كيف يمكن للشبكات المصغرة الخاصة أن تشكّل مستقبل التواصل الاجتماعي؟

6 دقائق
هذه التطبيقات تهدف إلى تعزيز تواصل العائلات بشكل خاص. وبفضلها، أصبحت جوان تشين وابنتها جاسمين سون (على اليسار) أكثر تقارباً، في حين أن جيم مويرهيد (على اليمين) أصبح قادراً على رؤية الطفلة التي تبناها ابنه كونور أكثر من ذي قبل.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تلقت جاسمين سون طالبة السنة الأولى في الجامعة رسالة نصية من والدتها ذات صباح تقول: “أليس لديك محاضرة الآن؟ لماذا ما زلت في غرفتك؟”.

تعيش الوالدة، جوان تشين، في منطقة سياتل، وقد لاحظتْ أن مؤشر الموضع الخاص بجاسمين على خدمة لايف360 (Life360) -وهي خدمة لمشاركة الموضع تتيح لأفراد العائلة متابعة أماكن تواجد بعضهم البعض- كان ثابتاً في غرفتها في جامعة ستانفورد. وعلى غرار الكثير من طلاب الجامعة، تأخرت جاسمين في النوم وفوّتت محاضرة ذلك اليوم، وهو شيء لم ترغب بالضرورة في أن تعلم والدتها به.

تأوهت جاسمين بتبرّم وهي تتذكر هذه الحادثة من غرفتها الحالية في جامعة ستانفورد، حيث تمضي الفصل الدراسي: “تحب والدتي خدمة لايف360، ولكنها لا تتضمن خيارات حول ما أرغب في مشاركته”.

أما الآن، فقد وجد أفراد العائلة طريقة لمشاركة ما يريدون عند الرغبة. ففي نوفمبر، وقبل فترتها الربعية الشتوية في أوكسفورد، اقترحت جاسمين بلطف على والدتها وأختها المراهقة، التي ما زالت تعيش في المنزل، تنصيب تطبيق كوكون Cocoon الذي تم الإعلان عن إطلاقه على تويتر، والذي ابتكره موظفان سابقان في فيسبوك: أليكس كورنيل وساتشين مونجا.

من الناحية النظرية، يبدو كوكون شبيهاً بفيسبوك إلى درجة كبيرة؛ حيث إنه يهدف إلى وصل الناس في الفضاء الافتراضي. أما الفرق فهو أنه مخصَّص لوصل أفراد العائلة في مجموعات صغيرة ومتمايزة وحسب. تخيل أن تقتصر صفحة الأخبار على المستجدات التي تخص أفراد العائلة، مثل إعلان أخيك عن هبوط طائرته في رحلة العمل، أو مقطع فيديو لابنة أختك الصغيرة وهي تتعلم المشي، أو مؤشر موضع لابن عمك الذي يقوم برحلة عبر أوروبا، إضافة إلى ميزة تراسل تقوم بتجميع الرسائل مع ردودها بشكل مباشر، وذلك ضمن إطار ضيق يقتصر على أفراد المجموعة، والذي يصل عددهم الأقصى حالياً إلى 12 شخصاً فقط.

يقول مونجا: “لا يتعلق الأمر ببث الأحداث الهامة أو بناء الشخصية أو اكتساب المكانة، بل يقتصر على مساحة مخصصة لهؤلاء الأشخاص فقط. ليس هناك شبكة”.

يعتبر كوكون جزءاً من موجة جديدة من التطبيقات التي تهدف إلى تغيير أسلوب تفاعلنا على وسائل التواصل الاجتماعي. فهذه المنصات الجديدة لا تشجع على تجميع الإعجابات أو المتابعين، ولا تحثك على بذل مجهود كبير لبناء شخصيتك الإلكترونية. بل تهدف إلى إتاحة التواصل مع مجموعة صغيرة ومختارة بعناية من الأشخاص، ولا شيء غير ذلك.

