حل ثوري يمكن أن ينقذ صفيحة «يوم القيامة» الجليدية

6 دقائق
صفيحة ثوايتس الجليدية
صفيحة ثوايتس الجليدية. حقوق الصورة: كاري سكامبوس/ المركز الوطني لبيانات الجليد والثلج.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ديسمبر/كانون الأول 2021، أبلغ الباحثون عن تشكل شقوق ضخمة ومتزايدة في الناحية الشرقية من صفيحة ثوايتس الجليدية، وهي كتلة من الجليد بحجم ولاية فلوريدا، وتمتد على مسافة 120 كيلومتراً غرب القارة القطبية الجنوبية.

وحذر الباحثون من أن هذا اللسان العائم للصفيحة الجليدية، والذي يلعب دوراً داعماً لها، قد ينكسر ساقطاً في المحيط في فترة قد لا تتجاوز 5 سنوات، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تفاعل تسلسلي، حيث تصبح المزيد من الجروف الجليدية المرتفعة مكشوفة، ما يؤدي إلى تشققها وانهيارها لاحقاً.

صفيحة يوم القيامة الجليدية

إن فقدان كامل هذه الصفيحة الجليدية، والتي تُسمى باسم صفيحة يوم القيامة الجليدية، قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات المحيطات بحوالي 60 سنتيمتراً، ويمكن أن يصل هذا الارتفاع إلى 3 أمتار في حال انتشر الانهيار إلى الصفائح الجليدية المحيطة بها، وذلك وفقاً لعلماء من المركز التعاوني الدولي لدراسة صفيحة ثوايتس الجليدية. وفي أي حال، سيؤدي هذا إلى اكتساح المياه للمدن الساحلية حول العالم، مهدداً أرواح عشرات الملايين من السكان.

ويثير كل ما سبق سؤالاً طارئاً: أهناك ما يمكن فعله لمنع حدوث هذا؟

حتى لو قام العالم بأسره بإيقاف انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بالتغير المناخي وتسخين المياه تحت الصفائح الجليدية، فإن هذا لن يحدث أي مفعول لزيادة سماكة واستقرار الدعامة الأساسية لثوايتس، كما يقول جون مور، وهو أخصائي بالكتل الجليدية وأستاذ في مركز الدراسات القطبية في جامعة لابلاند في فنلندا.

ويضيف: “وبالتالي، فإن الوسيلة الوحيدة لمنع الانهيار هي تدعيم الصفائح الجليدية فيزيائياً”.

وهو ما يتطلب إجراء يحمل العديد من المسميات، مثل الحماية الفعالة، والتكيف الراديكالي، والهندسة الأرضية الجليدية.

وضع مور وغيره عدة طرق يمكن اللجوء إليها لحماية الكتل الجليدية الأساسية. وتتضمن بعض الخطط بناء دعامات اصطناعية عبر مشاريع هائلة الضخامة في القطب، أو تركيب بنى أخرى تدفع الطبيعة إلى تجديد قوة البنى الموجودة حالياً. وتقوم الفكرة الأساسية على أن مجموعة من الجهود الهندسية التي تركز على مصدر المشكلة يمكن أن تخفف إلى حد كبير من أضرار الممتلكات وأخطار الفيضانات التي ستتعرض لها، عملياً، كل مدينة ساحلية وجزيرة منخفضة، ناهيك عن تكاليف مشاريع التكيف المطلوبة للتخفيف من هذه الأخطار.

وإذا نجحت هذه الخطة، يمكن أن تحافظ على استقرار الكتل الجليدية الهامة لعدة قرون إضافية، ما يمنحنا بعض الوقت للتخفيف من الانبعاثات وإعادة استقرار المناخ، كما يقول الباحثون.

ولكن، هناك الكثير من التحديات الهائلة اللوجستية، والهندسية، والقانونية، والمالية. كما أن فعالية هذه الإجراءات ليست واضحة بالضبط، أو حتى إمكانية تنفيذها فعلياً قبل فقدان بعض من الكتل الضخمة.

اقرأ أيضاً: المحادثات المناخية في غلاسغو لن تحقق أهدافها.. إليكم أساليب أخرى لتسريع التقدم

إعادة توجيه المياه الدافئة

في عدة مقالات وأوراق بحثية منشورة في العام 2018، وضع مور ومايكل وولوفيك من جامعة برينستون وغيرهم خطة محتملة للحفاظ على الكتل الجليدية الهامة، بما فيها ثوايتس، عبر مشاريع حفر ضخمة. وتتضمن هذه المشاريع شحن أو مراكمة كميات ضخمة من المواد لبناء حواجز أو جزر اصطناعية حول الكتل الجليدية الهامة أو تحتها. وستقوم هذه البنى بدعم الكتل والصفائح الجليدية، أو حجب طبقات المياه الدافئة والكثيفة في قعر المحيط، والتي تذيبها من الأسفل، أو تقوم بالعملين معاً.

