مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي

11 دقيقة
مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي
سيعتمد مصنع مُوت للهيدروجين على المخلفات الزراعية من بساتين اللوز وغيرها من المزارع. حقوق الصورة: مُوت.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخطط شركة ناشئة لبناء نوع جديد من محطات إنتاج الوقود في منطقة سنترال فالي الخصبة في كاليفورنيا، وإذا سار المشروع وفق ما هو مخطط له، فقد يعمل باستمرار على التقاط ثنائي أكسيد الكربون ودفنه.

قامت شركة “مُوت” (Mote) في لوس أنجلوس بتطوير المشروع، والذي يعتمد على أكوام من المخلفات الزراعية التي تنتجها بساتين اللوز التي تمتد على مساحات واسعة من الولاية، وغيرها من المزارع. وسيقوم المصنع بتسخين المخلفات، مثل بقايا تقليم الأشجار ونوى الفاكهة، إلى حرارة تفوق 815 درجة مئوية، وهي حرارة كافية لتحويل الكتلة الحيوية إلى هيدروجين وثنائي أكسيد الكربون.

وتخطط موت لفصل ثنائي أكسيد الكربون وضخه في أعماق الأرض إلى خزانات المياه الجوفية المالحة أو آبار النفط الناضبة قرب المصنع. أما الهيدروجين فسوف يُباع لاستخدامه في أساطيل الولاية التي تتزايد باستمرار من الباصات والشاحنات التي لا تصدر الانبعاثات الكربونية.

ويُفترض أن تؤدي العملية إلى تخزين الكربون بشكل دائم بعد أن تقوم النباتات بالتقاطه خلال نموها. أما الهيدروجين فسوف يكون كافياً لتغطية التكاليف المرتفعة للعملية.

تقول موت إن منشأتها هذه ستكون الأولى التي تحول الكتلة الحيوية إلى هيدروجين مع التقاط الانبعاثات الكربونية في نفس الوقت. ولكنها تمثل جزءاً من توجه متعاظم يركز على الاستثمار التجاري لفكرة طُرحت منذ حوالي عقدين من الزمن لمكافحة التغير المناخي، والمعروفة باسم الطاقة الحيوية مع التقاط وحجز الكربون، أو اختصاراً “بيكس” (BECCS).

يمكن أن تؤدي هذه العمليات إلى إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي مع مرور الوقت، حتى مع تأمين بدائل منخفضة الانبعاثات أو معدومة الانبعاثات للوقود الأحفوري. ولكن توجد عوائق كبيرة أمام التطبيق العملي بجدوى اقتصادية جيدة وبشكل يضمن امتصاص كميات كبيرة من ثنائي أكسيد الكربون.

ويقول دان سانشيز، والذي يدير مختبر إزالة الكربون في جامعة كاليفورنيا بيركلي، إن العملية التي تنوي موت استخدامها، والمعروفة باسم تحويل الكتلة الحيوية إلى غاز، مكلفة وصعبة من الناحية التقنية. حيث تتطلب معالجة أولية دقيقة للمخلفات، إضافة إلى تنظيف الغازات الناتجة. كما أن جمع المواد الأولية من المزارع أو الغابات المبعثرة هنا وهناك سيكون أمراً معقداً ومكلفاً.

إضافة إلى ذلك، فإن مستقبل عمل الشركة على المدى الطويل ما زال محدوداً، بسبب عدم وجود البنية التحتية اللازمة لنقل وتخزين الغازات الناتجة، إضافة إلى الطلب المحدود على الهيدروجين من النوع عالي التكلفة الذي تخطط لإنتاجه.

ولكن مصنع موت قد يكون مقاربة فعالة على وجه الخصوص لتطبيق طريقة بيكس، لأن الوقود الناتج خالٍ من الكربون، على حين تنتج بقية المصانع أنواع وقود تطلق شيئاً من الكربون في الغلاف الجوي في نهاية المطاف.

كما أن ماك كينيدي، الرئيس التنفيذي للشركة، يقول إن المنشأة قد تصبح مربحة خلال عدة سنوات بالاستفادة من الدعم الحكومي الذي تقدمه الولاية لأنواع الوقود منخفضة الانبعاثات وعلامات الضرائب الفيدرالية لتخزين الكربون. ويأمل بأن تتمكن الشركة في نهاية المطاف من بناء عدة مصانع عبر كاليفورنيا وخارجها، مع محاولة الاستفادة من مصادر أخرى للوقود، مثل الأشجار المُزالة من الغابات، سواء بعد الحرائق البرية أو في إطار إجراءات الوقاية منها.

