فرنسا تتخذ منحى جدياً بشأن “القيادة العسكرية للفضاء”

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية الأسبوع الماضي عن مخطط بلادها لتجهيز أقمارها الاصطناعية بنظام دفاعي نشط ورادع، ما يعني أن فرنسا تعزز وجودها في الفضاء. وسوف يشمل ذلك المخطط تطوير فرنسا لقدراتها في مجال الليزر، حيث تأمل في نشر أقمار اصطناعية مزودة بكاميرات وأجهزة ليزر وربما أسلحة بحلول عام 2030.

تأتي هذه التفاصيل بعد أن أزاح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الستار عن المخطط الأولي لتحسين “القيادة العسكرية للفضاء”، وذلك خلال الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي (يوم الباستيل) في البلاد في منتصف شهر يوليو/تموز. وتتجه هذه الخطوة نحو رفع كفاءة “القيادة المشتركة للفضاء”، الخطة التي حافظت عليها فرنسا منذ عام 2010. سوف تعزز تلك الأقمار الاصطناعية قدرات فرنسا الهجومية والدفاعية في النهاية، بحيث تتمكن القيادة من تحديد الأقمار الاصطناعية للخصم الذي يرتكب أفعالاً عدائية خارج الأرض ومن ثم هزيمته. ينطوي أحد مكونات الخطة على بناء أسلحة ليزر أرضية بغية “التعتيم” على الأقمار الاصطناعية للخصم من الأرض، وينطوي الآخر على تثبيت أسلحة ليزر على الأقمار الاصطناعية العسكرية لضرب الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية في الفضاء. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة “تاسك آند بربوس” (Task and Purpose) للإعلام الرقمي، كان هناك حديث أثناء إعلان الوزيرة حول بناء “أسلحة رشاشة تخترق الألواح الشمسية” الموجودة على الأقمار الاصطناعية للخصم.

ستكون تكلفة هذه الخطة كبيرة، فمن المقرر أن تخصص فرنسا حوالي 774 مليون دولار من ميزانيتها العسكرية لتطبيق خطتها الدفاعية الخاصة بالفضاء الخارجي، ويتوقع المسؤولون أن تصل تكلفة الخطة بأكملها إلى حوالي 4.8 مليار دولار بحلول عام 2025، ذلك وفقاً لوزيرة الدفاع فلورنس بارلي. سيكون مقر تنفيذ تلك الخطة خارج أرض المطار الجديد في مدينة تولوز، وسيعملون على تعيين 220 جندياً من وكالات الفضاء العسكرية الفرنسية.

كما ستحرص خطة القيادة العسكرية الفضائية على احترام توجيهات معاهدة الفضاء الخارجي التي تحظر استخدام الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل في الفضاء. وقد ذكر لي برايان ويدن، وهو خبير في مجال سياسة الفضاء في مؤسسة “سيكيور وورلد” (Secure World) عبر رسالة إلكترونية أن التقرير بشأن بناء أسلحة رشاشة على الأقمار الاصطناعية هو أمر قد حدث التباس حوله ويبدو أنه أسيء فهمه.

تأتي المبادرة الفرنسية وسط التأكيد المتزايد على الدور الذي تلعبه الأقمار الاصطناعية والأسلحة الفضائية في العمليات العسكرية للدول. يقول ويدن إن الحكومات توظف الأقمار الاصطناعية على نحو متزايد بغية جمع المعلومات الاستخباراتية، وينتابها القلق من استهداف الخصوم لها على هذا الصعيد. ويضيف إن هناك الكثير من الدول تعزز معداتها وقدراتها لمهاجمة الأقمار الاصطناعية الأخرى، لكن لم تتفاخر معظم تلك الدول بهذه المقاصد مثل ماكرون.

طورت كل من الصين وروسيا على سبيل المثال أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية (ASAT)، واختبرت الهند في شهر مارس/آذار صاروخاً قادراً على تدمير الأقمار الاصطناعية، كما قامت الولايات المتحدة أيضاً بأداء بعض العروض، ووقع الرئيس دونالد ترامب في شهر فبراير/شباط سياسة توجيهية لإنشاء قوة فضائية تشرف عليها القوات الجوية الأميركية.

يعد التوجه العالمي نحو التسلح بالأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية أمراً مثيراً للقلق بالنسبة إلى الكثير من الخبراء، فقد أخبرتني لورا سيوارد فوركزيك، وهي خبيرة في مجال الفضاء ومؤسِسة “تحالف الفضاء في جورجيا”، عبر البريد الإلكتروني أنها قلقة بشأن هذا السيناريو، ووصفت الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية أنها “مؤذية” لمجتمع الفضاء. تخشى فوركزيك من فشل الولايات المتحدة في التحقق من أنشطة تلك الأسلحة التابعة للبلدان الأخرى، دون الحاجة لذكر اختبارات أميركا الخاصة، حيث يعد ذلك بمثابة إشارة البدء لبقية دول العالم. وتشير أيضاً إلى تراكم الحطام الفضائي كنتيجة سلبية لاستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية الذي سوف يلحق الضرر في النهاية بالدول نفسها التي تأمل في الاستفادة منها.

يقول ويدن: “إن القلق الأكبر الذي يتملكني يتمثل في المخاطر التي تنطوي على التصورات الخاطئة والأخطاء التي قد تحصل في الفضاء والتي تؤدي إلى نشوب صراعات”. لا بد من الإشارة إلى عدم قيام أي بلد بعد بهجوم باستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية على الرغم من وجود العديد من الاختبارات، وهناك الكثير من “الغلوّ وتعمد إثارة المخاوف” يحيطان بهذا الموضوع بين السياسيين والمسؤولين. بالتالي، لا شك أن هناك احتمالاً لوقوع حادثة أو عمل يساء تفسيره يؤدي إلى دفع الدول نحو نزاع مسلح.

ولكن نظراً لأن استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية لم يتم عملياً إلى الآن، فمن الصعب معرفة مدى فاعليتها في حماية الأقمار الاصطناعية، وما إذا كان يمكن استخدامها دون إشعال فتيل أزمة كبيرة بين البلدان. بعد كل شيء، من المحتمل أن تكون فرنسا هي الدولة الوحيدة المجهزة بالليزر في الفضاء بحلول عام 2030.