تعتمد تطبيقات مثل ديكس Dex -الذي ابتكره كيفن سون- في غالب الأحيان على نموذج قديم في الأعمال، وهو برمجيات إدارة علاقات العملاء (CRM). تتصف هذه البرمجيات بأنها موثوقة وخالية من الشكليات، وهي أقرب إلى جدول إكسل، وتُستخدم لتسجيل اسم جهة الاتصال مع معلومات أخرى ذات صلة، مثل تاريخ الميلاد أو الصفات المميزة أو الميول والهوايات. يقول سون، مبتكر برنامج ديكس الشخصي لإدارة علاقات العملاء، والذي يزعم موقعه الإلكتروني أنه “يقدم لك قدرات خارقة في مجال العلاقات”: “لقد كنت أحد الأشخاص الذين يحتفظون بجدول يتضمن أسماء الأصدقاء والعلاقات الشخصية”.

هناك أيضاً تطبيق مونارو Monaru، الذي ابتكره 3 طلاب إيرلنديين شعروا بالانفصال والغربة عندما تركوا الكلية وسافروا إلى الولايات المتحدة. يتضمن التطبيق مسؤول خدمات افتراضي يساعد الأفراد على تذكر أعياد الميلاد وإرسال التذكيرات لشراء الهدايا أو الاتصال بأحد الأقارب. وقد قام باتريك فينلاي، أحد مبتكري التطبيق، بتعديل جدول إكسل وقام بإعداد تذكيرات للاتصال بالأشخاص الهامّين بالنسبة له، ولكنه وجد أن التداخل بين حياته الشخصية وحياته العملية “غريب الطابع”. وبدلاً من هذا، ومقابل مبلغ مالي، يقوم مونارو بتذكيرك إذا لاحظ أنك أهملت الاتصال بصديق مقرب أو شخص عزيز عليك.

ولكن، إذا كان ديكس ومونارو يهدفان إلى إعادة ابتكار إدارة علاقات العملاء، فإن كوكون يهدف إلى إعادة ابتكار الشبكات الاجتماعية، وهي مهمة أكبر بكثير.

تداخل غير مرغوب
لا يمكن أن نصف النموذجَ الحالي للتواصل الاجتماعي بأنه مناسب تماماً للمشاركة العائلية، فالأجيال المختلفة تميل إلى التجمع في أماكن مختلفة، حيث يُعتبر فيسبوك فردوس مواليد فترة الطفرة (ما بين 1946 و1964)، ويمتلك إنستجرام جاذبية خاصة بالنسبة للألفيين أو الجيل واي (مواليد 1981 إلى 1996)، أما تيك توك فهو مركز تجمع الجيل زد (مواليد أواخر التسعينيات وبداية القرن الجديد). وقد ساعد واتس آب إلى حد ما على ردم الهوة بين الأجيال المختلفة، ولكن تركيزه على التراسل جعل أثره محدوداً.

إن نشر خبر موجَّهٍ لأفراد العائلة حول إجازة ما عبر المنصات المختلفة، مثل إنستقرام أو فيسبوك، قد لا يكون ملائماً تماماً. فهل ترغب أن تكون هذه الأخبار مكشوفة أيضاً لزميلك في المكتب، أو أحد معارفك في نادي القراءة، أو صديقك اللدود من المرحلة الثانوية؟ تقول كورتني والش، وهي مُحَاضِرة في مجال التطور البشري والعلوم العائلية في جامعة تكساس، كما قدمت استشارتها لمنصة كوكون: “تتعامل منصات التواصل الاجتماعي مع الجميع بنفس الطريقة، سواء الأصدقاء أو أفراد العائلة أو المعارف. وبرأيي، فإن ما نفعله على منصات التواصل الاجتماعي خالٍ تماماً من المسحة الشخصية”.