اقرأ أيضاً: مواجهة التغير المناخي: هل تتسرع الشركات بعقد آمالها على طحالب الكِلب؟

أسئلة صعبة على الشركة مواجهتها

بيكس هي تكنولوجيا عامة التعريف يمكن أن تتضمن المنشآت التي تعمل بفتات الخشب، وعشب الثمام العصوي، ومخلفات المساكن، والمنتجة للكهرباء والإيثانول أو حتى ما يُطلق عليه اسم الوقود الاصطناعي لتشغيل السيارات والشاحنات والطائرات.

لقد حاز هذا المفهوم على اهتمام متزايد في حلقات الحوار البحثية والسياسية مع تزايد قوة الأدلة التي تقدمها النماذج المناخية على أهمية شفط كميات هائلة من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي كوسيلة وحيدة لتفادي الوصول إلى مستويات خطيرة من الاحترار في هذا القرن.

تقوم الأشجار والنباتات بعمل ممتاز في هذا المجال، ولكنها عندما تموت أو تتعفن أو تتبخر، فإن أغلبية الكربون الذي تمتصه يعود إلى الهواء. وتعد الكثير من مخططات بيكس المختلفة بأن “تحرص على إخراج الكربون من الهواء نهائياً”، كما يقول روجر أينز، والذي يدير مبادرة الكربون في مختبر لورنس ليفرمور الوطني.

مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي
سيقوم المصنع المقرر إنشاؤه بتحويل قصاصات الأشجار وغيرها من المخلفات الزراعية إلى غازات. حقوق الصورة: موت.

ومن المفترض أن تكون هذه العمليات حيادية كربونياً على الأقل، بحيث لا تضيف من غازات الدفيئة أكثر مما تزيل. ولكن بعضها يعد بسحب كميات أكبر من الكميات المولدة، ما يعني تحقيق ما يُسمى بالانبعاثات السالبة.

ففي 2018، استنتجت اللجنة المناخية التابعة للأمم المتحدة أن إيقاف الاحترار عند حدود 1.5 درجة مئوية فوق المستويات العائدة إلى ما قبل الثورة الصناعية قد يتطلب إزالة ما يصل إلى 8 مليار طن من ثنائي أكسيد الكربون في السنة عبر تقنية بيكس بحلول العام 2050. إن التقديرات لمستوى قدرة هذه التكنولوجيا على إزالة الكربون متباينة إلى درجة كبيرة، وتتراوح بين مليار و15 مليار طن في السنة على مستوى العالم بحلول منتصف القرن، وذلك وفقاً لدراسة للمنشورات العلمية من مبادرة إينرجي فيوتشرز، والمنشورة في يناير/ كانون الثاني 2022.

أما تقديرات التكاليف فهي أيضاً متباينة، وتعتمد على التكنولوجيات المستخدمة ومصادر المواد الأولية للوقود والنواتج. ولكن دراسة في العام 2020 بقيادة باحثين في مختبر أوك ريدج الوطني وجدت أن تكاليف استخدام الكتلة الحيوية لالتقاط 200 مليون طن من الكربون وتخزينه بشكل دائم يمكن أن تتراوح بين 62 و137 دولار للطن الواحد في الولايات المتحدة. وتتضمن هذه التقديرات عائدات المواد المنتجة، والتي تفترض الدراسة أنها ستستخدم لتوليد الكهرباء وبيعها.

إن هذا النطاق أخفض بكثير من تكاليف تجربة أخرى ذائعة الصيت لإزالة الكربون من الهواء، والتي يمكن أن تتخطى 600 دولار للطن. ولكن، وحتى مع انخفاض التكاليف حتى 60 دولار للطن، فإن بيكس لن تكون مربحة بحد ذاتها.

هذا يعني أن هذه العمليات ستعتمد حالياً في أغلب الأحيان على الدعم الحكومي حتى تكون ممكنة. يقول ماثيو لانغولتز، وهو اقتصادي مختص بالموارد الطبيعية في مختبر أوك ريدج وأحد مؤلفي الدراسة، في رسالة بالبريد الإلكتروني: “من المؤكد أن التكاليف الإضافية لطريقة بيكس أو أي استراتيجية أخرى لإزالة الكربون بالانبعاثات السلبية ستحتاج إلى ما يعوض عنها للسماح لهذه الصناعة بالنمو”.

