المخاطر التي يفرضها تطبيق “تيك توك” ليست مقصورة عليه مطلقاً

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مؤخراً، أصبح تطبيق “تيك توك” الذي يعتبر أحدث عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي التي تهدف لتسلية الجماهير، أداة سياسية “لتشتيت انتباه” الجماهير. وقد هدد البيت الأبيض بحظر التطبيق الذي يملكه الصينيون في الولايات المتحدة، أو أن يقوم على الأقل بالتوسط في عملية استحواذ يحتمل أن تقوم بها شركة “مايكروسوفت” (ربما مع تقاضي أتعاب المكتشف التي تذهب إلى خزينة الولايات المتحدة، بحسب المقترح الذي قدمه الرئيس ترامب لسبب ما). لكن، تكمن في كواليس هذه المسرحية سلسلة من مشكلات السياسات التقنية الخطيرة التي تتجاهلها الطبقة السياسية على نطاق واسع. سنتعرف في هذا المقال على المخاطر التي يفرضها تطبيق “تيك توك” وما إذا كانت مقصورة على مستخدمي التطبيق فقط أم لا.

مخاطر تطبيق “تيك توك”

يستند تدقيق الحكومة الأميركية على تطبيق “تيك توك” إلى افتراض أن امتلاك الشركة الصينية “بايت دانس” (ByteDance)، التي يقع مقرها في مدينة بكين، للتطبيق يجعله وسيلة محتملة تستخدمها الحكومة الصينية في ارتكاب مخالفاتها التي تستهدف الولايات المتحدة. وبحسب وجهة النظر هذه، فإن حقيقة أن التطبيق يضم قرابة 100 مليون مستخدم أميركي تقود إلى 3 أنواع أساسية من المخاطر، وهي وقوع بيانات المستخدمين في أيدي الحكومة الصينية أو أيدي أي جهة معادية أخرى؛ والدعاية الصينية وممارساتها في المراقبة والرصد التي تخترق بها المجتمع الأميركي؛ والتهديدات الموجهة للأمن الوطني الأميركي مع ازدياد حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين على نحو غير مسبوق.

كل واحدة من هذه المخاطر تعد مخاطرة حقيقية، لكنها أكبر في الواقع من أن تكون مقصور على تطبيق “تيك توك”. والتركيز على تطبيق “تيك توك” وحده لن يجدي نفعاً في حل المشكلات الأشمل التي تشكل هذه المخاطر أبرز الأمثلة لها. ويجب ألا يشعر أحد أنه أدى ما عليه من عمل فيما يخص الأمن التقني إذا انحصر هذا العمل بتطبيق واحد تملكه الصين.

خذ مثلاً خطورة وصول الحكومة الصينية أو غيرها من الجهات المعادية إلى بيانات المستخدمين. هذا الاحتمال يأسر المخيلة، لأن تطبيقات الهواتف الذكية مثل “تيك توك” تجمع الكثير من البيانات حول مستخدميها. فهي لا تسجل منشورات الشخص فحسب، بل وتتابع المنشورات التي ينظر إليها ومدة نظره إليها. كما تعمل على تتبع بيانات الموقع الجغرافي ومعلومات ضبط نظام تشغيل الجهاز وغيرها من التفاصيل التي تزيد قابلية التعرف على المستخدمين في الخدمات المختلفة.

وعلى الرغم من أن تطبيق “تيك توك” يذكر أنه يخزن بيانات المستخدمين الأميركيين خارج الصين، إلا أن سياسة خصوصية الخاصة بالتطبيق تنص على أنه قادر على مشاركة البيانات مع الشركة الأم في بكين. وعلى الرغم من أن الشركة تقول إنها تتخذ إجراءات الفحص النافي للجهالة للحد من إمكانية الوصول إلى البيانات، فإنه من الممكن أن تعتمد الحكومة الصينية على المسؤولين التنفيذيين أو المهندسين في الصين للوصول إلى هذه البيانات. وقد يكون ذلك عن طريق المقتضيات القانونية التي تلزم الشركات بمساعدة الحكومة في قضايا الأمن الوطني أو بممارسة الضغط غير القانوني أو حتى الاختراق.

