ما الذي علينا فعله إذا رصدنا كويكباً ضخماً يندفع نحو الأرض؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل السيناريو التالي: رصد العلماء للتو كويكباً يندفع نحو الأرض، ووفقاً لحساباتهم، سيكون الضرر كارثياً ولا نملك الوقت الكافي للاستعداد. وفي هذا السيناريو يتخذ الخبراء قراراً بأن أفضل خطة للتصدي لهذا الكويكب هي إطلاق مركبة فضائية مزودة ربما بأسلحة نووية.

على الرغم من أن هذا السيناريو قد يبدو شبيهاً بحبكة“فيلم أرمجدون” على نحو غريب، إلا أنها أيضاً الحبكة التي يتناقش حولها أعضاء “المؤتمر الدولي السادس للأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية”، حيث اجتمع ممثلون عن الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية “ناسا“، و“الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ الأميركية”، و”وكالة الفضاء الأوروبية”، و”منظمة الأمم المتحدة”، وغيرهم من خبراء الفضاء الدوليين في مدينة كوليدج بارك بولاية ماريلاند، وذلك في بداية هذا الشهر لإجراء تدريبات على كوارث الحرائق الكونية. وتبدأ فرضية محاكاة الكون بكويكب مُتخيل يسمى “كويكب 2019 PDC”، والذي ينطوي على احتمال ضربه لكوكب الأرض بنسبة 1% في عام 2027. ووفقاً لوكالة “ناسا”، اختيرت تلك الاحتمالات لهذا التدريب لأن الخبراء في مختلف أنحاء العالم يتفقون عموماً على أن هذا هو الحد الأدنى عندما يتعين علينا اتخاذ إجراءات جماعية.

بالتأكيد، قد يبدو أن هذا الاحتمال بعيد، لكن الأمر مسألة وقت فقط حتى نواجه تهديد كويكب خطير. لقد شهدنا هذا العام بالفعل اقتراب ثلاثة كويكبات من مدار الأرض، أي أنها كانت تبعد عنا ما بين 73,500 و274,000 ميل، ولكن لم يقترب أي منها بالقدر الكافي لدق ناقوس الخطر. (للتنويه فقط، تبلغ المسافة بين الأرض والقمر 238,900 ميل). تمر الكويكبات الصغيرة على مسافة 4 ملايين ميل من كوكب الأرض طوال الوقت، وشهدت الأرض دون شك بعض الارتطامات الهائلة فيما مضى، ولكن يبدو أنه من مصلحتنا أن نكون مستعدين في المرة القادمة. (وقد كُتبت جملة رائعة على قمصان طاقم وكالة الفضاء الأوروبية، وهي: لم يكن هنالك وكالة فضاء في زمن الديناصورات). إذاً، المنطق الذي نستند إليه هو أن التدريب يؤدي إلى الإتقان.

بدأ المؤتمر كأي مؤتمر آخر، إذ قدم الخبراء عروضاً تقديمية في قاعة اجتماعات عادية جداً، ولكن عوضاً عن تغطية التطورات الجديدة في هذا المجال، قدمت المحادثات مخططاً عاماً لسيناريو الارتطام الافتراضي وناقش الممثلون الأسئلة والقرارات التي قد تنجم عن ذلك. وقد طرح السيناريو قصة ذات حبكة ممتازة ومقنعة، إذ على الرغم من أن كل تغريدة من قبل المنظمين والحاضرين، بالإضافة إلى شرائح الباوربوينت، تضمنت كلمة “تدريب” بأحرف كبيرة، وجدت نفسي أصدق تلك المحاكاة عندما شاهدت البث الحي للمؤتمر من المنزل (وعلى ما يبدو، حصل ذلك أيضاً مع بعض الأشخاص الذين أصابهم الذعر لبعض الوقت خلال تفاعلهم على تويتر، ما دفع أحد الفلكيين أن يذكّر المتابعين عبر حسابه بأن السيناريو لم يكن حقيقياً). ومثل قصة الخيال العلمي ذات الحبكة الجيدة، فقد دفع كل يوم من التدريب القصة إلى الأمام. وبينما جرت الأحداث في اليوم الأول في الزمن الحقيقي، فقد جرت الأحداث في اليوم الثاني بعد ثلاثة أشهر، أي في يوليو/تموز 2019، ثم انتقلت إلى 30 ديسمبر /كانون الأول 2021 في اليوم الثالث، وبعدها إلى عام 2024 في اليوم الرابع، ثم قبل 10 أيام من الارتطام في اليوم الخامس.