وإذا وصلت طريقة بيكس إلى مستويات عالية، يخشى بعض الخبراء أن هذا سيكون على حساب إنتاج الغذاء، حيث تتوسع المصانع إلى خارج نطاق المخلفات الزراعية للحصول على مصادر للوقود. وفي نهاية المطاف، قد تؤدي حتى إلى ظهور حافز لإزالة الغابات والأراضي العشبية وزراعة محاصيل الطاقة الحيوية في مكانها.

إن هذه المشاكل وغيرها تزيد من صعوبة حساب الكربون المُزال والمنبعث خلال هذه العملية، فالزراعة تنتج الكثير من غازات الدفيئة عالية التأثير. وحتى الآن، كانت معظم مصانع بيكس تنتج أنواع وقود تحتوي على الكربون، مثل الإيثانول الذي يطلق نسبة من ثنائي أكسيد الكربون عند الحرق. كما أن العمليات التي تعتمد على بيع ثنائي أكسيد الكربون الناتج لاستثماره في أحد أكثر استخداماته شيوعاً، أي الاستخراج المحسن للنفط، ستساعد على استخراج المزيد من الوقود الأحفوري من الآبار. (تقول موت إنها لن تستخدم ثنائي أكسيد الكربون لهذا الغرض).

من الناحية الفنية، ما زالت جميع هذه التطبيقات قادرة على إزالة كربون أكثر مما تطلقه خلال العملية بأكملها. ولكن ضمان تحقيق هذا فعلياً مع تضخم القطاع سيتطلب بناء معايير حسابات مشتركة وموثوقة، وهو أمر ثبتت صعوبته البالغة في مسائل مماثلة، مثل الانزياحات الكربونية للغابات.

اقرأ أيضاً: كيف نستفيد من توائم الأرض الرقمية في مواجهة التغير المناخي؟

تنفيذ الوعود

انبثقت فكرة موت من جهد بحثي تبلور منذ عدة سنوات عندما حاول العلماء في مختبر لورنس ليفرمور حل المعضلة التي تواجه كاليفورنيا.

فمع اقتراب انتهاء ولايته في 2018، أصدر حاكم الولاية جيري براون أمراً تنفيذياً غير إلزامي لتحقيق هدف الحياد الكربوني في جميع المناحي الاقتصادية للولاية بحلول العام 2045. أما الأحجية فهي التالية: كيف يمكن لخامس أضخم اقتصاد في العالم تحقيق هذا الهدف إذا لم يتمكن الباحثون والشركات حتى الآن من تطوير طرق نظيفة ومعقولة التكاليف لزراعة المحاصيل وتربية المواشي وتوفير الطاقة للطائرات وتشغيل صناعات أخرى؟

إنها مجرد نسخة محلية من نفس المشكلة الأساسية التي أرغمت مختصي النمذجة المناخية على إدماج مستويات عالية من بيكس في توقعاتهم عند حساب الطرق الممكنة لمنع الكوكب من تجاوز مستوى 1.5 درجة مئوية من الاحترار، بسبب تصاعد الانبعاثات وارتفاع الحرارة وبطء الانتقال نحو الطاقة النظيفة. وإذا تمكنت الشركات والدول والولايات من إزالة ما يكفي من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، فإنها تستطيع من الناحية النظرية موازنة المستويات التي تواصل إطلاقها، بل وحتى تحقيق محصلة تتجه نحو الانخفاض.

وفي تقرير نُشر في يناير/ كانون الثاني من العام 2020، استنتج فريق لورنس ليفرمور أن الطريقة الوحيدة الناجحة في كاليفورنيا هي إزالة أكثر من 125 مليون طن من ثنائي أكسيد الكربون سنوياً بحلول العام 2045. كما ركزوا على مقاربة واحدة واعدة يمكن أن تحقق هذا الهدف بطريقة تتميز بقابلية عالية للتوسع وبجدوى اقتصادية ممتازة، وذلك باستخدام عملية قديمة ومعروفة، وهي طبخ الكتلة الحيوية دون حرقها، وذلك ضمن حرارة وضغط عاليين وبمقدار محدود من الأوكسجين، لتحويلها إلى غازات. وبإضافة أنظمة يمكن أن تلتقط ثنائي أكسيد الكربون الناتج وتخزنه، تعد هذه الطريقة بإزاحة الانبعاثات المتواصلة للولاية.

