كيف يبدو الوضع عندما لا تملك دولتك ما يكفي من لقاحات “كوفيد-19″؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“نحن متأخرون دائماً عن شعوب الدول الأخرى”.

في شهر مارس/آذار، قفزت فرحاً عندما أتيح لي مكان كي أتطوع يوماً واحداً للعمل في أحد مراكز التطعيم ضد “كوفيد-19” ضمن مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأميركية، فقد كان ذلك يعني أن أقضي 9 ساعات في مرافقة المرضى الذين تلقوا جرعة اللقاح إلى غرف الانتظار، من أجل الحصول على لقاح كوفيد-19 “موديرنا” في نهاية اليوم. كان ذلك قبل أن يتاح اللقاح لكل من تجاوز عمره 16 عاماً في ولاية أريزونا التي أقطن فيها مؤقتاً بعيداً عن بلدي الأم رومانيا، حيث تلقى 19% فقط من سكان الولاية جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. شعرت بأنني محظوظة، فأنا أبلغ من العمر 30 عاماً، ولست مواطنة أميركية، وحصلت على هذه الفرصة قبل العديد ممن يحتاجون إلى اللقاح أكثر مني في العالم، ولم يصل دورهم بعد.

التفاوت في نسب التطعيم في العالم كبير. فقد بلغت نسبة السكان الذين تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح في الولايات المتحدة 46% وفي المملكة المتحدة 53%، في المقابل، بلغت في غواتيمالا 1.4% وفي كينيا 1.6% فقط. وفي حين لا تملك بعض الدول ما يكفي من الجرعات، ستقدم ولايات، مثل أوهايو مليون دولار لخمسة مقيمين ممن تلقوا اللقاح بهدف تشجيع من يترددون في تلقيه.

الحصول على لقاح “كوفيد-19”

رغبت في معرفة شعور من يعيشون في دول تسير عملية التطعيم فيها ببطء عندما يرون الحياة تعود إلى طبيعتها في الدول التي ترفع قيود الإغلاق العام، مثل الولايات المتحدة. تحدثت عبر الهاتف إلى أشخاص في إيران والبرازيل والبوسنة والهرسك وجورجيا والسويد عن الإنصاف والحظ والإدارة الحكومية الرديئة للجائحة.

خذ، على سبيل المثال، نيلوفار، امرأة إيرانية تبلغ من العمر 29 عاماً وتعمل في تدريس اللغة الألمانية، وهي تعتقد أنها قد تحصل على جرعة اللقاح الأولى في شهر أكتوبر/تشرين الأول. لكنها قلقة أكثر على والديها، فهما تجاوزا 60 عاماً ومصابان بارتفاع ضغط الدم وداء السكري، وتريد أن يأخذا اللقاح في أقرب وقت ممكن. تقول: “قد لا أكترث إذا تلقيت التطعيم أم لا، فلم يعد الأمر مهماً بالنسبة لي، الأهم هو أن يحصل والداي عليه الآن. أنا قلقة عليهما”. وزعت إيران حتى الآن أكثر من 1.7 مليون جرعة من لقاح “كوفيد-19″، وتلقت نسبة 1.8% من السكان جرعة واحدة على الأقل. وإذا وزعت نحو 64,147 جرعة من اللقاح يومياً، فستحتاج إلى 9 أشهر أخرى لتصل نسبة السكان الذين تلقوا اللقاح إلى 10%، وفقاً لبيانات قدمتها وكالة “رويترز”. علماً أن إصابات “كوفيد-19” في إيران تشهد تراجعاً الآن، إذ تسجل 16 ألف حالة جديدة وسطياً يومياً.

تقول نيلوفار: “بسبب العقوبات المفروضة على إيران وبسبب إدارة (حكومتنا) السيئة في مواجهة الجائحة، فنحن لسنا بنفس مستوى الشعوب الأخرى. لا أحب هذا الشعور، فنحن دائماً متأخرون عن شعوب الدول الأخرى”.

تعيش العالمة الرومانية لورا تشيريكا في السويد، حيث تلقت نسبة 8.7% من السكان جرعتي اللقاح. حدثتني عن اتصال تلقته يوم ميلادها في شهر ديسمبر/كانون الأول من صديق مقرب لها يعيش في سان دييغو: وقد دار بينهما ما يلي: “قال: ’كيف حالك؟ عيد ميلاد سعيد! سوف أتلقى اللقاح‘. فقلت له: ’لماذا؟ هل أنت من المعرضين للخطر؟‘ فقال: ’لا، لا أعاني من أي مشكلة‘”. وفي نفس الأسبوع توفيت جدة ابنه في السويد على إثر إصابتها “بكوفيد-19”. قالت لي لورا: “لو أنها تلقت اللقاح أيضا،ً لربما بقيت على قيد الحياة. هذا محزن، وهو دليل على مدى انعدام التوازن في العالم”.

أما عن الناس في الولايات المتحدة وغيرها ممن يمكنهم الحصول على اللقاح ولكنهم مترددون، فتقول: “على أي حال أنا أفهمهم. بغض النظر عما تقوله، فقد ثبتت فعالية اللقاح بطرق استثنائية لا تتبع الإجراءات المعتادة… وهذا يعني أن ما نفعله اليوم ما هو إلا تجربة سريرية تشمل الكوكب بأكمله”. لكن تعاطفها هذا لا يعني أنها تتفق معهم، فهي تقول إنها ستتلقى اللقاح في غضون الأسبوعين المقبلين عندما تتاح الجرعات لفئتها العمرية، وأضافت: “سأتمكن من الذهاب حيث أشاء والالتقاء بزملائي وزيارة قبر والدي”.

