قريباً.. سنرى الفن القائم على مساعدة الذكاء الاصطناعي في كل مكان

9 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يعتبر كريس رودلي نفسه فناناً أو عالم كمبيوتر. ولكن عندما قام بنشر تغريدة تتضمن صورةً أنشأها باستخدام خوارزمية تعتمد على التعلم الآلي استطاع من خلالها دمج صفحة من رسومات توضيحية لديناصورات مع صفحة تحوي أزهاراً مطبوعة، افترض الكثير من الناس أنه فنان وعالم كمبيوتر على حد سواء. كانت الصورة مدمجة بذكاء بحيث تظنها مرسومة من قبل عالمٍ بدراسة الأشجار في الحديقة الجيوراسية، ولذا انتشرت انتشار النار في الهشيم. وبعد فترة وجيزة، انهالت على رودلي رسائل تطلب شراء نسخ عالية الدقة من الصورة.

يقول رودلي، طالب دكتوراه في الثقافات الرقمية في جامعة سيدني: “كانت محاولة مماطلة ناجحة للغاية”. وأوضح أنه نفّذ هذا الدمج على “ديب آرت دوت آي أو” (DeepArt.io)، وهو برنامج عبر الإنترنت مدعوم من الشبكات العصبية العميقة (نوع من خوارزمية متقدمة للتعلم الآلي) والتي تحدد وتجمع بين عناصر أسلوب إحدى الصور وتطبقها على صورة أخرى. ولا يتطلب هذا الأمر خبرة فنية أو حاسوبية.

تُعرف التقنية التي استخدمها رودلي مع ديب آرت باسم نقل النمط، وهي إحدى الطرق المتبعة في موجةٍ جديدة من الفن القائم على المساعدة الخوارزمية. وقد شهدت هذه الأنواع من البرامج رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة حيث حسّنها المطورون لخلق أعمال أصلية وتكوينات بصرية وصوتية متطورة وجميلة على نحو متزايد بسرعة لم نعهدها من قبل مطلقاً.

ومع تنامي تعقيد وقدرة هذه الخوارزميات، فقد بدأ مستخدموها يتنازلون عن المزيد من الرقابة الفنية على مخرجاتهم إلى الآلات. ومن خلال القيام بذلك، ربما يتنازلون أيضاً عن نوعٍ آخر من السيطرة: ملكية المنتج الإبداعي. وقد تؤدي عواقب هذا الأمر إلى تغيير الطريقة المتبعة في إنتاج الفن السائد وتلقيه، وكيفية تقديرنا للفنانين الذين يبدعونه.

لا يُعتبر الفن الخوارزمي أمراً جديداً، ولكنه لم يؤدّ، في أيامه الأولى، إلى نشوء أشكالٍ فنية إنسانية أكثر. وقد كانت أول رسومات حاسوبية توليدية معروفة من تصميم عالم الرياضيات الألماني و”عرّاب الفن الحاسوبي” جورج نيس في منتصف الستينيات. وقد كانت تتألف في الغالب من رسومات بالحبر بالأبيض والأسود تمثل خطوطاً ومضلعات. وقد ظهرت قبل ذلك عام 1957 أول مقطوعة موسيقية من صنع الحاسوب، لمؤلفَيها ليجارين هيلر و ليونارد إيزاكسون والتي تدعى مقطوعة إلياك رباعية الآلات الوترية (Illiac Suite for String Quartet). مثّلت كلتا المحاولتين جهداً تجريبياً سابقاً لعصره واستهدفتا الجمهور الأكاديمي. وقد خضع كلا النتاجين الفنيين لصلابة القواعد الصارمة، البدائية التي فرضتها خوارزمية كل منهما. وحتى الأعمال التي ظهرت في وقت لاحق مثل ألبوم برايان إينو الذي ظهر عام 1996  باسم “موسيقى توليدية 1” (Generative Music 1) (صدر على قرص مرن) كانت ما تزال تعتمد على تعليمات خوارزمية بسيطة واضحة. والنتيجة النهائية هي، كما وصف إينو الموسيقى المحيطية الإلكترونية ذات مرة: “بقدر ما هي مثيرة للاهتمام، بقدر ما يمكن تجاهلها”.