يمكن أن يختلف الأشخاص الذين يتسمون بالنزاهة حول احتمال وصول البيانات الهائلة التي يجمعها تطبيق “تيك توك” إلى يد الحكومة الصينية، لكن الاستبعاد التام لخطر نقل كمية معينة من هذه البيانات غير ممكن، فيصبح السؤال المطروح هو: ما هي المخاطر التي تنجم عن ذلك؟ إذا كنت معارضاً صينياً تستخدم تطبيق “تيك توك” لنشر محتوى ينتقد الزعيم الصيني شي جينبينغ، فقد تكون الخطورة كبيرة. لكن إذا كان لديك قطط أو حيوانات أليفة أخرى أو ألعاب أطفال تساهم عن طريقها في نشر التفاؤل في العالم، فلن السبب الذي يدفع الحكومة الصينية لمحاولة الحصول على بياناتك أو معرفة ما ستفعله بها، واضحاً. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، من المحتمل أن يكون لدى وكالة الاستخبارات الصينية العازمة على ذلك طرقاً أخرى للتطفل، ليس أقلها أجهزة التتبع ووسطاء توفير البيانات الذين يعملون منذ فترة طويلة في مجموعة واسعة من التطبيقات والمواقع الإلكترونية. تكمن المشكلة الأساسية في جمع البيانات وانعدام أي نوع من المساءلة الحقيقية فيما يخصّ طريقة التعامل معها. ماذا لو فُرض شرط لعمل شركات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة يلزمها بعدم جمع البيانات غير الضرورية، وتمت محاسبتها على الطرق التي تتبعها في تخزين البيانات واستخدامها؟

ثانياً، فكر في خطورة أن تقوم الحكومة الصينية بممارسة الضغط على تطبيق “تيك توك” من أجل مراقبة الأفكار التي تنتقد الحزب الشيوعي، أو أن تحاول التأثير على طريقة إدلاء الناس بأصواتهم. تقدم معظم منصات وسائل التواصل الاجتماعي المحتوى لمستخدميها استناداً إلى خوارزميات غامضة سيئة السمعة، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الجهات الأكاديمية والشركات على حدّ سواء، فإنه من الصعب محاسبة المنصات على نوع المحتوى المنشور والأشخاص الذين يتم إيصاله إليهم. بالطبع، لدى الحكومة الروسية سوابق في التلاعب بالمنصات عن طريق المنشورات المنظمة على حسابات زائفة، أو ببساطة عن طريق وضع الإعلانات لمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات. ومن الممكن أن تحاول الحكومة الصينية القيام بشيء مماثل في الولايات المتحدة، أو على الأرجح في أماكن مثل تايوان. لكن، كما رأينا فيما فعلته روسيا في الانتخابات الأميركية لعام 2016 وفي مناسبات أخرى، فإنه من الصعب تقييم آثار التلاعب بمنصات التواصل الاجتماعي القائم على دوافع سياسية، كما أن هذا التلاعب لا يستدعي تحكماً بالمنصة من وراء الكواليس. ماذا لو فُرض شرط لعمل شركات وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة يلزمها بتلبية معايير صارمة تتعلق بالشفافية والمساءلة فيما يخص الأنشطة التي تؤثر على قدسية العملية الديمقراطية أو مراقبة المحتوى السياسي؟

