تقرير كامل عن البُعد الأخلاقي والقانوني لإنتاج أطفال معدَّلين جينياً

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يدَّعي هي جيانكوي (وهو باحث صيني من جامعة ساذرن للعلوم والتكنولوجيا في مدينة شنجن) أنه أنتج أول طفلتيْن معدَّلتيْن جينياً، وهو يواجه الآن تحقيقاً حول ما إذا كانت التجربة قد خرقت القوانين أو القواعد الصينية.

وفي يوم الأحد 25 نوفمبر الماضي، كانت إم آي تي تكنولوجي ريفيو أول من كشف عن وجود مشروع سرِّي في الصين لإنتاج أطفال معدَّلي الجينات لجعلهم مقاوِمين لفيروس الإيدز.

وفي وقت لاحق، أصدر هي جيانكوي (الباحث المشرف على هذه المحاولة) بياناً عبر مقطع فيديو قال فيه إن الفتاتين السليمتين لولو ونانا قد تمَّت ولادتهما “قبل بضعة أسابيع”.

وقال بأنه قد تم الحمل بالفتاتين باستخدام تقنية التلقيح الاصطناعي، ولكن فريقه أضاف “القليل من البروتينات وبعض المعلومات” إلى البويضات الملقَّحة. وكان ذلك إشارة إلى تقنية كريسبر الخاصة بتعديل الجينات، التي استخدمها على ما يبدو لإزالة جين يدعى CCR5، وقد أثار هذا الادِّعاء موجة من الانتقادات في الصين والخارج من عددٍ من الخبراء الذين قالوا إن التجربة انطوت على مخاطر غير مقبولة لغرض طبي مشكوك فيه.

وقد ذكرت الوثائق المرتبطة بالتجربة أن الدراسة كانت بإشراف هي جيانكوي وجينتشو تشين، وقالت بأنه تمت الموافقة عليها من قبل لجنة الأخلاقيات في مستشفى هارموني كير شنجن للنساء والأطفال.

كما قال مجلس خبراء الأخلاقيات الطبية بمدينة شنجن يوم الأحد 25 نوفمبر الماضي إنه سيبدأ تحقيقاً في بحث هي جيانكوي، وأصدر بياناً يقول فيه إن مستشفى هارموني كير “لم يقم أبداً بإعداد التقارير المناسبة وفقاً للمتطلبات، حسب النتائج التي توصلنا إليها”. وقال جيانغ سو تشي (المدير الطبي السابق لهذا المستشفى الخاص) لصحيفة ساذرن كابيتال نيوز إنه لا يتذكَّر الموافقة على بحث هي جيانكوي عندما كان عضواً في لجنة الأخلاقيات.

وقالت ليو يينغ (من معهد الطب الجزيئي بجامعة بكين): “هاتان الطفلتان هما بمنزلة حيوانات التجارب، وستتعرَّضان لعملية النضج بالكامل دون أن تدركا المخاطر في وقت مبكر”.

ودعا تشين شيي (رئيس جامعة ساذرن للعلوم والتكنولوجيا التي ينتمي إليها هي جيانكوي) لاجتماع طارئ للباحثين المرتبطين بالمشروع، ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام الصينية فقد قال: “لا علاقة لهذا الأمر بجامعة ساذرن للعلوم والتكنولوجيا، ولم يتم إجراء البحث في الجامعة”. ووفقاً لقسم البيولوجيا في الجامعة، فإن البحث “ينتهك -وبشدة- المعايير والقواعد الأخلاقية والأكاديمية”.

ويُذكر أن هناك توجيهاً قد صدر عام 2003 لعيادات التلقيح الاصطناعي في الصين يحظر نقل الأجنة المعدَّلة جينياً لبدء الحمل، ولم يقم ريان فاريل (المتحدث الإعلامي الأميركي باسم هي جيانكوي) بالرد على الأسئلة المتعلقة بشرعية المشروع.

ولا يزال من غير الواضح أين أجرى هي جيانكوي بحثه ومن الذي قام بتمويله. وقال فاريل: “لقد أوضح هي جيانكوي لي أنه أخذ إجازة اختيارية منذ سنوات للتركيز بشكل كامل على البحث وليس التعليم”.

وتأتي أخبار ولادة الطفلتين عشية انعقاد قمة عالمية حول تعديل الجينات في هونغ كونغ لمناقشة تنظيم هذه التقنية القوية، ويذكر موقع ستات بأن الأكاديمية الصينية للعلوم قد امتنعت عن رعاية الاجتماع وأنها لن تلعب أي دور رسمي فيه.

وقال إيريك توبول (وهو طبيب وعالم بمعهد سكريبس للأبحاث في لا هويا بولاية بكاليفورنيا) إنه سبق أن تم تزويده بمعلومات عن التجربة، ولكن ليس بما يكفي لتحديد ما إذا كان تعديل الجينات قد نجح أم لا. كما انتقد توبول عدم وجود تقرير علمي يصف البحث.