لقد تطور الفن الخوارزمي بشكل كبير في العقد الماضي ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى ظهور الشبكات العصبية الاصطناعية، وهي طريقة قائمة على التعلم الآلي، وهي تقلّد بشكل فضفاض طريقة تنشيط الخلايا العصبية في الدماغ بعضها البعض. تبرز جودة الشبكات العصبية بشكل خاص في التقاط أنماط معقدة، مخفية في المواد التي درّبها المبرمج عليها. فبدلاً من الاضطرار إلى القيام بالعمل المرهق جداً المتمثل في ترميز كل قاعدة على حدة لتحويل المدخلات إلى مخرجات فنية، كما فعل كل من نيس، وهيلر، وإيساكسون، و إينو، فقد أُعدّت الشبكات العصبية لتستخلص القواعد بشكل تلقائي من المواد التي يتم إدخالها.

على سبيل المثال استخدم “ديبجاز” (deepjazz)، برنامج تم إنشاؤه من قبل طالبِ دكتوراه في جامعة “برينستون جي سونغ كيم”، الشبكات العصبية الاصطناعية لالتقاط الأنماط الموسيقية في أغاني الجاز وتوليد أغانٍ جديدة كلياً استناداً إليها. يقرأ البرنامج ملف ميدي (الواجهة البينية الرقمية للأدوات الموسيقية) ويحاول العثور على أنماط في نغمات وألحان الأغنية كما لو كانت كلمات وعبارات في لغة غير معروفة. وبمجرد اقتناع ديبجاز أنه تعلم “النحو” الخاص بإحدى الأغاني، فإنه ينتج جملاً موسيقية عشوائية تتبع قواعد ذلك النحو. حتى أن أحد الصحفيين قام بتدريب ديبجاز على إخراج إحدى حفلات موسيقى الجاز المرتجلة الخوارزمية القائمة على موضوع مسلسل “الأصدقاء” (Friends). وكانت النتيجة… مربكة.

كما اعتمد البرنامج الذي استخدمه رودلي لإنشاء زواحفه الزهرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ أيضاً على خوارزمية عصبية، وتحديداً تلك التي طورها ليون غاتيس وزملاؤه في جامعة توبنغن في عام 2015، لالتقاط عناصر المحتوى والأسلوب الفنيين في الصور. منذ إطلاق دراستهم، تم استخدام هذا النوع من نقل النمط في مرشحات الصور من الفيسبوك وبريسما، وعلى الصور المتحركة، مثل الفيديو الواسع الانتشار 2001: أوديسا بيكاسو (2001: A Picasso Odyssey). كما استخدمت كريستين ستيوارت، أيضاً، تقنية نقل النمط في فيلمها القصير وباكورة أعمالها الإخراجية “تعال اسبح” (Come Swim) لإعادة رسم تسلسل حلم قصير في نمط لوحة انطباعية كانت قد رسمتها. (كما أنها شاركت في إعداد دراسة حول التعلم الآلي لتنطلق من هنا).

لا يقتصر الفن الخوارزمي على أي من الفن التجريدي أو التجميعي. وقد استخدمت نفس تقنيات التعلم الآلي العامة لتوليد صور عالية الدقة، وشديدة الواقعية من الأشياء التي لا وجود لها بالأصل. فقط هذا الأسبوع، نشرت شركة تصنيع وحدات معالجة الرسومات “نفيديا (Nvidia) دراسة توثق كيفية قيام الباحثين بذلك تماماً، مع نتائج مقنعة بشكل لا يصدق. من بينها، واحدة تأخذ صوراً لمشهد شارع في فصل الشتاء وتتنبأ كيف  سيبدو في يوم صيفي مشمس حافل بأوراق الشجر:

وأثارت الصورة الناتجة ذعر البعض على شبكة الإنترنت، فقد كانوا يخشون أن هذه الإبداعات التي تتزايد قدرتها الإقناعية باضطراد ستضعف الثقة في وسائل الإعلام. (بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن الراحة، قامت نفيديا بمزج صورة قطط منزلية مع صورة قطط كبيرة برية، وفي بحث سابق، اختلقت صوراً لرؤوس مشاهير وهميين). واستخدم جين كوغان، وهو فنان توليدي ومؤلف كتاب “التعلم الآلي للفنانين”(Machine Learning for Artists) أساليب مماثلة لصنع صور لأماكن غير موجودة بعد على نحو واقعي تماماً، مثل صور بعض المرافئ والتلال. وعلى الرغم من أن كلاً من غاتيس ونفيديا وكوغان يستخدمون أصنافاً متمايزة من الشبكات العصبية، فإن الأنظمة الثلاثة تتدرب على الأعمال القائمة بالفعل للتوصل إلى قواعد فنية تستخدم بعد ذلك لإنشاء صور جديدة.