وقد كان هذا أفضل خيار لإزالة غازات الدفيئة من “وجهة نظر بيئية واقتصادية”، كما يقول جوشوا ستولاروف، وهو أحد مؤلفي البحث المنشور. وبعد بضعة أشهر، في مارس/ آذار من العام 2020، قام ستولاروف وكينيدي بتأسيس مُوت لبناء منشأة كاملة لهذه العملية.

ويقول ستولاروف: “هذه محاولتي لتنفيذ وعودي”.

اقرأ أيضاً: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟

المصنع الأول

تخطط مُوت للبدء بتشغيل أول مصنع في 2024، وسيزيل 150,000 طناً من ثنائي أكسيد الكربون في السنة لإنتاج 7,000 طناً من الهيدروجين.

وقد دخلت موت في مفاوضات لعقد شراكة مع “كربون كيور تكنولوجيز” (CarbonCure Technologies) والتي تضيف ثنائي أكسيد الكربون الملتقط إلى الإسمنت. ولكن الاتفاق المهم والذي لم يُعقد بعد –وهو الاتفاق الذي سيحدد الموقع النهائي للمصنع- هو مع مالك موقع يستطيع المصنع فيه حقن غازات الدفيئة إلى تحت الأرض.

وقد تكون مقاطعة كيرن في كاليفورنيا موقع الاختبار المثالي لهذا المشروع، نظراً لقربها من المزارع وآبار النفط والغاز في نفس الوقت. إضافة إلى ذلك، فإن الولاية تطبق العديد من سياسات المناخ والتلوث التي يمكن أن تدعم هذا العمل، بما فيها دعم حكومي ممتاز للوقود منخفض الكربون، والتمويل للبنى التحتية للهيدروجين، إضافة إلى قوانين صارمة حول حرق المخلفات الزراعية.

مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي
حقوق الصورة: موت.

كما أن برنامج معيار الوقود منخفض الكربون في كاليفورنيا، والذي يفرض حدوداً تتناقص باستمرار مع مرور الوقت لكمية الكربون في أنواع الوقود المُباعة في الولاية، يقدم علامات للشركات التي تبيع أنواعاً أكثر نظافة من الوقود. كما أنه يلعب دوراً فعالاً في ظهور سوق لهذه الأنواع. يجب أن يحقق منتجو ومستوردو الوقود أهداف الولاية بإنتاج الوقود منخفض الكربون أو شرائه أو شراء علامات من شركات أخرى قامت بتوليد هذا الوقود أو تجاوزت الأهداف المحددة. وهذه العلامات، والتي يمثل كل منها طناً من ثنائي أكسيد الكربون، وصلت في التعاملات التجارية إلى سعر 175 دولار تقريباً.

ومن المفترض أن تتمكن موت أيضاً من الاستفادة من علامات الضرائب الفيدرالية، والتي ستؤمن بحلول العام 2026 ما يصل إلى 50 دولار لكل طن من ثنائي أكسيد الكربون المحقون في التشكيلات الجيولوجية.

وتتوقع الشركة أن صناعة النقل بالشاحنات الثقيلة، والتي ستحتاج إلى الانتقال إلى أنواع الوقود منخفض الكربون للامتثال لقوانين كاليفورنيا، ستكون من أوائل أسواق الهيدروجين. ولكن الهيدروجين يصلح أيضاً لتوليد الكهرباء، كما أنه مادة أولية في إنتاج الفولاذ، وغير ذلك من العمليات الصناعية.

ويقول مؤسسو مُوت إن المقاربة المحددة التي تعتمدها الشركة الناشئة مصممة عمداً لتفادي بعض مشاكل بيكس المعروفة أو التخفيف منها.

فبالاستفادة من النواتج الجانبية للزراعة والغابات، ستتفادى التضارب مع إنتاج الغذاء أو توليد ضغط يؤدي إلى تحويل الغابات أو الأراضي العشبية إلى مزارع. وبتحويل الكتلة الحيوية إلى غازات، بدلاً من إحراقها كما يحدث في بعض الأشكال الأخرى من بيكس، فإن الشركة تتوقع تخفيف التلوث الهوائي الناتج، خصوصاً بالمقارنة مع المقدار الناجم عن قيام المزارعين بإحراق مخلفات مزارعهم.

وأخيراً، فإن العملية ستؤدي إلى إزالة كمية صافية كبيرة من الكربون، كما يقول المؤسسون، إذ لن تعتمد الشركة بشكل أساسي على حقن ثنائي أكسيد الكربون الملتقط في جوف الأرض وحسب، بل تخطط أيضاً لاستخدام سيارات لا تطلق الانبعاثات لجمع الكتلة الحيوية، على حين أن الهيدروجين الناتج سيكون وقوداً خالياً من الكربون.