وقد كان تقرير الطفلتين مفاجأةً كبيرة في الصين كما هو الحال في أي مكان آخر، حيث قال تشانغ لين-تشي (نائب مدير المركز الشامل لأبحاث الإيدز في جامعة تسينغهوا): “من المستحيل التنبؤ بالنتائج؛ حيث إن معظم الناس في دهشة كاملة، بما فيهم أنا”.

ومن ناحية أخرى نجد أن مجموعة من 122 أكاديمياً وعالماً صينياً قد أصدرت بياناً أدانت فيه أبحاث هي جيانكوي، ودعت السلطات إلى تأسيس نظام قانوني لتعديل الجينات، وقالوا: “إن هذا يمثل ضربة كبيرة لصورة علوم الحياة الصينية وتطوُّرها على الصعيد العالمي، وهو أمر غير عادل أبداً بالنسبة إلى العديد من الباحثين الصادقين والمخلصين الذين يعملون على الالتزام بالممارسات الأخلاقية في مجال العلوم”.

وفي شريط مقطع الفيديو، قدَّم هي جيانكوي نفسه على أنه شهيد في سبيل قضية أسمى، وقال: “أدرك أن عملي لا بدَّ من أن يكون مثيراً للجدل، ولكن العائلات في حاجة إلى هذه التقنية، وأنا على استعداد لتحمُّل هذا النقد”.

تقرير أميركي كان بمثابة الضوء الأخضر

ولكن من لديه السلطة ليوافق أو يمنع إنتاج الأطفال المعدَّلين جينياً؟ وفقاً لتفكير هي جيانكوي، فقد كانت الإجابة بسيطة، وهي الأكاديميات الوطنية الأميركية للعلوم والهندسة والطب.

وكان ذلك وفقاً لوثيقة تعود إلى مارس 2017، وقد كتبها هي جيانكوي على أنها حالة أخلاقية لما زعم أنها أول محاولة ناجحة لإنتاج أطفال تم تعديل حمضهم النووي بواسطة أداة كريسبر لتعديل الجينات عندما كانوا بيوضاً في المختبر.

وقد أكَّد هي جيانكوي في مقترحه لمراجعي أخلاقيات المستشفى بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وأخبرهم أنه قبل شهر واحد فقط من ذلك الحين -أي في فبراير من عام 2017- وافقت الأكاديميات الأميركية “لأول مرة” على فكرة تعديل الأجنة البشرية من أجل علاج الأمراض الخطيرة.

وبغض النظر عن أن الأكاديميات الأميركية لا تعتبر هيئة تنظيمية أو حكومية، إلا أنها لا توافق على تجارب محدَّدة أو تحظرها، وأن تقرير التعديل الجيني الذي صدر عن الهيئة الاستشارية في ذلك العام قد حذَّر من أن تعديل الجينوم القابل للتوريث “ليس جاهزاً للتجربة على البشر حتى الآن”.

وبالنسبة إلى هي جيانكوي كان المهم هو الاستنتاج الأساسي للتقرير، فعلى الرغم من العديد من ملاحظات التحذير، إلا أن رسالة ذلك التقرير كانت واضحة؛ فهو لم يوافق على تعليق إنتاج الأطفال بتقنية كريسبر كما كان يأمل البعض في ذلك الوقت، بل قال بعكس ذلك، وهو أنه من المسموح إنتاج الأطفال معدَّلي الجينات إذا كان الهدف هو علاج الأمراض الخطيرة أو الوقاية منها. ولذلك لا يجب علينا التحقيق مع جيانكوي فقط، بل أيضاً مع الخبراء الذين أصدروا تقريراً يقول في جوهره إن تقنية هندسة الخط الإنتاشي هي أمر حتمي.

وبالنسبة إلى بنجامين هورلبت (المتخصص في أخلاقيات البيولوجيا في جامعة ولاية أريزونا) فإن المشكلة تكمن في السباق نحو الاكتشافات الجديدة، “حتى عندما يكون هناك شك خطير حول ما إذا كان يجب استخدام التقنيات التي يتم تطويرها”.

وهو يقول: “يمكن للباحثين الاستمرار في التأكيد على أن أبحاثهم الأساسية لا علاقة لها بالتطبيقات السريرية، ويمكن تجنب التعامل مع مخاطر الأمر. وقد كانت الأبحاث موجَّهة على مدى عقود نحو السباق في العلوم والوصول أولاً، ومن ثم طرح الأسئلة في وقت لاحق. هذا الأمر من صنعنا، ولكن من الصعب التراجع عنه”.

وهذا الأمر مهم لا سيما في الوقت الحالي؛ حيث يقوم علماء البيولوجيا بقفزات هائلة نحو السيطرة على الأجنة والخلايا الجذعية بطرق قد تؤدي إلى أساليب إنجابية جديدة، أي إلى طرق جديدة للحمل والولادة.

ويقول هورلبت: “هناك اتجاه نحو مجموعة واسعة من الاستخدامات التي سيجدها الكثير من الناس غير مسؤولة وغير مرغوب فيها، وكما يُظهر تاريخ تقنيات الإنجاب المساعد، فهي لا تبعد سوى خطوة قصيرة عن تطوير تقنية في المختبر لاستخدامها في إنتاج الأطفال، حتى لو ظلَّت المخاطر مجهولة”.