وبينما تستمر الإنتاجات الفنية من الخوارزميات في الدخول ضمن تصنيف التيار الرئيسي، فإننا أيضاً بدأنا نرى الشركات والمؤسسات الأكاديمية تخصص الكثير من الأموال وساعات العمل في تحسين سرعة وقدرات أساليب الإنتاج التي تقف وراء هذه الإنتاجات الفنية. وتتابع جامعة كورنيل وباحثو أدوبي العمل على نسخة متطورة من نقل النمط للصور. يمكن للعملية التي يطورونها، من بين حيلٍ أخرى، أخذ إضاءة غروب الشمس لإحدى الصور وتطبيقها على صورة نهارية لموقع آخر. كما تتابع غوغل أيضاً عملها على “تقنية فائقة الفعالية في نقل النمط”. وجد الباحثون هناك طريقة لجعل الآلات تتعلم كيفية الجمع بين أنماط متعددة في صورة واحدة، ومزجها كما لو كانت لوحات. وقد واصل غاتيس وزملاؤه في توبنغن تحسين نظامهم أيضاً، بما في ذلك إيجاد وسيلة للسماح للمستخدمين بالمعايرة الدقيقة للنتاج الفني من خلال الحفاظ على ألوان معينة أو تطبيق النمط على مناطق معينة من الصورة فقط.

الأمر المختلف هنا هو أنه مع تزايد تعقيد وقدرة هذه الخوارزميات المتقدمة، أصبح من الصعب على الفنانين السيطرة على ما سوف تولده الآلات استناداً إلى المدخلات الخاصة بها. على الرغم من قدرة المستخدمين على التحكم في البيانات التي يتم تدريب الشبكة العصبية الاصطناعية عليها، إلا أن القواعد التي يستمدها النظام من البيانات هي أشبه ما تكون بصندوق أسود. كما أن الأصعب من ذلك هو معرفة كيفية استمداد الشبكات العصبية لقواعدها، حتى بالنسبة للمبرمجين الذين بنوا تلك الآلات. يجعل هذا التعتيم من الصعب أو من المستحيل بالأحرى على الفنانين أن يشوهوا المخرجات الأسلوبية للآلة. وفي كثير من الأحيان، تكون الطريقة الوحيدة للتأثير على هذه المخرجات من خلال التجربة والخطأ – في مرحلة المدخلات، وهذا يحول دور الفنان الرقمي إلى مصارع مع الخوارزمية.

أساساً، يحول هذا النوع من البرامج المتطورة جزءاً أكبر من العمل الإبداعي إلى الآلات. وصف رودلي، الذي اشتهر بديناصور الأزهار، عملية صنع قطع نقل النمط بأنها تشبه مُخرجاً يحاول الحصول على أداء جيد من الممثل. وقال “لا يمكنك أن تضغط على زر وإذا بك تحصل على شيء مذهل”. وأضاف: “لقد تعلمت المراوغات والسمات الشخصية للخوارزمية”. وقال مؤخراً أنه قضى ساعات في العمل في برنامج فوتوشوب لتعديل ألوان “ميلاد بوتيتشيليز لفينوس” (Botticelli’s Birth of Venus) في محاولةٍ لجعل الخوارزمية تعيد خلق اللوحة بحيث تشبه ألوانها الفراء الذهبي لكلب استرداد الطريدة. (في النهاية حصل على نتائج تتضمن الشعر المطلوب ولكنه كان واضحاً للناظر.)

