كيف تعمل خوارزمية ستانفورد الخاصة باللقاحات؟ ولماذا أغفلت الأطباء الميدانيين؟

6 دقائق
خوارزمية ستانفورد
مصدر الصورة: إيشوان كاو/ سيبا الولايات المتحدة الأميركية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شعر الأطباء المقيمون في مركز ستانفورد الطبي -وكثير منهم يعملون على الخطوط الأمامية في مواجهة وباء كوفيد-19- بالصدمة عندما اكتشفوا أن سبعة فقط من بين أكثر من 1,300 منهم قد تم منحهم أولوية الحصول على اللقاح من أول 5,000 جرعة من لقاح كوفيد. ثم تحول شعورهم إلى الغضب بعدما عرفوا هوية الأشخاص الآخرين في قائمة الحصول على اللقاح، التي ضمت مسؤولين صحيين وأطباء يرعون المرضى عن بُعد من منازلهم.

خلال جلسة تصوير مقررة للاحتفاء بأول عمليات التطعيم يوم الجمعة 18 ديسمبر، تجمع أكثر من 100 طبيب مقيم للاحتجاج على ما حدث. وقد اعتذرت إدارة المستشفى عن عدم منحهم أولوية الحصول على اللقاحات، وألقت باللوم في هذه الأخطاء على “خوارزمية معقدة للغاية”.

وأثناء تلك الجلسة، قال تيم موريسون، مدير فريق الرعاية الإسعافية، للأطباء المقيمين في مقطع فيديو نُشر على الإنترنت: “يبدو أن خوارزميتنا التي عمل علماء الأخلاق وخبراء الأمراض المعدية لأسابيع على تطويرها… لم تعمل بشكل صحيح”.

خوارزمية ستانفورد
تقدمة الصورة: وليام فيتزجيرالد

اعتبر الكثيرون أن هذا الكلام مجرد ذريعة، لا سيما أنه قد تم إخطار إدارة المستشفى بالمشكلة يوم الثلاثاء، عندما تبين أن القائمة لم تشمل إلا خمسة أطباء مقيمين. كما أن استجابة الإدارة اقتصرت على إضافة طبيبيَن مقيمَين إلى القائمة ليصبح المجموع سبعة، عوضاً عن إصلاح الخوارزمية.

في تغريدة على تويتر، كتب روجر ماكنامي، وهو من الشخصيات البارزة المطلعة على خفايا الأمور في وادي السيليكون والذي تحول إلى ناقد: “يتمثل أحد عوامل الجذب الأساسية للخوارزميات في أنها تتيح لأصحاب النفوذ تجنب تحمل المسؤولية وإلقاء اللوم عوضاً عن ذلك على صندوق أسود عند الحصول على نتائج غير جذابة من الناحية السياسية”. غير أن فينا دوبال، أستاذة القانون في جامعة كاليفورنيا، هاستينجز، التي تركز أبحاثها على التكنولوجيا والمجتمع، رأت في تغريدة أن “*الناس* هم مَن قرر مَن سيحصل على اللقاح، واقتصر دور الخوارزمية على تنفيذ إرادتهم”. ولكن ما كانت بالضبط “إرادة” ستانفورد؟ ألقينا نظرة على الخوارزمية لمعرفة الغاية المفترضة من عملها.

كيف تعمل خوارزمية ستانفورد الخاصة بتحديد أولوية الحصول على اللقاحات؟

الخلل في خوارزمية توزيع اللقاحات

تصف  الشريحة خوارزمية ستانفورد، وقد حصلنا عليها من الأطباء المقيمين الذين استلموها من رئيس القسم. وهي ليست خوارزمية تعلم آلي معقدة (من النوع الذي يشار إليه غالباً باسم “الصناديق السوداء”)، وإنما هي عبارة عن صيغة رياضية قائمة على قواعد من أجل إجراء الحسابات وتحديد من سيحصل على اللقاح أولاً في ستانفورد.

تأخذ الخوارزمية في حساباتها ثلاث فئات: “المتغيرات القائمة على الموظف”، ذات الصلة بالعمر، و”المتغيرات القائمة على الوظيفة”، وإرشادات إدارة الصحة العامة بولاية كاليفورنيا. ويحصل الموظف على نقاط معينة في كل من هذه الفئات، وتبلغ أعلى نتيجة إجمالية ممكنة 3.48. ومن المفترض أنه كلما كانت النتيجة أعلى، ارتفعت أولوية الشخص في قائمة من سيحصلون على اللقاح. (لم يستجب مركز ستانفورد الطبي لطلبات متعددة للتعليق على الخوارزمية خلال عطلة نهاية الأسبوع).