وتكمن المشكلة في أن العلماء يحرصون على الحفاظ على استقلالهم الذاتي، ويريدون تجنب القواعد الحكومية التي قد تمنع بعض الحقائق أو التقنيات المستقبلية التي لم يتم اكتشافها بعد، ولذلك نادراً ما يقول العلماء في اجتماعاتهم السرية “لا أبداً” لأيٍّ من مجالات البحث.

وقد نشرت الأكاديميات الأميركية هذا الأسبوع بيانًا يردُّ على ادعاءات هي جيانكوي حول إنتاج طفل بتقنية كريسبر، وقاموا ببساطة بإعادة صياغة نفس استنتاجات عام 2017 التي استخدمها العالم الصيني تبريراً لأعماله.

كما نشر بول نوبفلير (عالم بيولوجيا الخلايا الجذعية) تغريدة يقول فيها: “إنه بيان مخيِّب جداً للآمال ومخفِّف من قبل منظمي قمة التعديل الجيني حول أخبار المشروع المشين لإنتاج الأطفال بتقنية كريسبر من قِبل أحد متحدثيهم في الاجتماع، هذا البيان لا يدلُّ أساساً على شيء”.

دعوة إلى تعليق إنتاج الأطفال المعدَّلين جينياً

وقد دعا فنغ تشانغ (أحد مخترعي تقنية كريسبر لتعديل الجينات) إلى فرض تعليق عالمي على استخدام التقنية لإنتاج أطفال معدَّلين جينياً. وتأتي دعوته -وهو عضو في معهد برود التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد- بعد يوم واحد من ادِّعاء هي جيانكوي بإنتاج الفتاتين التوأمين.

وقال تشانغ في بيان تم تقديمه إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو: “بالنظر إلى الحالة الراهنة للتقنية، فإنني أؤيد التوقف عن زرع الأجنة المعدّلة”. كما قال إن مخاطر التجربة تفوق فوائدها، وإنه “قلق للغاية” من أن المشروع الصيني تم تنفيذه بسرية، مما جعل الخبراء الطبيين يتساءلون عما إذا كانت ضرورية أو آمنة.

وفي وقت سابق، قالت بعض الهيئات الأكاديمية -بما في ذلك الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم- إنه يجب إنتاج الأطفال المعدَّلين جينياً فقط في ظل ظروف صارمة من السلامة والرقابة.

وقد كان تشانغ -في عام 2013- أول من أظهر كيف يمكن استخدام أداة كريسبر لتعديل الحمض النووي في الخلايا البشرية، وهي خطوة سمحت باستخدامها في نهاية المطاف لتعديل الأجنة البشرية.

وفيما يلي بيان تشانغ الكامل:

 

على الرغم من أنني أقدِّر التهديد العالمي الذي يشكِّله فيروس الإيدز، إلا أن مخاطر تعديل الأجنة في هذه المرحلة لإزالة الجين CCR5 يبدو أنها تفوق الفوائد المحتملة، فضلاً عن أن إزالة هذا الجين قد تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بفيروس غرب النيل. وعلى نفس القدر من الأهمية، توجد بالفعل طرق شائعة وفعَّالة للغاية لمنع انتقال فيروس الإيدز من الأم إلى طفلها الذي لم يولد بعد.

وبالنظر إلى الحالة الراهنة للتقنية، فإنني أؤيد التوقف عن زرع الأجنة المعدَّلة -والذي يبدو أنه هو الهدف من تجربة إزالة الجين CCR5- حتى نتوصل أولاً إلى مجموعة من متطلبات السلامة المدروسة.

ولا أرى هذا الأمر محفوفاً بالمخاطر فحسب، ولكنني أشعر أيضاً بقلق عميق حيال الافتقار إلى الشفافية في هذه التجربة، حيث إن جميع التطورات الطبية سواءً كانت تعديلاً للجينات أو غير ذلك -وخاصة تلك التي تؤثر على الأشخاص الضعفاء- يجب أن تخضع للاختبار بحذر وبحكمة، ويجب أن تُناقش علانية مع المرضى والأطباء والعلماء وأعضاء المجتمع الآخرين، وأن تطبَّق بطريقة عادلة.

وقد قال المجتمع البحثي الدولي في عام 2015 إنه سيكون من غير المسؤول المضيُّ قدماً في أي تعديل للخط الإنتاشي الجيني دون “توافق اجتماعي واسع حول مدى ملاءمة التطبيق المقترح”. (كان هذا هو البيان التوافقي الصادر في عام 2015 عن القمة الدولية حول تعديل الجينات البشرية).

وآمل أن تكون القمة القادمة بمنزلة منتدى لإجراء محادثات أعمق حول الآثار المترتبة على هذا الخبر، وتقديم إرشادات حول كيف يمكننا -كمجتمع عالمي- الاستفادة بشكل أفضل من تعديل الجينات.