الخطر الذي يشكله تطبيق “تيك توك” على الأمن القومي الأميركي

أخيراً، فكر بالخطر الذي قد يشكله تطبيق “تيك توك” على الأمن القومي. على الرغم من أن مخاطر الخصوصية والمحتوى السياسي ملموسة نسبياً، ففكرة أن الاستخدام واسع الانتشار لتطبيق “تيك توك” قد يشكل تهديداً للأمن الوطني الأميركي هي ضرب من ضروب الخيال. وإذا فكرنا بطريقة ابتكارية، نجد أنه من الممكن استغلال تحديثات تطبيق ما أو أي ميزة أخرى للوصول بصورة غير مشروعة إلى جهاز أحد المستخدمين. مؤخراً، تبين أن العديد من التطبيقات، ومنها “تيك توك”، تمكنت من الوصول إلى المعلومات المخزنة في الحافظة في الأجهزة الذكية التي تعمل على نظام “آي أو إس” (iOS)، وقالت الشركة إن هذا الإجراء كان مصمماً لاكتشاف البريد التطفلي وتم إصلاحه منذ ذلك الحين. وإذا كنت من باب المصادفة مسؤولاً في جهاز أمني حساس، فمن الممكن أن يؤدي تسريب المعلومات على هذا النحو إلى جمع معلومات مهمة، سواء كان ذلك متعمداً أو غير متعمد. عالج الجيش الأميركي هذه الفئة من المخاطر، التي تشمل الجمع اليومي للبيانات حول أفراد القوات النظامية وخطر تسريب معلومات محددة، عن طريق إصدار تعليمات للموظفين بإزالة التطبيق من أجهزتهم الشخصية وأجهزتهم التي تملكها الحكومة. نظرياً، يمكن استخدام البيانات التي يجمعها تطبيق “تيك توك” إلى جانب كنوز أخرى من البيانات، مثل قاعدة بيانات مكتب إدارة شؤون الموظفين التي يُعتقد أن المخترقين من الحكومة الصينية قاموا بسرقتها، من أجل إنشاء ملفات تعريف لمسؤولي الأمن الوطني بهدف ابتزازهم أو تجنيدهم.

ومع ذلك، فإن هذا النوع من جمع المعلومات الاستخباراتية النظري سيكون أكثر فاعلية ولن يحتل عناوين الأخبار العالمية إذا تم عن طريق أدوات التتبع المستخدمة في عدد من التطبيقات في شبكات الإعلان، أو عن طريق اختراق الهواتف أو الأنظمة الأخرى بواسطة البرمجيات الضارة المخصصة التي تنفق أهم وكالات الاستخبارات كثيراً من الوقت في تطويرها وامتلاكها. لمعالجة مخاطر الأمن القومي الناجمة عن جمع البيانات على نطاق واسع وثغرات الأمن السيبراني، ماذا لو فُرض شرط لممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة يُلزم التطبيقات ومتاجر التطبيقات بتلبية معايير الأمان العالمية لحماية بيانات المستخدم سواء تعاملت مع أسرار الدولة أم لا؟

إن تحديات الأمان والثقة التي تحظى باهتمام شديد فيما يتعلق بتطبيق “تيك توك” حقيقية، وروابطها العميقة مع الصين تعززها بطرق معينة. لكن حظر تطبيق “تيك توك” أو إكراه الشركة المالكة على بيعه لن يعالج سوى جزء ضئيل من المشكلة، وكذلك الأمر بالنسبة للشرعية المشكوك فيها لعدد من التحركات المحتملة والآثار المروعة لقيام الرئيس الأميركي من جانب واحد بحظر قناة تجمع الناس على الإنترنت وتشكل مصدراً للمعلومات لهم ومنبراً لحرية التعبير. حتى أن ذلك لن يتمكن من معالجة قسم كبير من التهديدات الصينية التي تحظى باهتمام شديد اليوم، بسبب توفر قنوات أخرى على كل حال. ولن تتم معالجة مخاوف الأمن الحكومية المشروعة ومنح المستخدمين الثقة في أن حياتهم على الإنترنت خالية من التطفل المضر أو التلاعب عن طريق الخوارزميات الضبابية إلا عن طريق فرض مجموعة عالمية من القواعد الملزمة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والشركات التي تشغلها والتي تتاجر بالبيانات والمعلومات التي تجمعها عن مستخدميها. إن التركيز الحالي على المخاطر التي يفرضها تطبيق “تيك توك” والتطبيق ذاته هو فرصة لناشطي الولايات المتحدة وصناع القرار فيها للبدء بمواجهة التحديات الأشمل التي تم تجاهلها منذ فترة طويلة.