كيف تحول تقنية الهولوجرام التعليم إلى عملية ممتعة وفعالة؟

4 دقائق
تقنية الهولوجرام
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حينما كنت أدرس في فصل التاريخ، أتذكر كيف عرضت لنا المعلمة صوراً ومقاطع فيديو من الحرب العالمية الثانية، حينها تخيلت كم سيكون الأمر ممتعاً ومفيداً إذا كان هناك آلة زمنية تضعنا في قلب هذه المشاهد لدراستها بشكل فعال. الآن، لم تعد تلك الفكرة مجرد خيال مع ظهور تطبيقات تقنية الهولوجرام في العملية التعليمية. فما هي تقنية الهولوجرام، وكيف تؤثر في التعليم، وكيف طبقتها العديد من الجامعات داخل الفصول الدراسية؟

ما هي تقنية الهولوجرام؟

تقنية الهولوجرام هي إسقاط ثلاثي الأبعاد يمكن رؤيته والتفاعل معه من كافة الزوايا دون استخدام أي معدات خاصة مثل الكاميرات أو النظارات. وتعمل تقنية الهولوجرام عبر الموجات الضوئية التي تنطلق من صورة أو فيديو أو مشهد واقعي مسجل لتعكسها ككائن ثلاثي الأبعاد. وبصورة أكثر بساطة، هي عبارة عن أسلوب تصويري يسجل الضوء الموجود بجسم معين ومن ثم يظهره بطريقة ثلاثية الأبعاد. وقد ظهرت هذه التقنية على يد المهندس البريطاني دينيس جابور الذي اخترع طريقة التصوير المجسم عام 1947، ونال عنها جائزة نوبل عام 1971.

ومع مرور الوقت تطورت هذه التقنية بسبب التكنولوجيات الحديثة وانخفاض تكلفة أشعة الليزر لتُستخدم على نحو أكبر، وتندمج في مجالات أكثر، بجودة أفضل على مدار السنوات، فرأينا كيف ظهر مايكل جاكسون في حفل Billboard Music Awards عام 2014 على خشبة المسرح يؤدي حركاته الراقصة وسط فرقة استعراضية حقيقية. وكيف استعان سيرك رونكالي الألماني بتقنية هولوجرام في تقديم عروض للحيوانات التي ظهرت ثلاثية الأبعاد بدلاً من الاعتماد على الحيوانات البرية الحقيقية حفاظاً عليها.

اقرأ أيضاً: ما هي تقنية الهولوغرام وكيف تعمل؟

كيف أثرت تقنية الهولوجرام في التعليم؟

مر نظام التعليم بالعديد من التغييرات على مر السنوات، وبفضل العديد من التقنيات الحديثة تحّول نظام التعليم من الطريقة التقليدية المعتمدة على التلقين إلى طريقة تفاعلية تعتمد على الطالب والمعلم معاً. فمع وجود أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية وبرامج مثل مايكروسوفت أوفيس وزوم وتيمز وتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وروبوتات المحادثة، أصبح التعليم أكثر فاعلية. وأصبح استخدام هذه التقنيات ملحاً مع جائحة كورونا التي جعلت التعليم عن بعد، باستخدام الوسائط التقنية، واقعاً لا مفر منه.

أظهرت التجارب أن استخدام الهولوجرام يساهم في تحسين تجربة التعلم وزيادة فعاليته وجذب اهتمام الطلاب وتعزيز فهمهم ورفع مستويات المشاركة لديهم. وقد ظهرت فعالية تكنولوجيا الهولوجرام في التعليم عبر مستويين، سواء في تعزيز فعالية التعليم عن بعد والقضاء على الحواجز المكانية والزمنية، أو في تعزيز المحتوى التعليمي نفسه.

اقرأ أيضاً: أينشتاين يدرّس الفيزياء من جديد.. بمساعدة الذكاء الاصطناعي

فعالية الهولوجرام في القضاء على الحواجز المكانية والزمنية

تعزز تقنية هولوجرام من فعالية التعليم عن بعد، وتحوله إلى تجربة ممتعة كما حدث في “إمبريال كوليدج لندن” التي سمحت للمتحدثين من أماكن بعيدة بالظهور بالحجم الطبيعي في إحدى قاعات المحاضرات، باستخدام تقنية هولوجرام. حققت التجربة نجاحاً كبيراً، إذ أفاد الطلاب في استطلاعات الرأي أنهم لم يستمتعوا بـ “الإحساس بالحضور” الذي توفره الصورة الثلاثية الأبعاد فحسب، بلوجدوا أيضا التجربة ممتعة وجذابة.

تسمح تكنولوجيا الهولوجرام للمدارس والجامعات بالاستعانة بالمتحدثين والمعلمين من جميع أنحاء العالم لتوفر تكلفة السفر ووقته، وتقليل الأثر البيئي للسفر. وتتجاوز التقنية العديد من الحواجز التي شكلت عوائق في وقت مضى، فتمكن المعلمين من تقديم المحاضرات لعدة فصول دراسية في وقت واحد، وتسمح بربط الفصول المختلفة لتبادل الخبرات واللغات، مثلاً يمكن ربط فصل دراسي لطلاب عرب مع فصل دراسي لطلاب ألمان ما يتيح لهم تبادل الأحاديث دون الحاجة إلى السفر، وبشكل أكثر فعالية من تطبيقات الفيديو.