تهدف منصة كوكون إلى تغيير أسلوبنا في المشاركة. وقد انطلقت في عطلة عيد الشكر، وسجل أكثر من 10,000 مستخدم اشتراكهم فيها ذلك الأسبوع وفقاً لمونجا. يبقى كل شيء تنشره محصوراً بالمجموعة، ويشبه التطبيق عالماً صغيراً مستقلاً؛ حيث إن صفحة الأخبار هي الصفحة الرئيسية، التي تحيي المستخدمين بجميع التحديثات الجديدة منذ آخر تسجيل دخول، كما أن ميزة التراسل الفوري تتضمن تجميع الرسائل مع ردودها بحيث تساعد على تنظيم الحوارات. أما الصور ومقاطع الفيديو والروابط التي يشاركها أعضاء المجموعة فهي موجودة ضمن “خزنة” يستطيعون جميعاً الدخول إليها.

يقول كورنيل: “نحن لا نقوم بتتبع الوقت الذي يمضيه المستخدمون على المنصة، على الرغم من أنه أحد الأهداف الشائعة التي تسعى أغلب المنصات إلى تحسينها. لا يهمنا هذا الأمر. إن هدف المنصة هو أن تكون قادراً على الدخول والتواصل لرغبتك في ذلك. أريد للمستخدمين أن يغمرهم إحساس حميمي دافئ، على عكس التوتر الناتج عن الدخول إلى تويتر”.

يعمل كونور مويرهيد مطورَ برمجيات في ولاية واشنطن، وقد سمع لأول مرة بمنصة كوكون عبر دردشة جماعية في مكان عمله، وأثار ما سمعه اهتمامه. يعارض كونور استخدام منتجات فيسبوك من وجهة نظر أخلاقية؛ وذلك بسبب ممارسات شركة فيسبوك حول البيانات (على الرغم من أنه يستخدم واتس آب على مضض للتواصل مع عائلته، خصوصاً والده جيم الذي يعيش في كندا). أيضاً، قام كونور وزوجته بتبني طفلة منذ فترة قريبة، ويرغبان في مكان آمن لمشاركة الصور مع العائلة الكبيرة: “لم نكن لنقبل بمشاركة الصور والفيديوهات لأي سبب آخر، لأننا نرغب بشدة في أن تشاهد العائلة ظرافتها”.

في البداية، تردَّد مويرهيد في تنصيب تطبيق جديد، ولكن وعد كوكون بعدم بيع معلوماته الخاصة إلى أي طرف ثالث أثار اهتمامه. وعلى الرغم من أن التطبيق مجاني حالياً، يقول مونجا وكورنيل إنهما يعتزمان الاستفادة من التطبيق مالياً في نهاية المطاف، وذلك ببيع الاشتراكات، لا الإعلانات. يقول مويرهيد: “لقد نجحا في الترويج للمنصة، وذلك عندما قالا إنهما يريدان أن تكون مكاناً خاصاً ومحمياً وآمناً”.

هذه الخصوصية هي التي تمكنت جاسمين وجوان من التعامل معها بمرونة عندما كانت في ستانفورد، والآن في أوكسفورد؛ ففي هذا التطبيق، يمكن أن تشارك جاسمين موقعها حسب المدينة، بدلاً من إحداثيات نظام تحديد المواضع العالمي. تقول جاسمين: “أعتقد أن عدم مشاركة الموقع الدقيق قربتنا من بعضنا البعض. إن هذه الميزة تعطي شعوراً بالمساواة والندية”.

تشغل كيت إيتشهورن منصب أستاذ مساعد في الثقافة والوسائط في جامعة نيوسكول، وهي مؤلفة كتاب “The End of Forgetting: Growing Up With Social Media نهاية النسيان: عندما كبرنا مع وسائل التواصل الاجتماعي”. وقد أطلقت اسماً على هذه الموجة الجديدة من وسائل التواصل الاجتماعي التي ظهرت بعد فيسبوك: الشبكات الميكروية.