قد تغير هذه البرامج الطريقة التي نقدر بها الفنانين الذين يقفون وراءها، أيضاً. وبينما تتحسن هذه الأنظمة وتبدأ شركات مثل أدوبي وغوغل في طرحها ضمن منتجات العملاء لديها، فمن المرجح أن نرى المزيد من الفن الخوارزمي يخترق الثقافة السائدة. وما يفسر هذا الأمر هو أن هذه الأدوات سوف تضطلع ببعض العبء الواقع على كاهل الفنانين – مصممي الغرافيك، وموسيقيي الاستوديو، ومحرري الأفلام – مما يتيح لهم المزيد من الوقت للتركيز على “العمل الحقيقي”. ولكن مثل غيرها من أشكال الأتمتة، قد يُترجم ترك المزيد من الوقت “للعمل الحقيقي” إلى فرص عمل أقل للفنانين في الاقتصاد الرقمي.

بما أن الخوارزميات تتحسن في التقاط القواعد الجمالية الكامنة التي يُمضي الفنانون الخبراء في كثير من الأحيان سنوات في تعلمها، يمكن للشركة في المستقبل إنشاء حملةٍ إعلانية كاملة من خلال ورقة أنماط، وبعض أطر الأسلاك، وعدد قليل من المصممين فقط لربط الأمرين معاً. مثل رودلي، قد لا يحتاج هؤلاء المتعاملين مع الخوارزمية حتى إلى مجرد خلفية فنية.

ولقد بدأ هذا الأمر بالحدوث بالفعل. ابتكر “تاوباو” (Taobao)، موقع التسوق الصيني المملوك من قبل مجموعة علي بابا، إعلانات بانر لعطلة التسوق الضخمة المسماة “يوم العزّاب” من خلال تدريب الخوارزميات على تمييز أنماط تصميم الإعلانات الناجحة للتجارة الإلكترونية وتوليد إعلانات جديدة اعتماداً عليها. قبل بضعة أسابيع فقط، تباهت شركة “إيربنب” (Airbnb) بأداة داخلية تستخدم تقنيات فنية خوارزمية لتحويل الرسومات التخطيطية المرسومة باليد إلى نماذج ويب أولية مصممة بشكل كامل ووظيفي.

قد يجادل المتفائلون بأن الصفات الإنسانية الغامضة والفطرية مثل الابتكار، والعاطفة، والنيّة سوف تحمي الفنانين من أن يُستبدلوا بالخوارزميات. ومن المؤكد أنه، على الأقل في المستقبل القريب، ستحمي هذه الصفات بالتأكيد بعض أجزاء العملية الإبداعية وبعض أنواع الفنانين (وخاصة على صعيد الفنون الجميلة التي تضع قيمة عالية على الأصالة). ولكن هذا لا يكفي لطمأنة الفنانين في التخصصات التجارية مثل التصميم الجرافيكي، أو كتابة الأغاني الشائعة، أو معارض التصوير الفوتوغرافي، الذين قد يجدون جوانب من وظائفهم قد استُبدلت بخوارزميات دون مستواهم ولكن أرخص بكثير.

كما أنه لا يتّضح مدى السيطرة الابتكارية التي يمكن للفنانين منحها للخوارزميات مع احتفاظهم بملكيتهم القانونية على أعمالهم. إذ يمكن في بعض الحالات لمالكي البرمجيات استخدام اتفاقيات ترخيص المستخدم النهائي – تلك الطباعة الصغيرة المبهمة التي ننقر عليها “أنا أوافق” دون قراءتها من أجل استخدام العديد من المنتجات الرقمية – للمطالبة بالملكية أو التنازل عنها، أو شيء ما بين الأمرين.

ووفقاً لقرار محكمة محلية صدر في عام 2001، قضية توراه سوفت المحدودة ضد دروسنين، عندما يقوم مستخدم نهائي (في هذه الحالة، فنان) بعمل شيء بمساعدة البرنامج، قد تكون شركة البرمجيات قادرة على المطالبة بملكية العمل إذا اعتُبرت البرمجيات مسؤولة عن “حصة الأسد من الإبداع”.

من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت المحاكم الأخرى سوف تتبع هذا المنطق نفسه أو تبتعد عنه، ولكن برز هذا المنطق القائم على تحديد ما يشكل “حصة الأسد” مؤخراً في قضية دراماتيكية، يمكن أن تكون معلماً واضحاً في هذا المجال، بين الشركة الراقية لرسومات الكمبيوتر “موفا” (Mova) واستوديوهات السينما الرائدة ديزني، وفوكس، وبارامونت.