ومؤخراً، قام هؤلاء الباحثون، بالاشتراك مع باحثين يعملون مع جامعة بريتيش كولومبيا، بدراسة فكرة تحمل طابعاً فنياً أكثر وضوحاً، وهي بناء ستائر مثبتة بقعر المحيط. وستكون هذه الستائر عبارة عن صفائح عائمة ومرنة، ومصنوعة من مواد إكساء التربة، والتي تستطيع منع مرور المياه الدافئة وإعادة توجيهها.

ويأمل الباحثون بأن هذا المقترح سيكون أقل تكلفة من المقترحات السابقة، وأن هذه الستائر ستتحمل التصادمات مع الجبال الجليدية، وأنها ستكون قابلة للإزالة عند ظهور أية آثار سلبية. وقد قام الباحثون بنمذجة استخدام هذه البنى حول ثلاثة كتل جليدية في غرينلاند، إضافة إلى ثوايتس، والكتل الجليدية القريبة عند جزيرة باين.

جبل يوم القيامة
الصفيحة الجليدية الشرقية في كتلة ثوايتس الجليدية في 2001. حقوق الصورة: لورين دوفين/ مرصد ناسا الأرضي.
جبل يوم القيامة الجليدي
الصفيحة الجليدية الشرقية في كتلة ثوايتس الجليدية في 2019. حقوق الصورة: لورين دوفين/ مرصد ناسا الأرضي

إذا تمكنت هذه الستائر من إعادة توجيه كمية كافية من المياه الدافئة، فقد تبدأ الصفيحة الشرقية من ثوايتس باكتساب السماكة الإضافية ثانية، وتعيد تثبيت نفسها بالتشكيلات التي كانت تدعمها لعدة آلاف من السنوات تحت الماء، كما يقول مور.

وقد كتب في رسالة بالبريد الإلكتروني: “تقوم الفكرة على إعادة النظام إلى حالته في بدايات القرن العشرين تقريباً، عندما كان يستحيل على المياه الدافئة الوصول إلى الكتلة الجليدية بنفس الكميات الحالية، وفقاً لمعلوماتنا”.

قام الباحثون بدراسة تكاليف وضع هذه البنى وآثارها بشكل استراتيجي في القنوات الهامة التي تتدفق منها معظم المياه الدافئة، مع نشر ستارة عريضة على مكان أبعد في الخليج. ويمكن أن تصل تكاليف هذه الطريقة إلى مرتبة 50 مليار دولار. إنه رقم ضخم ولا شك، ولكنه لا يمثل حتى نصف تكلفة المشروع المقترح لإقامة جدار بحري حول مدينة نيويورك.

لقد اقترح الباحثون عدة أفكار أخرى أيضاً، بما فيها وضع مواد عاكسة أو عازلة على بعض أجزاء الكتل الجليدية، وبناء أسيجة للحفاظ على الثلج بدلاً من أن يتطاير نحو المحيط، وتطبيق عدة تقنيات مختلفة لتجفيف قعر البحر تحت الكتل الجليدية، وذلك بإزالة الماء الذي يلعب دور المزلّق، ما يبطئ من حركة هذه الكتل الجليدية.

اقرأ أيضاً: نقطة اللاعودة: ذوبان الأنهار الجليدية في جرينلاند يدق ناقوس الخطر من جديد

أهي طرق نافعة؟

تعرضت هذه الأفكار لبعض الانتقادات من العلماء، فقد قدم سبعة باحثين رداً في مجلة “نيتشر” (Nature) على اقتراحات مور من العام 2018، وقالوا إن هذه الاقتراحات تمثل في أفضل الأحوال حلولاً جزئية، ويمكن في بعض الحالات أن تؤدي بشكل عَرَضي إلى تسريع فقدان الجليد، كما يمكن أن تؤدي إلى اجتذاب الموارد والانتباه بعيداً عن جذر المشكلة الحقيقي: انبعاثات غازات الدفيئة.

وتقول المؤلفة الرئيسية، تويلا مون، وهي عالمة في المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد في جامعة كولورادو بولدر، إن هذه الجهود أشبه بمحاولة سد ثقبين في خرطوم ماء مليء بالثقوب.