بالنسبة لإيتشهورن، فإنه ليس من المستغرب أن فضائح البيانات في العقد الماضي أدت إلى الرغبة في وجود شبكات أصغر وأكثر تحديداً. وفي الواقع، فإن اليافعين يعملون على بناء نسخهم الخاصة من هذه الشبكات باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي الحالية. تقول إيتشهورن: “إن اليافعين والمراهقين مدركون تماماً لمسائل إدارة السمعة. وقد بدؤوا ينشؤون مجتمعات ميكروية على فيسبوك وإنستقرام، كما أنهم يبحثون عن أماكن أخرى تسمح بذلك أيضاً”.

إن تقبل المشتركين لنموذج الأعمال المدعوم بالتسجيل المدفوع أمر حاسم لنجاح تطبيقات مثل كوكون. وتقول إيتشهورن إنها تشعر بالفضول لرؤية نتيجة هذا التغير بعد عقدين تقريباً من الاستخدام المجاني لوسائل التواصل الاجتماعي لأي شخص مستعد لتقديم بياناته الشخصية للشركات؛ لأن الناس غير معتادين على الدفع لقاء هذه الخدمات، وتقول: “هل يشعر الناس بالقلق إزاء مسألة الخصوصية لدرجة تدفعهم إلى التخلي عن فكرة المنصات المجانية؟ هل سيدفعون تكلفة الاشتراك لاسترجاع خصوصيتهم؟”

أما السؤال الكبير الآخر فهو التالي: هل يعد هذا النموذج ناجحاً بالفعل؟ وهل يمكن للشخص أن يتقرب أكثر من العائلة عن طريق استخدام تطبيق؟

إذا شئنا الاعتماد على المشاهدة المباشرة، فإن كلتا العائلتين اللتين تحدثت معهما لاحظتا أن المحتوى المنشور ضمن التطبيق أكثر انفتاحاً وصدقاً مما يُنشر على إنستقرام أو فيسبوك. وعلى سبيل المثال، فقد لاحظت جاسمين أنها يمكن أن تنشر صورة التُقطت على عجل، بل وغير واضحة تماماً، ولا تشعر بأية مشكلة كما تشعر عند النشر على إنستقرام. وقد قالت لي: “هناك معايير نمطية محددة على إنستقرام”، وأضافت أنها تستخدم أحياناً حساباً مزيفاً على إنستقرام للأصدقاء المقربين فقط.

تقول ميريام كيرماير، وهي عالمة نفس سريرية وخبيرة في الصداقة: “إن الثقة تولّد الأصالة. من السهل أن نشارك أجزاء حياتنا التي تحمل بعض النواقص عندما نشعر بأن الآخرين يتقبلوننا على طبيعتنا، وأننا لسنا مضطرين للقلق إزاء رفض الآخرين لنا أو الأحكام التي قد يصدرونها علينا”.

ما زال كوكون تطبيقاً جديداً بمجموعة صغيرة نسبياً من المستخدمين، وهذا يعني وجود أخطاء برمجية. كما أن التراسل لا يعمل بانسيابية طوال الوقت؛ حيث إن الدردشة تقوم بتفعيل مشاركة الصور بشكل افتراضي بدلاً من كتابة النص، مما جعل من استخدامها أمراً مزعجاً بالنسبة لعائلة مويرهيد خلال الأزمة الصحية الطارئة التي تعرض لها الوالد جيم مؤخراً، وقد شعر أفراد العائلة بالإحباط والانزعاج من تكرار النقر لدرجة أنهم انتقلوا إلى استخدام واتس آب.

على الرغم من هذا، فإن هذه الشبكات الميكروية ومقدار التحكم الذي تقدمه للمستخدمين قد تعيد صياغة تفكيرنا حول وسائل التواصل الاجتماعي وأسلوب استخدامنا لها في العقد المقبل، سواء أكان هذا عن طريق كوكون أو أي تطبيق آخر يتبعه. تقول إيتشهورن: “في عالم التكنولوجيا، غالباً ما تتحطم الأفكار وتنتهي التكنولوجيات بسرعة، ولكن فكرة هذه المجتمعات الميكروية المحدودة ستستمر”.