تعترف الاستوديوهات باستخدامها عن سابق علمها تقنية موفا المسروقة لتحويل تعبيرات وجوه الممثلين إلى رسومات حاسوبية واقعية في أفلام مثل “حراس المجرة” (Guardians of the Galaxy) و”الحالة الغريبة لبنجامين بوتون” (The Curious Case of Benjamin Button). تدّعي موفا أنه نظراً لأن أدواتها تقوم بنصيب الأسد من العمل الإبداعي في توليد الوجوه، فإن أيّاً من الشخصيات المتحركة التي تظهر في الأفلام هي أعمال مشتقة غير قانونية (مما يعني: استحقاق الشركة لمبالغ طائلة من المال). وتردّ الاستوديوهات أن الممثلين والمخرجين يقومون بنصيب الأسد من العمل، وأنه إذا أخذت المحكمة برأي موفا، فسيشكل هذا الأمر سابقة خطيرة على صعيد الفنانين الرقميين.

إذا تحولت نظرية (موفا) القائمة على أن الملكية تعود لصاحب البرنامج إلى قانون، فستُعتبَر أدوبي أو مايكروسوفت المؤلفة و المالكة لأية أعمال تعبيرية ينشئها مستخدمو فوتوشوب أو وورد باستخدام تلك البرامج”، كتبت كيلي كلاوس، محامية الدفاع عن الاستوديوهات المُدعى عليها.

في وقتنا الراهن، تحمي ثقافة المصادر المفتوحة المنتشرة في مجتمع الفن الخوارزمي الفنانين من بعض هذه المخاوف. ولكن مع تحوّل الأدوات إلى المجال الخاص، قد يجد الفنانون أنفسهم في مأزق اعتماداً على موقف النظام القضائي.

وقد يتسبب التنازل عن الإبداع إلى البرامج أيضاً في تحويل عنصر تحكمٍ نهائي للفنانين: كيف ينظر الجمهور إلى عملهم. قد يضطر عشاق الفن إلى تحويل تحليلهم – الذين يستغرق منهم ساعات طويلة لتفسير خيارٍ أسلوبي أو لتحليل نية المبدع، عندما تؤدي أسئلة النوايا هذه إلى الصندوق الأسود للشبكة العصبية الاصطناعية. قد يكون هناك أيضاً التباس أو إحراج أو عدم ثقة في عالمٍ يزداد فيه غموض حقوق التأليف البشرية على نحو متزايد.

ومن المرجح أن يُضعف هذا الأمر تلقّي الفن اعتماداً على النقد ليرتبط بشكل أكبر بالذوق وعلم الجمال. قد يخيّب هذا الأمرظنّ النقاد الفنيين، كما يوضح رودلي، ولكنه يقول أنه يعتقد أن هذا الأمر سيجعل الفن سهل المنال. فهو يقول: “إنه يهدد النموذج الحالي للفن، ولكنه لا يهدد الإبداع البشري بالإجمال”. ويضيف أيضاً: “يجب ان نتحدى الفكرة القائلة بأن علينا فقط الاستماع الى الفنانين.

لقد أسفرت كافة التكنولوجيات التي غيرت طرق إنتاج وتلقّي الفن بشكل جذري عن أشكال جديدة وعميقة من التعبير الإبداعي. كما قال رينوار: “من دون ألوان في المواسير، لم نكن لنحصل على سيزان، أو مونيه، أو بيسارو، أو مدرسة انطباعية على الإطلاق”.

ومع ذلك، يمكن لهذه الأدوات أن تأتي على حساب الفنانين. إذ مع الطباعة جاء الإنتاج الجماهيري. ومع ملفات MP3 جاءت القرصنة. ومع أجهزة الكمبيوتر جاء التحول إلى وسائل الإعلام الرقمية. ومع الفوتوشوب جاء انعدام الثقة. لن يكون الفن الخوارزمي استثناء لهذه القوى التاريخية. إن العالم المفعم بالحيوية بسبب ما زودته به الخوارزميات من إمكانات فنية سوف يصبح مظلماً من احتمال فقدان الفنانين للسيطرة.