وعند سؤال كينيدي عما إذا كان الاستمرار في جمع مخلفات المزارع والغابات عملية صعبة ومكلفة للغاية، أجاب في رسالة بالبريد الإلكتروني إنه “مفهوم شائع للغاية خارج منطقة سنترال فالي”. ولكنه شدد على جاهزية عمليات نقل بالشاحنات ولوجستيات عالية الفعالية وواسعة النطاق لنقل كميات ضخمة من المواد في المنطقة كل يوم.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين لمواجهة التغير المناخي

خفيفة للغاية

على الرغم من أن طريقة بيكس واعدة للغاية، فإنها لم تتمكن من الانطلاق بشكل جيد حتى الآن. حيث يذكر تقرير مبادرة إينرجي فيوتشرز 16 مشروعاً فقط حول العالم حتى تاريخه، وجميعها تقريباً في مرحلة الاستعراض أو التجريب. ومعظمها عمليات موجودة مسبقاً –مثل منشآت إنتاج الإيثانول أو محطات توليد الطاقة بالكتلة الحيوية- أُضيفت إليها أنظمة لالتقاط الكربون.

كما أن المشروع الضخم الوحيد هو منشأة آرتشر دانييلز ميدلاند لإنتاج الإيثانول في ديكاتور بإيلينوي. ويقوم هذا المصنع بالتقاط مليون طن من الكربون سنوياً ويحتجزه ضمن طبقة من الحجر الرملي تحت الأرض. ولكنه، وكما يلحظ التقرير، ما زال يصدر من ثنائي أكسيد الكربون أكثر مما يزيله. وما زالت الشركة تعمل على تحسين تكنولوجيتها لالتقاط الكربون.

أما الشركة الناشئة “تشارم إندستريال” (Charm Industrial) في سان فرانسيسكو فقد أخذت منحى مختلفاً، فهي تعمل على تحويل المخلفات الزراعية إلى سائل غني بالكربون، ومن ثم تضخه ببساطة إلى أعماق الأرض ضمن كهوف ملحية أو غير ذلك من أنواع المواقع الجيولوجية الخاضعة لقواعد خاصة. وتكسب الشركة الأموال ببيع علامات الكربون إلى الشركات التي تحاول إزاحة انبعاثاتها القديمة والمتواصلة حتى الآن بشكل دائم. ومن أوائل عملاء هذه الشركة: “مايكروسوفت” (Microsoft) و”سترايب” (Stripe) و”شوبيفاي” (Shopify).

ومن الجدير بالذكر أن تشارم بدأت بمحاولة تحويل الكتلة الحيوية إلى غاز لإنتاج الهيدروجين أيضاً. ولكن الشركة اكتشفت بعد فترة قصيرة أن تكاليف النقل المطلوبة لهذه العملية كانت كبيرة للغاية، كما أوردت مجلة غريست سابقاً، وكما وضح الرئيس التنفيذي للشركة بطريقته الفكاهية منذ فترة وجيزة.

فقد كتب الرئيس التنفيذي بيتر راينهارت على تويتر: “إن الكتلة الحيوية خفيفة للغاية مثل القطن أو الصوف. إنها خفيفة لدرجة كادت تقضي علينا”.

وفي مارس/ آذار المنصرم، أعلنت “شيفرون” (Chevron) و”شلمبرجير نيو إينرجي” (Schlumberger New Energy) ومايكروسوفت و”كلين إينرجي سيستمز” (Clean Energy Systems) عن شراكة لتحسين محطة لتوليد الطاقة في ميندوتا بكاليفورنيا بحيث تصبح قادرة على توليد الكهرباء من المخلفات الزراعية مع التقاط الانبعاثات الناتجة. أما هذه الانبعاثات فسوف تُحقن في تشكيلات جيولوجية قريبة تحت الأرض.

وفي بيان صحفي، قالت الشركات إن المنشأة ستزيل نحو 300,000 طنّاً من ثنائي أكسيد الكربون سنوياً.