وهذا طبعاً في حال نجاحها، إن نجحت على الإطلاق. وتضيف إن هذا الحقل العلمي لم يتوصل إلى تحقيق فهم كافٍ لحركيات الجليد وغيرها من العوامل المؤثرة بشكل جيد يكفي للثقة بنجاح هذه الأفكار، كما أن التحديات اللوجستية تبدو لها هائلة بالنظر إلى صعوبة مجرد إيصال سفينة أبحاث واحدة إلى القطب الجنوبي.

وتقول: “تعني معالجة مصدر المشكلة إطفاء الصنبور المتصل بهذا الخرطوم، وهو ما يمكن أن نفهمه بسهولة، نحن نفهم التغير المناخي، ونفهم مصادره، ونفهم كيف يمكننا التخفيف من الانبعاثات”.

علاوة على هذا، فسوف تكون هناك أيضاً عوائق كبيرة تتعلق بالحوكمة، ومشاكل قانونية كبيرة، كما يقول تشارلز كوربيت وإدوارد بارسون، الأكاديميان القانونيان في كلية القانون في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، في مقالة ستُنشر قريباً في مجلة “إيكولوجي لو كوارترلي” (Ecology Law Quarterly).

وعلى وجه الخصوص، فإن القارة القطبية الجنوبية خاضعة لسيطرة مجموعة من الدول في إطار نظام معاهدة القطب الجنوبي، وأي عضو من أعضائها التسعة والعشرين يمكن أن يرفض هذه المقترحات بشكل حاسم. إضافة إلى هذا، فإن بروتوكول مدريد يحد من النشاطات المشابهة في القارة القطبية الجنوبية وحولها بصرامة، بما فيها المشاريع التي يمكن أن تؤدي إلى آثار فيزيائية أو بيئية كبيرة.

ويشدد كوربيت وبارسون على أن تجاوز هذه العوائق ليس بالأمر المستحيل، بل يمكن حتى لهذه المشكلة أن توحي ببعض التحديثات المطلوبة في طريقة حوكمة هذه المناطق في خضم تصاعد أخطار التغير المناخي. ولكنهما أيضاً يلحظان التالي: “إن كل هذا يثير التساؤلات حول قدرة بلاد أو تحالف ما على تنفيذ هذا المشروع بما يكفي من التصميم والعزيمة”.

اقرأ أيضاً: كيف نستفيد من توائم الأرض الرقمية في مواجهة التغير المناخي؟

البدء 

لحظ مور وغيره، في أعمال سابقة، أن ارتفاع مستوى سطح البحر خلال القرون القليلة المقبلة يمكن أن ينجم بنسبة كبيرة عن “مجموعة صغيرة من الجداول الجليدية والكتل الجليدية الضخمة”، ولهذا فإن أي إجراء ناجح يمكن أن يحدث أثراً كبيراً.

ولكن مور يعترف منذ الآن أن هذه الجهود ستواجه تحديات هائلة، فهناك الكثير مما يجب فعله للحصول على تقييم دقيق عن كثب حول كيفية تأثر تدفق المياه الدافئة، ومدى صمود الستائر مع مرور الوقت، والآثار الجانبية البيئية المتوقعة، واستجابة العامة لهذا المشروع. كما أن تركيب هذه الستائر في ظروف قاسية تحت المياه المضطربة وقارسة البرودة قرب القارة القطبية الجنوبية سيتطلب على الأرجح استخدام كاسحات جليدية فائقة القوة، وتجهيزات غاطسة من النوع المستخدم في منصات استخراج النفط والغاز من أعماق البحر.

وكخطوة تالية، يأمل مور في البدء بالحوار مع المجتمعات في غرينلاند للحصول على آرائها حول هذه المسألة مسبقاً، إضافة إلى أي اقتراحات بحثية. ولكن الفكرة الأساسية يجب أن تتمحور حول البدء بإجراء اختبارات ضيقة النطاق في مناطق يمكن العمل فيها بسهولة نسبية، مثل غرينلاند أو ألاسكا. ويأمل بأن الدروس والخبرة المستقاة من هذه التجارب ستسمح بالانتقال إلى المشاريع الأكثر صعوبة في مناطق أكثر قسوة.

وستمثل ثوايتس الدرجة العليا في “سلم الصعوبة” هذا. لقد كان الباحثون يعملون على افتراض الحاجة إلى ثلاثة عقود لبناء الدعم العام، وجمع التمويل اللازم، وتسوية مشاكل الحوكمة، وبناء المهارات الضرورية لتنفيذ مشاريع كهذه هناك.

ولكن هذا الجدول الزمني يعاني من مشكلة واضحة، حيث تشير أحدث الأبحاث إلى أن الدعامة الشرقية الأساسية قد لا تكون حتى موجودة بحلول نهاية هذا العقد.