تزيد متغيرات الموظف من نتيجة الشخص بصورة خطية [تناسب طردي] مع عمره، وتضاف نقاط إضافية لمن هم فوق 65 عاماً أو أقل من 25 عاماً. وهذا يمنح الأولوية للموظفين الأكبر سناً والأصغر سناً، مما يضر بالأطباء المقيمين وغيرهم من العاملين في الخطوط الأمامية الذين يكونون عموماً في منتصف النطاق العمري.

تؤثر متغيرات الوظيفة أكثر من غيرها في النتيجة الإجمالية. تحسب الخوارزمية مدى انتشار كوفيد-19 بين الأدوار الوظيفية للعاملين والأقسام التي يعملون فيها بطريقتين مختلفتين، لكن الفرق بينهما ليس واضحاً تماماً. ولم يتمكن الأطباء المقيمون ولا الخبيران الخارجيان -اللذان طلبنا منهما مراجعة الخوارزمية- من فهم ما تعنيه هذه المعايير، ولم يستجب مركز ستانفورد الطبي لطلب التعليق. كما أن هذه المعايير تأخذ في حسبانها نسبة الاختبارات التي يتم إجراؤها حسب الدور الوظيفي كنسبة مئوية من إجمالي عدد الاختبارات التي تم إجراؤها في المركز الطبي.

يقول الأطباء المقيمون إن ما لا تأخذه هذه العوامل في الاعتبار هو الاحتكاك مع مرضى كوفيد-19. هذا يعني أن الخوارزمية لم تميز بين أولئك الذين التقطوا عدوى كوفيد من المرضى وأولئك الذين أصيبوا بالعدوى جراء الانتشار المجتمعي للفيروس، بما في ذلك الموظفين الذين يعملون عن بُعد. وكما أورد موقع بروبابليكا (ProPublica) لأول مرة، تم إخبار الأطباء المقيمين أنه نظراً لتناوبهم بين الأقسام بدلاً من التزامهم بأداء مهمة واحدة، فقد خسروا النقاط المرتبطة بالأقسام التي يعملون فيها.

تشير الفئة الثالثة من الخوارزمية إلى إرشادات تخصيص اللقاح الخاصة بإدارة الصحة العامة في كاليفورنيا. تركز هذه الإرشادات على مخاطر التعرض للوباء باعتباره العامل الوحيد الأعلى لتحديد أولويات الحصول على اللقاح. وهي موجهة بشكل أساسي إلى حكومات المقاطعات والحكومات المحلية لتقرير كيفية تحديد أولويات الحصول على اللقاح، بدلاً من كيفية تحديد الأولويات بين أقسام المستشفى. لكنها تشمل على وجه التحديد الأطباء المقيمين، إلى جانب الأقسام التي يعملون فيها، ضمن الثلث ذو الأولوية العليا.

ورغم أن عامل “نطاق إدارة الصحة العامة في كاليفورنيا” قد يمنح الأطباء المقيمين نتيجة أعلى، لكنه ليس مرتفعاً بما يكفي للتفوق على تأثير المعايير الأخرى.

“لماذا صمَّموا الخوارزمية بهذه الطريقة؟” 

حاولت ستانفورد أن تأخذ في الحسبان متغيرات أكثر بكثير من المنشآت الطبية الأخرى، لكن جيفري كان، مدير معهد جونز هوبكنز بيركمان لأخلاقيات علم الأحياء، يقول إن الطريقة كانت شديدة التعقيد. ويوضّح: “كلما كانت هناك أوزان مختلفة لأشياء مختلفة، تزداد صعوبة فهم الخوارزمية”، وتساءل: “لماذا صمَّموا الخوارزمية بهذه الطريقة؟”.

يقول كان -الذي كان عضواً في لجنة جونز هوبكنز المؤلفة من 20 شخصاً لدراسة كيفية تخصيص اللقاحات- إن جامعته خصصت اللقاحات ببساطة بناءً على الوظيفة وخطر التعرض لوباء كوفيد-19.

ويضيف أن القرار استند إلى المناقشات التي تضمنت عن قصد وجهات نظر مختلفة -بما في ذلك آراء الأطباء المقيمين- وبالتنسيق مع المستشفيات الأخرى في ولاية ماريلاند. في مكان آخر، تعتمد خطة جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو على تقييم مماثل لخطر التعرض للفيروس. أما شبكة مستشفيات ماس جينيرال بريجهام (Mass General Brigham) في بوسطن، فتصنف الموظفين إلى أربع مجموعات بناءً على القسم وموقع الوظيفة، وفقاً لرسالة بريد إلكتروني داخلية اطلعت عليها إم آي تي تكنولوجي ريفيو.

“هناك مستوى متدنٍّ جداً من الثقة في الكثير من الأمور المتعلقة بهذا الوباء، ولا نستطيع تحمل تبعات تبديده”.