هناك أيضاً جهود حثيثة لتأسيس بنى تحتية لدعم مشاريع بيكس المستقبلية. فقد اقترحت شركة “سوميت كربون سوليوشنز” (Summit Carbon Solutions) في آيوا مشروعاً بقيمة 4.5 مليار دولار لتركيب آلاف الكيلومترات من خطوط الأنابيب لنقل ثنائي أكسيد الكربون الذي يمكن التقاطه في العشرات من مصانع الإيثانول عبر خمس ولايات إلى موقع تخزين قرب بيسمارك في نورث داكوتا. وسيسمح بناء هذه الأنابيب للمصانع بإنتاج وقود “صفري الانبعاثات” بحلول العام 2030، بحيث تستطيع بيعه إلى الأسواق التي تعتمد معايير الوقود منخفض الكربون، كما تقول الشركة.

ولكن هذا المقترح أثار العديد من المخاوف بين مالكي الأراضي وبعض المجموعات البيئية. ويقول المنتقدون إن منشآت بيكس الصناعية والبنى التحتية الداعمة تحمل مخاطر التسريب والتلوث، كما يخشون من أن المناطق الفقيرة ستتحمل أسوأ التبعات كما حدث في الماضي.

وقد طرحت منظمة “كربون 180” في أحد منشوراتها للعام الماضي مجموعة من المبادئ التي يجب أن تُعتمد في عمليات تطوير بيكس وتوجيه السياسات الفيدرالية، بما فيها ضمانات لعمال المزارع، وأساليب موثوقة لحساب الكربون، وأساليب حماية راسخة للمجتمع.

يجب على مطوري المشاريع “البدء بالتعامل مع المجتمع في وقت مبكر والاطلاع على وجهات النظر وأخذ التأثيرات على المجتمع ونوعية حياة أفراده وفرصهم الاقتصادية والبيئة المحيطة بهم بعين الاعتبار”، كما تقول ميرون تيسفاي، وهي مؤلفة ومحللة سياسات أساسية في مركز السياسات ثنائية الحزب.

اقرأ أيضاً: مصادر الطاقة المتجددة تشهد نموّاً متصاعداً

عملية التوسع

من الناحية العملية، فإن مُوت تبني مصنع هيدروجين عالي التكلفة، ولن يستطيع بنفسه منافسة الهيدروجين المصنوع من الغاز الطبيعي، والأقل تكلفة ونظافة. وعلى الرغم من أن الجدوى الاقتصادية في كاليفورنيا جيدة بفضل السياسات المناخية للولاية، إلا أن هذا المشروع وغيره من مشاريع بيكس ستواجه على الأرجح صعوبة كبيرة في التوسع في أماكن أخرى.

ومن المرجح أن مدى انتشار مصانع بيكس وقدرتها الفعلية على المساعدة على إزالة ثنائي أكسيد الكربون سيعتمدان على السياسات والقوانين المطبقة، ومدى حرص الشركات في إجراء حسابات الكربون، أو مدى إلزامها بالتزام هذا الحرص.

يمكن أن تستفيد مشاريع أخرى أيضاً من علامات الضرائب الفيدرالية، ولكن هذا لن يكون كافياً لوحده في الكثير من الحالات لضمان قدرتها على تحقيق أرباح فعلية، كما تقول تيسفاي. كما أن المناطق التي طبقت معايير الوقود منخفض الكربون مثل كاليفورنيا لا تتجاوز مجموعة صغيرة وحسب، بما في ذلك أوريغون وبريتيش كولومبيا. وقد اقترحت ولايات أخرى هذه المعايير أو درست تطبيقها، مثل واشنطن ونيويورك وكولورادو.

علاوة على ذلك، فإن التوسع ضمن كاليفورنيا سيواجه تحديات خاصة به أيضاً، إذ سيتطلب بناء المزيد من المصانع، واستخدام أو تطوير شاحنات وخطوط أنابيب ومواقع تخزين للوقود وثنائي أكسيد الكربون. وباختصار، فسوف يحتاج إلى الكثير من الرخص والتطوير في ولاية تشتهر بكثرة العوائق التي تقف في وجه الموافقة على المشاريع وبنائها.

يقول كينيدي: “إذا جرى كل شيء وفق المخطط، فسوف نبدأ بإنتاج الجزيئات بحلول 2024، ولكننا نخطط لتأخيرات لا يمكن تفاديها بسبب إجراءات الترخيص”. وعلى الرغم من هذا، وكما يقول مؤسسو موت، فهناك الكثير من الكتلة الحيوية الكافية لتشغيل مصانعهم في المستقبل المنظور. ويشعرون بالثقة حيال نجاح النموذج الاقتصادي حاليّاً وتحسنه مع مرور الوقت واشتداد صرامة القوانين المناخية، على فرض حدوث هذا بطبيعة الحال.