اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم: تحية تقدير لنساء ملهمات

6 دقائق
اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم.. وقفة سنوية على شرف نساء عظيمات
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ناضلت المرأة منذ بداية العصور لضمان حقوق تساويها بالرجل، وتمكنت من إثبات جدارتها في مختلف القطاعات ولا سيما العلوم والتكنولوجيا، ما دفع الأمم المتحدة لأن تخصص الحادي عشر من فبراير يوماً سنوياً احتفالاً بإنجازاتها في ميدان العلوم.

المرأة.. شريكة الإنجازات القديمة

كانت ولا زالت قضية المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة الشغل الشاغل للمجتمعات والمنظمات الدولية، الرامية لتعزيز مكانة المرأة العلمية وحصولها على حقوق متساوية مع الرجل، ويمكن للباحثين التكهن بالأدوار النسبية للرجال والنساء منذ آلاف السنين، منذ أن مارست النساء الطب في مصر القديمة، وظهور “مريت بتاح” أول طبيبة عرفها التاريخ، وظهور عالمة الرياضيات هيباتيا في الإسكندرية التي ترأست مدرسة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة في مدينتها.

وطوال القرن التاسع عشر كانت النساء في أوروبا والولايات المتحدة يناضلن من أجل منحهن حق التعليم مثل الرجال، وبعد مساعٍ طويلة أصبحت إليزابيث بلاكويل أول امرأة تحصل على شهادة في الطب، أما خلال فترة الحرب العالمية الثانية، فقد اضطلعت النساء بالعديد من الأدوار التي كانت تقتصر على الذكور في السابق، بما في ذلك الأدوار كباحثات علميات، منهن عالمة الرياضيات الأميركية جريس هوبر في البحرية الأميركية والتي كانت إحدى أوائل مبرمجي الحاسوب. 

وابتداءً من الستينيات، تولت النساء وظائفاً في مجالات الفيزياء والكيمياء والرياضيات وكذلك في القانون والأعمال، وتم الاعتراف ببعض الباحثات دولياً لمساهماتهن، فعلى سبيل المثال، حصلت عالمة البلورات البريطانية دوروثي هودجكن على “جائزة نوبل” للكيمياء عام 1964، وكان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بمثابة نقطة تحول بالنسبة للعالمات، ففي عام 2009 وحده حصلت ثلاث نساء على “جائزة نوبل”، وفي عام 2018 أصبحت الفيزيائية الكندية دونا ستريكلاند ثالث امرأة تفوز بجائزة نوبل للفيزياء.

ومع بداية عام 2020 وانتشار فيروس كورونا (Covid-19)، أحدثت الكثير من النساء فرقاً واضحاً أثناء الوباء، ووقفت النساء والفتيات في الخطوط الأمامية للاستجابة، كعاملات في الرعاية الصحية أو مبتكرات أو باحثات عن لقاحات وعلاجات رائدة، وكانت اكتشافات هؤلاء وغيرهن من النساء والاعتراف الواسع بإسهاماتهن في التقدم العلمي علامة لما يأمل الكثيرون أن يكون نقطة تحول واعدة للنساء في مجال العلوم، لكن على الرغم من ذلك، أشارت بيانات “معهد اليونسكو للإحصاء” لعام 2019 أن الفجوة بين الجنسين في العلوم لا زالت قائمة.

اقرأ أيضاً: لم لا تزال أصوات النساء في التكنولوجيا تتعرض للتهميش والإسكات؟

عربيات في ميدان العلوم  

كما الحال في العالم أجمع، كان للمجتمع العربي نصيب من نهضة نسائه ومن إسهامات علمية عديدة قُدمت على أيديهن، كان أثرها كبيراً على المستويين العربي والعالمي على حد سواء، فمن أبرز هؤلاء النساء: 

التونسية توحيدة بن الشيخ: وهي أول طبيبة أطفال عربية، عُرفت بدورها وأثرها المجتمعيّ في تونس، ولعبت دوراً في السياسات المتعلقة بتنظيم الأسرة وتحديد النسل، فضلاً عن انضمامها وتأسيسها لعددٍ من الجمعيات، مثل نشاطها في الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي وتأسيسها لجمعية الإسعاف الاجتماعي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحصلت على أفضل تكريم بعد وفاتها حين تمت طباعة ورقة نقدية جديدة من فئة 10 دينار في تونس تحمل صورتها. 

