لن تأتي اللحظة التي نكتشف فيها حياة خارج كوكب الأرض

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أبريل/نيسان الماضي، وسّعت وكالة “ناسا” نطاق البحث عن الحياة على كواكب أخرى مع إطلاق القمر الصناعي “تيس” (TESS)، لمسح الكواكب خارج المجموعة الشمسية بهدف اكتشاف الحياة خارج كوكب الأرض. وفي السياق نفسه، تغذي الثقافة الشعبية كما العلماء التوقعات بأن اكتشاف الحياة خارج كوكب الأرض سوف يكون حدثاً مفاجئاً، وذلك على سبيل المثال، من خلال رواية “حرب العوالم” وسلسلة “القادمون” ومشروع سيتي (البحث عن الذكاء خارج كوكب الأرض)، والعالم ستيفن هوكينغ، لكن التاريخ يقول لنا عكس ذلك. حتى مع إطلاق القمر “تيس”، لا ينبغي لنا توقع اكتشاف مدهش للحياة خارج الأرض في أي وقت قريب، أو بالأحرى، لا يجب توقع ذلك في أي وقت آخر على الإطلاق.

أدلة وجود الحياة خارج كوكب الأرض

هذا لا يعني أننا لن نعثر على أي دليل على وجود الحياة خارج الأرض، ولكن هنالك ممر طويل وشاق للسير عبره بين الدليل الإيحائي والحقيقة الراسخة. نحن نبحث ونجمع البيانات من أسلافنا لأكثر من 4 قرون، وحتى الآن لم نتوصل إلى أي شيء على الإطلاق. وبالعودة إلى العام 1610، وبعد أقل من شهر على نشر عالم الفلك غاليليو غاليلي، عمليات الرصد الأولى للقمر التي أجراها عبر التلسكوب، صرح عالم الفلك العظيم يوهانس كيبلر، أنهم قدموا دليلاً على وجود الحياة خارج الأرض. منذ ذلك الحين، وبعد أن مكنتنا الأدوات والأساليب المتطورة من النظر بوضوح أكبر نحو الفضاء، سعى العلماء “وعثروا” على أدلة على وجود آثار للحياة هناك. وفي العام 1638، استند جون ويلكنز، مؤسس “الجمعية الملكية” (Royal Society)، على أدق البيانات العلمية المتاحة لتأكيد احتمالية وجود الحياة على سطح القمر. وحتى أواخر القرن التاسع عشر، تأكد معظم الفلكيين، وذلك بناء على البيانات المطوّرة والتي تم رصدها عبر التلسكوبات، من أن كيبلر وَويلكنز كانا مخطئين.

في الوقت ذاته، بدأت عمليات رصد جديدة للمريخ تشير إلى أن الكوكب الأحمر تظهر عليه آثار على وجود شبكة من القنوات المائية. وفي العام 1894، قال بيرسيفال لويل، عالم الفلك الأميركي: إنه لا بد أن يكون الكوكب قد بُني بواسطة كائنات فضاء ذكية”. وبحلول العام 1909، تحول معظم أعضاء المجتمع العلمي إلى تبني تفسيرات بديلة، وكانوا متأكدين، بحلول العام 1975، من أن القنوات التي تحدث عنها لويل ليست سوى خداع بصري.

معظم لحظات الاكتشاف هذه تبدو مثل “الاكتشافات” المتفرقة التي تظهر خلال الإدراك المتأخر والمبسّط للتاريخ. ومع ذلك، استمرت البيانات والتفسيرات الجديدة في الظهور، ففي العام 1924، أشارت أساليب جديدة لقياس درجات الحرارة خارج كوكب الأرض، والعناصر المكونة للغلاف الجوي إلى تشكل درجات حرارة أعلى من درجة التجمد، ووجود بخار ماء في الغلاف الجوي لكوكب المريخ، الأمر الذي دفع ويليام كوبلنتز، عالم الفيزياء الأميركي إلى الإشارة بأن المريخ كان موطناً للحياة النباتية. ثم كشفت عمليات رصد لاحقة أن بخار الماء المكتشف ينتمي إلى الغلاف الجوي للأرض. وبحلول عام 1976، نُفيت فرضية وجود حياة للنبات على سطح المريخ من خلال صور التقطت لسطح الكوكب القاحل من قبل طاقم مهمة “فايكينغ” (Viking).

ومع ذلك، قدمت “فايكينغ” مجموعة جديدة من البيانات، يمكن اعتبار بعضها مؤشراً على وجود حياة ميكروبية على سطح المريخ، وشيئاً فشيئاً أخذ الإجماع العلمي موقفاً ضد هذا التفسير. ولكن بعد 20 عاماً، أظهر تحليل مجهري وكيميائي للنيازك المريخية احتمال وجود عناصر عضوية وجزيئات حية. ولا تزال هذه الفرضية قائمة حتى اليوم، ويواصل العلماء البحث عن أدلة أخرى تثبت احتمال وجود حياة هناك.

