً من الشركات، وهذا ليس لأنني أحب جوجل كما هي، إذ إنها مؤسسة تحقق الأرباح وسيظل المساهمون فيها يسعون دائماً إلى تطويرها، ولكنني أشعر بالقلق من أن ترمي بثقتنا من أجل المكاسب قصيرة الأجل. والأسوأ من ذلك، يشير هذا التغيير إلى أن المصلحة الذاتية للشركات في الحفاظ على ثقة المستخدم قد لا تكون متوافقة مع ضغوط العمل التي تدفعها إلى أن تصبح أكثر تطفلاً.

قد يتهمني البعض بأنني ساذج بسبب اعتمادي على منتجات “جوجل”، وأنني أستحق كل ما أتعرض له لأنني مرتبط بالنظام الإيكولوجي في جوجل. ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك ويناقشون فكرة أن الذين يريدون الخصوصية يجب أن يتجنبوا وسائل مثل متصفح “كروم” وموقع “فيسبوك” تماماً، وكأن الخصوصية هي القيمة التي يجب أن نعاني جميعاً من أجل الحصول عليها أو أنها حق حصري للنخبة المتخصصة في المجال التقني.

أنا أرفض هذا الجدال تماماً، إذ إن شركة مثل “جوجل” تتمكن من تقديم منتجات جيدة تحقق التوازن بين الخصوصية والأرباح من دون التعرض إلى ضغوط مقابلة تجبر “جوجل” على الاستمرار حتى نهاية الصفقة. وعندها، سيكون من الصعب على المدراء التنفيذيين في الشركة تبرير ذلك.

في نهاية الحديث عن أنظمة الأمن التقني في شركة “جوجل”، هذا هو سبب ابتعادي عن نظام “جوجل الإيكولوجي”، وإذا لم يكن ذلك مفيداً بشيء، فعلى الأقل سوف أتمكن من التصويت في الانتخابات بحرية.

ملاحظة: حصل ماثيو غرين في الفترة ما بين عامي 2014-2015 على منحة من قسم المشاريع والتقنيات المتقدمة التابع لشركة “جوجل”.