كيف نهيئ المدن والناس لمزيد من موجات الحر القاتلة

2 دقائق
كريس هندروس. مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد موجات الحر من أشد الكوارث الطبيعية فتكًا بالإنسان على مستوى العالم، إذ يزيد عدد ضحاياها من الأمريكيين على ضحايا الأعاصير والزوابع والزلازل مجتمعة، كما يتوقع أن يزيد الأمر سوءًا، في ظل تصاعد أعدادها وكثافتها بفعل تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية.

إذن ما الذي يمكننا القيام به لنستعد لمستقبل حافل بموجات الحر الفتاكة؟

لعل الخبر السعيد أنه يمكن التنبؤ إلى حد ما بنوبات الحر والبرد، وذكر تقرير نشر في مجلة البحوث البيئية “Environmental Research Letters” في الأول من مايو، أن: “أنظمة الإجراءات المبكرة للتنبؤ بدرجات الحرارة الشديدة ثبت أنها تستطيع إنقاذ الأرواح حول العالم”.

من خلال تحليل نماذج التنبؤ بالطقس، وجد الباحثون أن ما يقرب من خمسة مليارات شخص يعيشون في مناطق يمكن التنبؤ بدرجات الحرارة الشديدة فيها. وتشير الدراسة إلى أن هذا على أقل تقدير سيتيح الفرصة لإنشاء أنظمة إنذار مبكر ووضع خطط عمل، كما ستتمكن الجهات المستجيبة خلال موجات الحرارة الشديدة، من توفير مياه الشرب وإنشاء مآوي للتبريد والاطمئنان على المواطنين المعرضين للأخطار لا سيما كبار السن منهم.

وتقول إيرين كوجلان دي بيريز، التي ترأست فريق كتابة التقرير ومدير فريق العلوم المناخية في مركز الصليب الاحمر والهلال الاحمر للمناخ: “نحن نملك القدرة على منع الكثير من أوجه المعاناة والأمراض وحالات الوفاة الناجمة عن موجات الحرارة والموجات الباردة في جميع أنحاء العالم، ينبغي أن نملك القدرة على اتخاذ القرارات والتكيف في الكثير من الأماكن”.

ولم تقم الدراسة -التي شارك في تأليفها باحثون من جامعة كولومبيا وجامعة فو أمستردام ومؤسسات أخرى- بتقييم ما هي الأجزاء من هذه المناطق التي تستعين بالفعل بأنظمة الإنذار أو خطط الاستجابة، لكن كوجلان دي بيريز قالت: “إلا أنه من الأسلم أن نفترض أنها بحاجة للتحسين في عدد كبير من هذه الأماكن”.

وقد أجرت مجموعتها الدراسة على مستوى جزئي إذ أن الصليب الأحمر أراد أن يعرف الأماكن التي يمكن التنبؤ فيها بنوبات درجات الحرارة الشديدة بإخطار مناسب بحيث يمكن الاستجابة لها.

وعبرت كوجلان دي بيريز عن تفاؤلها بشأن المساعدات التي يمكن أن تقدمها هذه البرامج، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها غير مكلفة في الواقع، والشق الأكبر منها يكمن في تمرير المياه والتواصل مع الناس لكي يتعاملوا مع المشكلة على محمل الجد، وهو ما قد يعني في المقام الأول البقاء في منازلهم والحفاظ على أجسامهم رطبة.

وتكمن المشكلة الكبيرة في أن الكثيرين لا يدركون الخطر الكامل لارتفاع درجات الحرارة، ويبرز من بين التأثيرات المباشرة والفورية الإصابة بتشنجات حرارية والإنهاك الحراري والسكتة الدماغية، والتي قد تؤدي إلى الوفاة سريعًا إذا لم تحظ بمعالجة طارئة، وتشير الدراسة إلى أن معدلات الوفيات في العديد من المدن تزيد بنسبة 5 في المائة في أيام الموجات الحارة، لا سيما بين الأطفال، وكبار السن والحوامل.

وقد يؤدي الارتفاع الشديد في درجات الحرارة أيضًا إلى تفاقم حالات الجفاف والحرائق، وتوسع الفوارق الاقتصادية العالمية، وتصاعد وتيرة العنف، والتقليل من الدخل مدى الحياة (انظر: الاحترار العالمي قد يضر بحياة الأطفال”).

ومع هذا فهناك حدود واضحة لما يمكن أن تحققه خطط الاستجابة للأحداث قصيرة الأجل، ففي ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم في السنوات القادمة، ستبرز الحاجة إلى إجراء تحولات أوسع في البنية التحتية والممارسات.

ومن المتوقع أن يلجأ عدد أكبر من سكان الكرة الأرضية إلى تركيب مكيفات الهواء، والأمر يرجع إلى ارتفاع درجات الحرارة وقدرة إلى جانب عدد أكبر على تحمل تكاليفها، ويتوقع فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن الطلب على الطاقة لتشغيل مكيفات الهواء سيزداد بنسبة تزيد على 30 بحلول عام 2100، مما سيقوض الجهود الأوسع المبذولة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ستحتاج عدة مدن إلى تدابير تكيف شاملة، بما في ذلك التوسع في استعمال مواد البناء المشتتة للحرارة، أو زراعة المزيد من الأشجار أو تخصيص مراكز تبريد مجتمعية مثل تلك التي أنشأتها ولايات بوسطن وشيكاغو ونيويورك.

إلا أن دراسة حديثة نشرت في مجلة البحوث البيئية “Environmental Research Letters” نوهت إلى أن الفترة ما بين منتصف هذا القرن وحتى نهايته، قد تشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة ومستويات الرطوبة يتجاوز في كثير من الأحيان الحدود النظرية للتحمل البشري، مما قد يجعل بعض أجزاء العالم غير قابلة للسكن.