يقول كان: “من المهم حقاً [بالنسبة] لأي طريقة كهذه أن تتمتع بالشفافية وأن تكون متاحة للعموم… ولا أعتقد أنه من الصعب تحقيق ذلك. هناك مستوى متدنٍّ جداً من الثقة في الكثير من الأمور المتعلقة بهذا الوباء، ولا نستطيع تحمل تبعات تبديده”.  من الشائع استخدام الخوارزميات في الرعاية الصحية لترتيب المرضى تبعاً لمستوى الخطر في محاولة لتوزيع الرعاية والموارد بشكل أكثر إنصافاً. ولكن كلما زاد عدد المتغيرات المستخدمة، كان من الصعب تقييم ما إذا كان هناك خلل في حسابات الخوارزمية.

على سبيل المثال، أظهرت دراسة نُشرت في مجلة ساينس في عام 2019 أن 10 خوارزميات مستخدمة على نطاق واسع لتوزيع الرعاية في الولايات المتحدة انتهى بها المطاف إلى تفضيل المرضى من ذوي البشرة البيضاء على المرضى من ذوي البشرة السمراء. وتبين حينئذ أن المشكلة تكمن في افتراض مصممي الخوارزميات أن المرضى الذين ينفقون أكثر على الرعاية الصحية كانوا أكثر مرضاً ويحتاجون إلى مزيد من المساعدة. لكن على أرض الواقع، فإن الذين ينفقون مبالغ أكبر على الرعاية الصحية هم أكثر ثراءً أيضاً، ومن المرجح أن يكونوا من ذوي البشرة البيضاء.

ونتيجة لذلك، خصصت الخوارزمية رعاية أقل للمرضى من ذوي البشرة السمراء الذين يعانون من نفس الحالات الطبية التي يعاني منها أقرانهم من ذوي البشرة البيضاء. تشتبه آيرين تشين، طالبة الدكتوراه في إم آي تي التي تدرس استخدام الخوارزميات العادلة في الرعاية الصحية، في أن هذا ما حدث في ستانفورد: قام مصممو الصيغة الرياضية باختيار المتغيرات التي اعتقدوا أنها ستعبر بشكل جيد عن مستوى خطر تعرض الموظف للإصابة بالفيروس. لكنهم لم يتحققوا من إمكانية أن تفضي هذه المتغيرات التمثيلية إلى نتائج حساسة، أو لم يستجيبوا بطريقة فعالة لمدخلات شريحة الأطباء المقيمين عندما صدرت خطة اللقاح يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي. وتوضح تشين: “لا يكمن خلل الخوارزمية في أن الناس اعترضوا على مخرجاتها بعد استخدامها، بل تعود المشكلة إلى أنه لم تكن هناك آلية لإصلاحها”.

تحذير مبكر من خطر أعظم؟

بعد الاحتجاجات، أصدرت ستانفورد اعتذاراً رسمياً قائلة إنها ستراجع خطتها الخاصة بتوزيع اللقاحات.

لم يرد ممثلو المستشفى على أسئلة حول الأشخاص الذين ستشملهم عمليات التخطيط الجديدة، أو ما إذا كانوا سيواصلون استخدام الخوارزمية أم لا. وتنص رسالة بريد إلكتروني داخلية تلخص استجابة كلية الطب، تمت مشاركتها مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، على أنه لم يشارك أي من رؤساء البرامج أو رؤساء الأقسام أو الأطباء المعالجين أو طاقم التمريض في التصميم الأصلي للخوارزمية. ومع ذلك، يحاول بعض أعضاء هيئة التدريس الآن اكتساب دور أكبر ينطوي على الاستبعاد التام لنتائج الخوارزمية والقيام عوضاً عن ذلك بمنح رؤساء الأقسام والمسؤولين السلطة لاتخاذ القرارات المتعلقة بفرقهم.

في حين شجع رؤساء الأقسام الآخرون فكرةَ حصول الأطباء المقيمين أولاً على اللقاح. حتى أن البعض طلب من أعضاء هيئة التدريس إحضار الأطباء المقيمين معهم عند تطعيمهم، أو تأخير تلقيهم للقاح حتى يتسنى للآخرين الحصول عليه أولاً.

في المقابل، يتجاهل بعض الأطباء المقيمين نظام الرعاية الصحية في الجامعة تماماً. وقد غرّد نورييل موجافيم ، طبيب أعصاب مقيم وأول من نشر المشاكل في ستانفورد على الملأ، بعد ظهر يوم الجمعة أنه تلقى لقاحه أخيراً، ليس في ستانفورد، وإنما في إحدى المستشفيات العامة التابعة لمقاطعة سانتا كلارا.

وكتب على تويتر: “لقد تلقيت اللقاح اليوم لحماية نفسي وعائلتي ومرضاي. لكن لم تتح لي الفرصة إلا بفضل رؤية مستشفى المقاطعة العام الذي أعمل فيه التي تعد أن الأطباء المقيمين هم أحد مقدمي الرعاية على الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء، وأنا ممتن لهم”.