في البداية، تركزت الجهود على تحديد حجم المشكلة، أي أين يمكن أن يضرب الكويكب؟ وما مقدار قوته؟ بحلول اليوم الثالث، كان الخبراء قد قدّروا بأنّ “كويكب 2019 PDC” سيضرب وسط مدينة دنفر، ويحرق المنطقة المحيطة بالكامل (استخدم أحد العلماء عبارة “المباني المنصهرة” لوصف الضرر”، كما أنه سيقذف بالموجات الاهتزازية على بعد مئات الأميال. قال الفيزيائي مارك بوسلو “إن النوافذ تتحطم من منطقة بويبلو إلى مدينة لارامي”، حيث وصف المشهد بتلخيصه في نهاية اليوم لما قد يُلحقه الكويكب من أضرار مادية.

لقد تركّز قدر كبير من النقاش على أفضل نهج يمكن اتباعه لتحويل مسار الكويكب، واقترح البعض إرسال مسبار حركي وهو الذي يُطلق لكي يصطدم بالكويكب ويدفعه نحو مسار مختلف، واقترحوا كذلك إطلاق أسلحة نووية. المشكلة هي أن العلماء ليسوا متأكدين بعد من سير كل نهج وكيف سيُدفع بالكويكب لأنهم غير متأكدين من كتلته، والذي يُعتبر أمراً مهماً جداً كما قد تتوقع عندما يتعلق الأمر بالفيزياء. تفترض لوجستيات هذا التدريب أنّ البشر سيرسلون مسباراً لدراسة الكويكب عن قرب، ولكن نظراً إلى الفاصل الزمني للمدة التي تستغرقها المركبة الفضائية للوصول إلى الكويكب، سيحتاج العلماء إلى اتخاذ قرار بشأن النهج المتبع لتحويل المسار “قبل” أن يُرسل المسبار بيانات إضافية.

في أحداث عام 2024 المتخيلة، يقرر الخبراء إرسال سلسلة من المسابير الحركية، والتي تنجح في إبعاد الكويكب عن مسار الأرض، لكن قوة الاصطدامات تُسبب أيضاً في إحداث انقسام في الكويكب، وتصوّر المحاكاة ضرب ذلك الجزء المنقسم كوكب الأرض في أبريل/نيسان 2029. لحسن الحظ، فإن الجزء المُتخيل المنقسم صغير الحجم، وفقاً لمعايير الأجرام السماوية، والذي يُقدر بحوالي 60 متراً. وفي حين أنه من المحتمل أن يصبح ذلك الجزء أصغر أو يتبخر عند دخوله الغلاف الجوي، إلا أنه لا يزال لديه القدرة على التسبب بحدوث أضرار، حيث اعتُقد على سبيل المثال أنّ نيزك “تونغوسكا (Tunguska) الذي ضرب الأرض عام 1908 كان بالحجم نفسه، وفي حين أنه لم يترك أي حفرة، إلا أنه أحرق مئات الأميال من غابات منطقة القطب الشمالي. في اليوم الخامس، تبيّن أنّ “كويكب 2019 PDC” سيضرب مدينة مانهاتن خلال 10 أيام، وسيكون الوقع “أسوأ مما حصل عندما ضرب نيزك تونغوسكا”. وقد وضع الخبراء نماذج من الأضرار وبدأوا في التخطيط لعمليات الإجلاء.

وكما هو متوقع، فإنّ جزءاً كبيراً من التدريبات تركز على صنع القرار ولوجستيات المهمة، فمثلاً، كيف نتعلم عن هذا الكويكب بقدر المستطاع؟ وماذا نفعل للحد من أضراره؟ لكن التدريبات الشاملة مثل هذه تُبرز أيضاً اعتبارات عملية أكثر إلى الواجهة، وتلقي أسئلة الحاضرين وتحليلات الخبراء الضوء على المخاوف الحقيقية التي قد يواجهها الناس في حال حدوث سيناريو كهذا على أرض الواقع.

في نهاية اليوم الثالث على سبيل المثال، بدا أحد الحاضرين أنه قد فقد المنطق تماماً، حتى بالنسبة إلى تجربة فكرية، وذلك عندما تكلّم حول احتمال تدمير مساحة ضخمة من غرب الولايات المتحدة، قائلاً: “قد أكون متحيزاً لأننا جميعاً على الساحل الشرقي هنا…” وتابع هذا الشخص بطرحه السؤال التالي: هل فكرنا في احتمال إرسال مركبة فضائية لدفع الكويكب بعيداً بعض الشيء عن أي مركز سكني رئيسي بدلاً من دفعه خارج مدار الأرض؟ لكن المتحدث برنت باربي من وكالة “ناسا” أسكته بلباقة، وقال: “أود وصف ذلك بأنه ملاذنا الأخير، وسيكون هدفنا الأساسي هو دفع الكويكب خارج كوكب الأرض”. ثم اندفع منسق النقاش أيضاً مضيفاً أنّ توجيه مسابير الحركة لن يكون دقيقاً بما يكفي لضمان الدرجة الدقيقة لدفع الكويكب. ولكن لا يزال هذا الشخص ليس الوحيد ربما الذي يطرح هذا التساؤل، إذ قد يكون الأشخاص الذين سيُكلفون باتخاذ قرارات حاسمة مثل هذه يعيشون في مدن معينة، وبقدر ما قد تكون نواياهم حسنة، إلا أنّ ذلك قد يلوّن قراراتهم.