في جورجيا، وهي دولة تقع عند نقطة التقاء قارتي أوروبا وآسيا وتضم 3.8 ملايين نسمة، بدأت حملة التطعيم بلقاح “أسترازينيكا”. تقول تسيرا جفاساليا، وهي صحفية من جورجيا متخصصة في القضايا الطبية: “لكن حدث أمر مؤسف جداً”، فبعد بضعة أيام من بدء حملة التطعيم، توفيت ممرضة تبلغ من العمر 27 عاماً بصدمة حساسية بعد تلقي جرعة من لقاح “أسترازينيكا”. ونتيجة لذلك: “أصيب الناس بالذعر… وتراجعت معدلات التلقيح بدرجة كبيرة”، وفقاً لتسيرا. حدّت جورجيا من استخدام لقاح “أسترازينيكا” بعد وفاة الممرضة واستمرت بتقديمه في المراكز الطبية المؤهلة بالكامل فقط. في أواخر شهر مارس/آذار، وصل لقاح “فايزر” إلى جورجيا أيضاً، لكن بقي كثير من الناس والعاملين في الرعاية الصحية مترددين في تلقيه. وبعد ذلك بدأ الناس باستعادة ثقتهم باللقاح، وساعد في ذلك طرح اللقاح الصيني “سينوفارم” للاستخدام في جورجيا في الرابع من مايو/أيار، وهو اللقاح الذي ستتلقاه تسيرا الأسبوع المقبل. حتى الآن، تلقى 1.8% فقط من سكان جورجيا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. وفقاً لمسؤولي الصحة في جورجيا، ستبدأ حملات التطعيم الجماعية في شهر يوليو/تموز.

تعتقد تسيرا أنه نظراً لاستثمار الولايات المتحدة الكبير في تطوير اللقاح، فمن الطبيعي أن يُعطى لعدد كبير من الأميركيين، ولا يمكن اعتبار ذلك إجحافاً بحق سكان الدول الأخرى. وأضافت أنه في نفس الوقت “ثمة من يقول إنه لن يكون أحد في مأمن من المرض إلا عندما يصبح الجميع بمأمن منه” مشيرة إلى خطورة الفيروسات المتحورة التي يحتمل ألا تكون اللقاحات الحالية فعالة في التصدي لها.

أما فيرناندو ليرا، رجل من ساو باولو يبلغ من العمر 27 عاماً، فهو يواجه خطورة كبيرة للإصابة بـ “كوفيد-19” لأنه خضع لعميلة زرع الكلية، وهو غاضب من حكومة بلاده والتفاوت الكبير بين الدول. يقول: “أعتقد أنه من غير المنطقي أن تقدم الولايات المتحدة اللقاح مجاناً للسائحين، أنا مواطن برازيلي وأعيش في البرازيل وأنتظر اللقاح منذ عدة أشهر، في حين أنه بإمكان أي شخص في الولايات المتحدة الحصول على اللقاح حتى إن لم يكن مواطناً أميركياً. ما هو دور رئيس دولتنا؟ ما هي همومه؟”

أطلق رئيس البرازيل اليميني المتطرف، جايير بولسونارو، الذي قال عن فيروس كورونا منذ البداية إنه “مجرد إنفلونزا بسيطة”، حملة للتطعيم الجماعي في شهر ديسمبر/كانون الأول، لكن تصريحه آنذاك لم يشجع البرازيليين على تلقي اللقاح؛ فقد قال: “عقد فايزر صريح للغاية، فهو ينص على أن الشركة ليست مسؤولة عن أي آثار جانبية، وإذا تحولت إلى تمساح فهي مشكلتك”. والآن، تلقت نسبة 16% من سكان البلاد الذين يصل عددهم إلى 211 مليون نسمة جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، لكن الوضع لا يبدو جيداً. فحالات الإصابة بـ “كوفيد-19” في البرازيل تتزايد مع تسجيل ما يقرب من 60,000 إصابة جديدة يومياً.

أخبرتني ياسمينا ماميليدزيجا من البوسنة والهرسك، وهي دولة في البلقان تضم 3.2 ملايين نسمة، أن كثيراً من البوسنيين يسافرون إلى صربيا بسبب نقص عدد جرعات اللقاح في بلادهم، وصربيا تدعو البوسنيين للقدوم إليها والحصول على الجرعات الزائدة عندها قبل أن تنتهي صلاحيتها. هذا مفاجئ نوعاً ما نظراً للتوتر القائم منذ زمن طويل بين البوسنة والهرسك وصربيا الذي تحول إلى عنف في كثير من الأحيان، إلى جانب أن الرئيس الصربي أليكسندر فوتشيتش حطّ من شأن مجزرة “سريبرينيتسا” التي ارتكبتها صربيا بحق البوسنيين. ترى ياسمينا أن فتح الرئيس الصربي حدود بلاده أمام الدول المجاورة ومنها البوسنة والهرسك خطوة إيجابية لصالح العلاقات العامة معه ومع صربيا، تقول: “ذهب أصدقائي إلى هناك (لتلقي اللقاح) وكتبوا ’شكراً صربيا‘ على وسائل التواصل الاجتماعي… لكن لو لم يقم المسؤولون الصربيون بهذه الخطوة لأجبروا على إتلاف اللقاحات بعد انتهاء صلاحيتها. إن التشارك بهذه الطريقة هو أمر لطيف، لكنهم لم يحرموا شعبهم من اللقاح من أجل تقديمه لشعوب دول أخرى”.

بعد الاستماع إلى جميع هؤلاء الأشخاص، ازداد شعوري بالامتنان لوجودي في الولايات المتحدة حالياً والحصول على لقاح كوفيد-19 “موديرنا”.