قادت جائحة كورونا “كلية ماكومبس للأعمال” في جامعة تكساس McCombs School of Business)) إلى الاستعانة بتقنية هولوجرام بإرسال المعلم في شكل صورة ثلاثية الأبعاد. يقول أستاذ المحاسبة ستيف ليمبرج بالكلية إن تواجده الافتراضي في الفصل الدراسي مكنه من رؤية الفصل كما يراه حينما يتواجد بداخله بشكل جسدي، مضيفاً أنه تمكن من معرفة ما إذا كان الطلاب مشتتين أو إذا كانوا يريدون لفت انتباهه برفع يد أو إيماءة، وعندما كان الطالب يود طرح سؤال، انتقلت صورة ليمبرج إلى الجانب الأيسر أو الأيمن من الغرفة للرد. وأثناء فترات الراحة، تمكن للطلاب من الاقتراب منه لإجراء محادثة غير رسمية، كما يفعلون معه خلال وجوده الجسدي.

ستساعد تقنية هولوجرام في تخطي حواجز زمنية ما سيفيد في حصص التاريخ على سبيل المثال، إذ سيتمكن الطلاب من حضور الأحداث التاريخية عن طريق محاكاة لها، فيستطيعون حضور حرب عظيمة، أو خطاب تاريخي مؤثر، أو لحظة إعلان استقلال دولة ما.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز فرص وتحديات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم الأساسي؟

 فعالية الهولوجرام في تعزيز المحتوى التعليمي

تمكن تقنية الهولوغرام طلاب التاريخ من السير في مبنى عمره 3000 عام، أو طلاب العلوم من الدخول إلى الجزيء أو مشاهدة العمليات الداخلية للقلب البشري. وهذا ما جربه طلاب أستراليين في مدرسة كانبيرا (Canberra School) والذين تلقوا دروسهم بتقنية الهولوغرام بالتعاون مع شركة بيرسون التي تستعين بتقنية مايكروسوفت الجديدة “مايكروسوفت هولو لنز” (Microsoft HoloLens).

ويوضح مارك كريستيان، مدير التعليم الشامل في بيرسون، أن الوصول إلى القطع الأثرية الفعلية من الحضارات القديمة أمر صعب للغاية، ولكن باستخدام تقنية الهولوجرام، نقوم ببناء صندوق ثلاثي الأبعاد من القطع الأثرية التي تستحضر الأشياء القديمة لطلاب المدارس الثانوية. لذا، فبدلاً من القراءة عن العمارة الصينية القديمة أو النظر إلى صورة منزل عمره 3000 عام، يمكن للطلاب المشي داخل المنزل بأنفسهم. ويضيف أن هذه التقنية أثبتت فعاليتها حتى مع الطلاب الذين يعانون من الرياضيات، إذ يمكن لها أن تجعل المعادلات تنبض بالحياة حرفياً مع التمثيل المادي لما تعنيه الأرقام.

وخلال العقد الأخير، شهد عدد من كليات الطب تطبيق تقنية هولوجرام في الصفوف الدراسية لتشريح أعضاء الجسم البشري، فقد عقدت الجامعة الأميركية “كيس ويسترن ريسرف” (Case Western Reserve University) شراكة مع “مايكروسوفت” للاستعانة بنظام الأخيرة “هولو لنز” (HoloLens) للمساهمة في تدريس علم التشريح، حيث يسمح للأساتذة والطلاب برؤية جسم الإنسان ثلاثي الأبعاد بالكامل أمامهم، وتحريكه وإزالة الأجزاء واستبدالها، ويمكنهم من رؤية العضلات التي تعلو الهيكل العظمي بوضوح، إذ يمكنهم جعل الجسم شفافاً للنظر إلى الداخل وفهم تشريح القلب. ويوضح أحد الطلاب المشاركين في المشروع أنه عندما رأى الصمام الأبهري ثلاثي الأبعاد أمام عينيه، فهم لأول مرة مكانه وكيف يعمل حقاً. 

ستساهم هذه التقنية في تحسين ثقة الطلاب في تعلم علم التشريح دون ضغوط التعلم على الجثة البشرية.

الهولوجرام، مثل أي تقنية أخرى، لا يزال لديها بعض العيوب مثل ارتفاع تكلفة إنتاجها ومعداتها بالمقارنة مع الإسقاط ثنائي الأبعاد، والوقت الطويل الذي يستغرقه إنشاء الصور ثلاثية الأبعاد، وضرورة تجهيز الفصول بمعدات مناسبة، ما يجعل تطبيق هذه التقنية في البلدان النامية أكثر صعوبة من البلدان المقدمة. ولكن، كما تخطى الباحثون التوقعات في تطوير تقنيات الواقع المختلط خلال العشرين سنة الماضية، يمكنهم تحويل تقنية الهولوجرام لتصبح أكثر سهولة وأقل تكلفة.