ولكن ليس من الواضح أيضاً من هي الجهة التي ستتلقى في النهاية تلك النداءات. وقد طرح الحاضرون أسئلة حول احتمالات إعاقة بلدان مختلفة لبعضها الآخر عندما يتعلق الأمر بإطلاق مركبة فضائية تهدف إلى العمل معاً، كما لو أن ثلاث وكالات فضاء مختلفة أسهمت كل منها في إرسال مسبار حركي لإتمام مهمة عالمية. وقال بول تشوداس، مدير الجلسة وممثل “مختبر الدفع النفاث” (Jet Propulsion Laboratory) التابع لوكالة “ناسا“: “من أجل إنجاز مهمة بهذا الحجم، سنحتاج إلى تنسيق محكم. فمن خلال التدابير والبروتوكولات، يمكننا تحقيق التنسيق اللازم، ولكن سيكون من الضروري إجراء ذلك التنسيق عن كثب”.

من الناحية النظرية، سيكون هناك فريق دولي يعمل على تنسيق القرارات المهمة فيما يتعلق بما يحصل بين المجرات، مثل كيفية إطلاق دفاعات معاكسة للكويكب، أو في حال استخدام الأسلحة النووية، فمَن هي الجهة التي ستستهل عملية التفجير؟ نأمل أنّ يكون هذا التنسيق أفضل من تنسيق طاقم الخبراء في “فيلم أرمجدون”، وذلك عندما يدفع بروس ويليس الشاب بن أفليك خارجاً في اللحظة الأخيرة. ويُضيف تشوداس: “لم نطوّر بعد تلك التدابير في الوقت الراهن، لكننا نعمل على ذلك”.

يتضح أن تحديد ذلك يقع خارج إطار هذا المؤتمر، لكنه يبدو في الوقت نفسه جزءاً من أحجية، حيث ينبغي على خبراء السياسة والقانون اكتشافه قبل وقت كاف من مواجهتنا لتهديد كويكب حقيقي. ونأمل في أن يكون أي فريق معنيّ بتمثيل مصالح جميع البشر على كوكب الأرض، بمن فيهم الممثلين عن دول ليس لديها برامج فضائية خاصة بها ولكن يمكنها المساهمة بطرق أخرى، مثل رسم السياسات وتقديم الخبرة التقنية. في الوقت الحالي، فإنّالشبكة الدولية للإنذار بخطر الكويكبات (International Asteroid Warning Network) هي الجهة الأفضل التي تبحث عن الأجسام القريبة من الأرض وتراقبها وتنسق الموارد الدولية، وبينما يمثل تلك الشبكة عدد كبير من المؤسسات وذلك من البلدان التي ترتاد الفضاء، إلا أنها منحازة بالتأكيد نحو القوى الأغنى.

تبين هذه التجربة الفكرية أيضاً مدى أهمية الاستعانة بخبراء من خارج مجال الفيزياء وعلم الفلك، إذ إنه في العديد من الملخصات، ذكر الخبراء العواقب التي تنجم عن حدوث اصطدامات ضخمة للكويكبات وذلك على السفر جواً أو عبر القطارات وعلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، بالإضافة إلى احتمال زعزعة استقرار الاقتصاد، حيث تهبط قيمة العقارات في مناطق الضربة المحتملة. وأشار آخرون إلى أن المناطق الواقعة خارج نطاق الضربة المباشرة من المحتمل أن تدمرها حرائق الغابات الناجمة عن الاصطدام، وهنالك أيضاً تكاليف ثقافية حقيقية ستدفعها المنطقة المتضررة، حيث ذكر أحد الباحثين أنه عندما يحرق “كويكب 2019 PDC” مدينة مانهاتن، فإنّ المتاحف مثل “متحف المتروبوليتان للفنون” ستحتاج لأن تكون قد نُقلت مقتنياتها إلى مكان آخر بأسرع وقت ممكن.

لقد طُرح سؤالي المفضل من قبل أحد الحاضرين الذي من الواضح أنه تابع ما يكفي من أفلام الأكشن، وقد كان سؤاله: “ما هو حجم [الكويكب] الكفيل بجعل يلوستون ينشط؟” لم يبدو أنّ العلماء على المنصة قد فهموا سؤاله على الفور، لذلك تابع ذلك الشخص موضحاً أنّ الاصطدام قد ينشّط “بركان وايومنغ الهائل” (Wyoming supervolcano). فأجاب أحد العلماء قائلاً: “لم نفكر في التأثيرات البركانية”، ثم أردف صاحب السؤال قائلاً: “حسناً، ربما يُعتبر ذلك الأمر جديراً بالاهتمام”.