هكذا يعمل العلم، وحتى الاكتشافات الثورية، مثل اكتشاف كوبرنيكوس بأن الأرض تدور حول الشمس، أو اكتشاف داروين بأن الحياة تتطور من خلال الانتقاء الطبيعي، لم تكن اكتشافات لحظية، بل كانت مساهمات رئيسية ناتجة عن عمليات الرصد والحجج التوضيحية المرتبطة والتي امتدت عبر قرون. تقودنا هذه العمليات خطوة وراء خطوة نحو الإجابات، التي تبدو فقط مثل “الاكتشافات” المتفرقة خلال الإدراك المتأخر والمبسّط للتاريخ.

البحث عن الحياة الفضائية: جدل مستمر منذ العصر اليوناني

في الواقع، تم الحسم بالخطوة الأولى في البحث عن الحياة الفضائية مؤخراً، بعد جدال امتد لزمن طويل، وأصبحنا على يقين من وجود كواكب خارج مجموعتنا الشمسية، وذلك منذ أقل من 30 عاماً، في حين بدأ هذا الجدال منذ العصر اليوناني القديم، إذ كان ديموقريطوس وزملاؤه هم أول من أشاروا إلى “العوالم المتعددة” (Kosmoi) (النظيرة لنظامنا الشمسي) في القرن الخامس قبل الميلاد. وحاول العالم الإنجليزي وليام ديرهام، في العام 1715 إثبات ذلك أولاً، ثم أكد كل من ألكسندر فولفسكان وديل فرايل في النهاية وجود تلك الأنظمة الشمسية في العام 1992. إنه زمن يزيد على 20 قرناً امتد منذ طرح الفرضية إلى الاختبار الأول، وما يقرب من 3 قرون من الاختبار الأول إلى الإثبات. وعلى الرغم من أننا أثبتنا أخيراً وجود كواكب خارج المجموعة الشمسية، وعلى الرغم من أن لدينا أساليب رصد وتحليل لم تكن لدى أسلافنا، فيجب علينا تذكر أن هذا ينطبق أيضاً عليهم. إذ كان من شأن أدوات جاليليو أن تدهش ديموقريطوس، وأدوات لويل أن تدهش جاليليو، والأمر ذاته ينطبق مع كوبلنتز وفولفسكان والعلماء الذين عملوا على بناء القمر الاصطناعي “تيس”، لمسح الكواكب خارج المجموعة الشمسية.

وعلى الرغم من التباينات الكبيرة من حيث الحقبة والتطور التكنولوجي، فإن “تيس” وأول تلسكوب لجاليليو، يعطيانا العديد من الأشياء المتشابهة: وهي مجموعة غير منظمّة من البيانات الجديدة المستمدة من المرحلة المتقدمة من التطور في أساليب الرصد والتحليل العلمي. ولكن العمل على هذه المرحلة المتقدمة يعني أن الأخطاء سهلة الحدوث ومن الصعب اكتشافها أيضاً. إن عملية تمييز الإشارة عن الضجيج – أو بالأحرى، اكتشاف ما يشكل الإشارة في المقام الأول – هي عملية طويلة وشاقة. لا نعلم ما إذا كانت بيانات “تيس” ستحتوي على أدلة على وجود حياة خارج كوكب الأرض، ولكننا نعلم أنها سوف تستغرق وقتاً طويلاً لاكتشاف ذلك. وسوف ينطبق هذا على كل أداة رصد جديدة نطلقها فيما بعد. لقد كنا نكتشف الحياة خارج كوكب الأرض لفترة زمنية امتدت إلى 400 عام، ويمكننا بسهولة الاستمرار في ذلك لأكثر من 400 عام.

من المحتمل أن يكون الاكتشاف الفعلي، إن حدث فعلاً، مشابهاً إلى حد كبير لما حدث في بداياتنا الخاطئة السابقة. الفرق هو أن توافق الرأي سوف يُبنى تدريجياً باتجاه التأكيد عوضاً عن الرفض. ومن خلال ثقل الأدلة وإنهاك الأجيال البسيطة، فإن معظم العلماء والمراقبين سوف يوحدون الرأي، بعد تقدّم بطيء ومؤلم، حول أن الظواهر التي رُصدت تشير حتماً إلى وجود حياة خارج كوكب الأرض، وسوف يوثّق ذلك وسوف تُصنع الحقيقة. هكذا حدثت نظرة كوبرنيكوس الثورية للكون، والتعددية الكونية، والانتقاء الطبيعي، والكواكب الموجودة خارج المجموعة الشمسية، وربما كل حقيقة علمية أخرى لدينا، وتم ذلك خلال زمن طويل جداً وعبر تاريخ عميق.

وفي النهاية، سوف يتعلم الأطفال كيف رأى بعض العلماء البارعين شيئاً من خلال أدوات رصدهم وعلِموا أنه لا بد من وجود حياة خارج كوكب الأرض، تماماً كما أصبح إسحاق نيوتن، أول شخص يلاحظ الجاذبية الأرضية بعد سقوط تفاحة على رأسه. لكننا نحن الذين نعيش عبر هذه الأحداث، ليس علينا جمع أعمال أجيال كاملة في جملة من الخرافات، نحن نعيش عبر مسيرة ممتدة، وتراكمية، ومطعون بها. وفي الوقت الذي نتأكد فيه مما توصلنا إليه، تكون المرحلة المتقدمة من التطور قد انتقلت نحو اكتشاف الحياة خارج كوكب الأرض.