لقاحات مخصَّصة لكل مريض بالسرطان على حدة تعطي نتائج واعدة

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ظلَّ اللقاح الذي يعلّم الجسم القضاء على الأورام بشكل انتقائي بعيداً عن متناول الباحثين في مجال السرطان لعقود. فعلى الرغم من الكثير من التجارب السريرية، لم تُظهر مثل هذه اللقاحات إلا القليل من النجاح إن وُجد. ويبدو الآن أن اثنين من لقاحات السرطان المخصّصة قد تمكّنا بأمان من منع انتكاس السرطان عند اثني عشر مريضاً بسرطان الجلد في مراحله النهائية.

وقد أدرك العلماء في السنوات الأخيرة أن الورم الخاص بكل مريض ينطوي على مجموعة فريدة من الخصائص الجينية أو الطفرات. وربما ينبغي على لقاحات السرطان أن تكون فريدة أيضاً من أجل أن تكون فعّالة. وتعدّ التجربتان السريريتان اللتان تم ذكر تفاصيلهما مؤخراً في مقالتين منفصلتين في مجلة نيتشر (Nature) من بين أوائل التجارب التي تثبت إمكانية ذلك.

وفي إحدى التجربتين، تمكّن 8 من أصل 13 مريضاً بسرطان الخلايا الصبغية (الميلانوما) ممّن حصلوا على لقاح مخصّص للسرطان من التخلّص من الأورام بعد حوالي عامين من العلاج. وفي دراسة أصغر، لم يعُد لدى أربعة من المرضى الستة الذين تلقّوا اللقاح أي أثر للسرطان لأكثر من عامين بعد العلاج. وكان جميع المرضى قد خضعوا للاستئصال الجراحي لأورامهم قبل الحصول على اللقاح.

يقول فريد رامسديل (نائب رئيس الأبحاث في معهد باركر للعلاج المناعي للسرطان) إن النتائج تُظهر إمكانية استخدام الجهاز المناعي للمريض للتعرّف على سرطانه الخاص به.

يقول رامسديل (الذي لم يشارك في أي من الدراستين): “بشكل أساسي، قام [مؤلفو الدراسة] بزيادة احتمال حدوث استجابة قوية وفعّالة تجاه البروتينات غير الموجودة إلا على الخلايا الورمية الخاصة بالمريض. إن الأمر يشبه اللقاح ضدّ أحد أشكال الإنفلونز، الذي من شأنه أن يُصيبك أنت فقط”.

وتعدّ اللقاحات المخصّصة إحدى الفئات الناشئة من العلاجات، وتعتمد على المستضدات المستحدثة، وهي البروتينات التي تظهر على الأورام ويبدو أنها خاصة بكل مريض بالسرطان. ولإعداد اللقاحات، قام الباحثون أولاً بإجراء تسلسل للحمض النووي الريبي والحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين واللذيْن تم استخراجهما من ورم كل مريض. ثم استخدموا خوارزميات الكمبيوتر لتحليل الطفرات الموجودة في كل ورم، وتنبؤوا بأفضل الأهداف التي تعبّر عن المستضدات المستحدثة. وبناءً على تلك البيانات، قاموا بإعداد لقاح مخصّص يحتوي على ما يصل إلى 20 نوع من هذه المستضدات. وتلقّى كل مريض عدة حقن من اللقاح على مدى بضعة أشهر.

خلايا الميلانوما تحت المجهر.
لاحظَ بعض المرضى المصابين بالميلانوما اختفاء السرطان بعد أن تمّ علاجهم بلقاح تجريبي للسرطان، بعد أن تمّ تخصيصه للورم الذين يعانون منه.

وقد تأسّس في الآونة الأخيرة عدد من الشركات لتطوير العلاجات المستندة إلى المستضدات المستحدثة، ومن بينها بيو إن تك (BioNTech) وأدفاكسيس (Advaxis) وجريتستون أونكولوجي (Gritstone Oncology) ونيون ثيرابيوتكس (Neon Therapeutics)، وهي التي أسستها كاثرين وو من معهد دانا فاربر الذي أشرف على التجربة الصغيرة التي تم الكشف عنها مؤخراً. كما أن المستضدات المستحدثة هي أيضاً محور مشروع تم إطلاقه العام الماضي من قِبل معهد رامسديل في سان فرانسيسكو لمعرفة أفضل طريقة لإعداد لقاحات مخصّصة للسرطان.