الدكتورة السعودية حياة سندي: تعمل سندي على الارتقاء بتعليم العلوم، وخاصة بين نساء الشرق الأوسط، وتطوير التكنولوجيا الحيوية في المناطق النامية، واستطاعت المضي في طريقها مدفوعةً بتصميمها ورغبتها في النجاح، وحصلت على دبلوم في علم الأدوية من “جامعة كينجز لندن”، والدكتوراه في التكنولوجيا الحيوية من “جامعة كامبريدج”. شاركت في تأسيس “منظمة دياجنوستيكس فور أول”، وساعدت في تطوير أجهزة منخفضة التكلفة يمكن استخدامها في البلدان النامية للمساعدة في تشخيص الأمراض، وتم اختيارها واحدة من أقوى النساء العربيات في المملكة العربية السعودية من قبل “مجلة فوربس”.

العالمة السعودية غادة المطيري: حصلت على الدكتوراه في كيمياء المواد من “جامعة كاليفورنيا”، وركزت في دراستها على الإلكترونات غير المتمركزة وتركيب الجزيئات، وأجرت دراسات ما بعد الدكتوراه في الكيمياء والهندسة الكيميائية في “جامعة كاليفورنيا في بيركلي”. تعدّ المطيري من رائدات الأعمال والعلماء البارزين، وتحمل أكثر من 10 براءات اختراع في مجال الطب النانوي، ويعود الفضل إليها في تطوير بوليمر جديد للدفع الكهروميكانيكي، وتُعرف أيضاً باكتشافها أول جسيمات نانوية تستجيب للالتهابات في الجسم، وذلك من خلال كبسولة نانوية تستطيع تمييز الالتهاب في جسم الإنسان وإطلاق دواء لعلاجه باستخدام أشعة الليزر. 

العالمة السعودية خولة الكريع: لها دور بارز في الكشف عن الجينات السرطانية، درست الطب البشري في “جامعة الملك سعود” بمدينة الرياض، وتخصصت في مجال الجراحة العامة، وبعد ذلك انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتكمل اختصاصها في مجال علم الأمراض. وهي باحثة رئيسية في مجال أبحاث السرطان في “مستشفى الملك فيصل التخصصي”، ومديرة “مركز الملك فهد الوطني لأبحاث سرطان الأطفال”. تمتلك شهرة في المجال البحثي نظراً لدورها في كشف وتحديد بعض العوامل الجينية التي تساهم في الحث على توليد ونشوء الخلايا السرطانية، وذلك ضمن أبحاثها المختصة في البحث عن العوامل الجينية المرتبطة بنشوء السرطانات في منطقة الشرق الأوسط.

عالمة الأوبئة اللبنانية عبلة سباعي: فازت بالجائزة الثانية والعشرين من جوائز المرأة في العلوم التي تقدّمها “مؤسسة لوريال” ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) لعام 2020، تقديراً لإنجازاتها العلمية في مجال علم الشيخوخة والوبائيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية. ترأّست قسم علم الأوبئة وصحة السكّان ولجنة الأبحاث في كلية العلوم الصحية في “الجامعة الأميركية في بيروت”، وأعدت وألفت أكثر من 250 مقالة ومنشوراً علمياً وأجزاء من كتب، معظمها حول الشيخوخة وكبار السنّ.

عالمة الأعصاب السورية الأميركية هدى عقيل: تُعتبر إحدى علماء الأعصاب الأكثر استشهاداً بدراساتهم العلمية، تركز في أبحاثها على فهم المشاعر، بما فيها الألم والقلق والاكتئاب والإدمان، وتوصّلت هي وزملاؤها إلى أول دليل وظيفي على أن الجسم يقوم بتنشيط الإندورفينات عند مواجهة المواقف العصيبة من أجل تثبيط الألم، والإندورفينات مواد كيميائية مسكّنة للألم يُنتجها الجسم بشكل طبيعي. كما قامت بدراسة الآليات الجزيئية والعصبية للإجهاد وعلاقتها مع القلق والاكتئاب، وأجرت تجارب على الفئران لاكتشاف جزيئات وجينات جديدة مرتبطة بالمزاج والإدمان. 

طبيبة الأطفال السورية السعودية نادية سقطي: طبيبة استشارية أدت مساهماتها إلى العديد من الاكتشافات والتطوّرات في مجال علم الوراثة الطبّي، ولا سيما فيما يتعلّق بالأمراض الوراثية النادرة عند الأطفال. تخرجت من كلية الطب بـ “جامعة دمشق” وواصلت دراستها الطبية في الولايات المتحدة. عايشت الكثير من التطورات في مجال علم الوراثة الطبية، من معرفة العدد الدقيق للكروموسومات إلى مشروع الجينوم البشري إلى تقديم اختبارات التشخيص الوراثي الحالية للعائلات قبل إجراء التلقيح الاصطناعي، كما عملت على تطوير اختبارات عينات الزغابات المشيمية وفحوصات الكشف عن الأمراض الوراثية لمساعدة العديد من الأسر على إنجاب أطفال أصحاء، وتمكنت مع زملائها من اكتشاف ثلاثة أمراض نادرة عند الأطفال، تمّت تسميتها تيمّناً باسمها وأسماء الأطباء الآخرين الذين شاركوها في اكتشافها، وهي متلازمة سقطي-نيهان-تيسديل.