وتعتبر لقاحات السرطان المخصّصة نوعاً من العلاج المناعي، وقد تمّ تصميمها لإثارة جهاز المناعة للشخص ضد السرطان الموجود بالفعل في الجسم. وهي تعمل بطريقة مشابهة للقاحات الأخرى، التي تحفّز الجهاز المناعي للشخص حتى يتمكّن من التعرّف على الخلايا الأجنبية في الجسم وتدميرها. ولكن الخلايا السرطانية هي خلايا الجسم بحدّ ذاته، مما يجعل من الصعب “تعليم” الجهاز المناعي للشخص ليتعرّف على الخلايا السرطانية. ويعتقد العلماء أن إعداد لقاحات السرطان بالاعتماد على المستضدات المستحدثة قد يكون أحد الطرق للقيام بذلك.

ويكتشف الباحثون في مجال السرطان أن العلاجات المناعية (بما فيها لقاحات السرطان) ليست فعّالة مع كل المرضى. وتقول وو إن هذا الأسلوب يعتمد على تحديد الطفرات الموجودة في ورم المريض، وكلما زادت الطفرات الموجودة في الورم، كان العلاج أفضل.

ويقول أوجور ساهين (أخصائي الأورام في المركز الطبي لجامعة يوهانس غوتنبرغ في ألمانيا، والرئيس التنفيذي لشركة “بيو إن تك BioNTech” التي قامت بإجراء التجربة الكبيرة): “نحن نعلم أن العلاج المناعي ناجح، ولكنه لم ينجح حتى الآن سوى عند المرضى الذين يعانون من أورام تحتوي العديد من الطفرات”.

وقد صمّم الباحثون في التجربتين اللقاحات بحيث تحتوي على عدّة مستضدات مستحدثة خاصة بكل مريض. ولأن المستضدات المستحدثة لا تظهر إلا على الخلايا السرطانية فقط دون الخلايا السليمة، فإن الباحثين يعتقدون أن حقن المستضدات المستحدثة يجب أن يبدو غريباً بالنسبة للجهاز المناعي، وبالتالي ويساعد على شنّ هجوم على الخلايا السرطانية.

ويقول ميشيل ساديلين (مدير مركز هندسة الخلايا في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان) بأن النتائج “تثبت إمكانية تنفيذ هذا اللقاح عالي التخصيص، على نطاق ضيق على الأقل”.

ويقول ساديلين (الذي لم يشارك في أي من الدراستين) إن هذا النهج عالي التقنية يبدو مشجعاً، وإن تحسين الخوارزميات الحاسوبية من شأنه أن يتنبأ -بشكل أفضل- بالمستضدات المستحدثة التي يجب تضمينها لجعل اللقاحات أكثر فعالية.

وإن حد الأسئلة الرئيسية حول لقاحات السرطان المخصّصة هو عما إذا كانت عمليّةً عند تطبيقها على نطاق واسع أم لا؛ إذ يتم تصنيع الأدوية التقليدية بدفعات كبيرة، ويمكن الحصول عليها من الأسواق لمعالجة أي مريض، أما لقاحات السرطان المخصّصة فيجب تخصيصها لكل مريض.

ويقول كل من وو وساهين بأن فرقهما البحثية استغرقت حوالي ثلاثة أشهر إلى أربعة لإعداد كل لقاح، وقد تمكّنوا من تقليص هذه العملية إلى ستة أسابيع أو أقل. وفي الوقت الحالي، يبدأ مرضى السرطان في العلاجات التقليدية بعد حوالي ثلاثة أسابيع إلى ستة من التشخيص الأولي، كما تقول وو. وتضيف أن هدفها هو علاج المرضى بواسطة لقاح السرطان خلال تلك الفترة الزمنية.