العالمة السورية الأميركية شادية حبال: حصلت من “جامعة دمشق” على الإجازة في الرياضيات والفيزياء، وتابعت تعليمها بعد ذلك في “الجامعة الأميركية في بيروت”. لها عدة أبحاث لفهم الظواهر الفلكية، ركزت في أعمالها البحثية على دراسة أصل ومنشأ الرياح الشمسية وكيفية تطورها، حيث تمثل الرياح الشمسية إشعاعاتٍ مكونة من جسيماتٍ كهربائية مشحونة (مثل البروتونات والإلكترونات وجسيمات ألفا وشوارد مشحونة ثقيلة أخرى)، وبالإضافة إلى ذلك، ركزت حبال على دراسة الطبيعة الغامضة للمجال المغناطيسي للشمس، الذي يُعتقد بأنه مسؤولٌ عن الكثير من الظواهر الفيزيائية مثل التوهجات الشمسية، كما قادت 14 بعثة علمية لرصد حوادث الكسوف الشمسي خلال سنواتٍ عديدة.

الطبيبة والباحثة السعودية ملاك عابد الثقفي: تُعرف بدورها البارز في الأبحاث الجينية والسرطانية، شكل تشخيصها بمرضٍ جينيّ أثناء طفولتها دافعاً كبيراً لدراسة الطب والتخصص في مجال العلوم الجينية، فدرست الطب البشري في جامعة الملك عبدالعزيز. تساهم عبر خبرتها في تطوير واقع العمل الطبي في مجال العلوم الجينية بالسعودية، وتشغل وتدير العديد من المناصب والمسؤوليات في عدة مؤسسات أكاديمية وعلمية ضمن المملكة وخارجها، فهي أستاذة باحثة مشاركة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والمشرف العام بالإدارة العامة للمركز الوطني لتنسيق البحث والتطوير والابتكار، ولها مساهمات بارزة في مجموعة العلوم 20 التابعة لمجموعة العشرين التي تستضيفها المملكة هذا العام.

اقرأ أيضاً: لماذا لا نرى مزيداً من النساء الفائزات بجوائز نوبل؟

اعتراف دولي بدورهن الحاسم

لا تزال المساواة بين الجنسين القضية الجوهرية التي تُعنى بها “هيئة الأمم المتحدة”، كون المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة يسهمان إسهاماً مهماً في التنمية الاقتصادية العالمية وإحراز تقدم في جميع الأهداف العالمية التي يُرمى إلى تحقيقها بحلول العام 2030. وعلى الرغم من جهود المجتمع الدولي المبذولة لإشراك المرأة والفتاة في مجال العلوم، لا تزال المرأة والفتاة تستبعدان من المشاركة الكاملة في هذا المجال، وتظل الفجوة بين الجنسين مستمرة مع مرور السنين بشكل بارز في جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة وتخصصات الرياضيات في كل أنحاء العالم.

ولهذا السبب، اعتمدت “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” في مارس/آذار 2011 في دورتها الـ 55 تقريراً اشتمل على استنتاجات متفق عليها بشأن تمكين المرأة والفتاة من الحصول على التعليم والتدريب، فضلاً عن تعزيز حق المرأة في العمل، وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 2013 اعتمدت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” قراراً ينص على أن تمكين المرأة والفتاة من كل الفئات العمرية من الحصول على التعليم والتدريب والتكنولوجيا هو ضرورة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والفتاة.

وفي 22 ديسمبر 2015، اعتمدت الجمعية العامة قراراً حددت بموجبه يوم 11 شباط/فبراير من كل عام بوصفه اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم، وذلك للترحيب بالجهود المبذولة من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، و”هيئة الأمم المتحدة للمرأة” و”الاتحاد الدولي للاتصالات” والمنظمات الأخرى ذات الصلة التي تدعم وتشجع وصول النساء والفتيات ومشاركتهن في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وتأتي أهمية الاحتفال بالمناسبات الأممية كون الأيام والأسابيع الدولية هي مناسبات لتثقيف الناس بشأن القضايا ذات الاهتمام، وحشد الإرادة السياسية والموارد لمعالجة المشاكل العالمية، وللاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها، والغرض من هذا اليوم تعزيز الوصول الكامل والمتساوي للمشاركة في العلوم للنساء والفتيات، والاعتراف بالدور الحاسم الذي تلعبه النساء والفتيات في هذا القطاع.