$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#6933 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(18105)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(14) "54.166.223.204"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7073 (42) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(201) "/%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D9%84-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D9%84/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(7) "upgrade"
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(19) "technologyreview.ae"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86b641755a3a20be-IAD"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(232) "https://www.technologyreview.ae/%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D9%84-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D9%84/"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(14) "54.166.223.204"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(79) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at technologyreview.ae Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(19) "technologyreview.ae" ["SERVER_ADDR"]=> string(11) "172.18.0.20" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "54.166.223.204" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "58734" ["REDIRECT_URL"]=> string(73) "/لم-الشمل-قصة-جديدة-من-الخيال-العلمي-حول/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711614600.777289) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711614600) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(4) "paid" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7072 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7071 (2) { ["content_id"]=> int(18105) ["client_id"]=> string(36) "1d1883f4-87d0-4156-8903-e6ceb0cb4224" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

لم الشمل: قصة جديدة من الخيال العلمي حول المراقبة في الصين

17 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن الذهاب بالقطار السريع من شينجين شمالاً إلى غرب كاولون يستغرق 23 دقيقة فقط، فقد بدا أن هذه الرحلة من البر الرئيسي إلى هونج كونج أعادتني نصف قرن إلى الوراء. لم تتغير غابات الإسمنت التي تملأ ذكريات طفولتي البتة. وبدا أن الزمن تجمد داخل قطعة من العنبر بالنسبة لهذه المدينة وملايينها السبعة من السكان، على الرغم من أن منطقة خليج شينجين التي غادرتها منذ قليل كانت قد وصلت إلى المستقبل قبل أوانها.

كان زميل الدراسة منذ عقد من الزمن، الدكتور إنج لوك تين من جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا، ينتظرني عند بوابة الخروج للمحطة. وقد ألقى عليّ التحية باللهجة الكانتونية، على الرغم من أنه يتحدر من شانغهاي، وكأنما يجسد الارتباك الذي تعيشه الصين العصرية. أما أنا، الذي ولدت في هونج كونج، فقد تحدثت معه بلهجة الماندرين العصرية المعيارية.

سألني: “ليونج وا كيو، ما الذي يحدث فعلاً؟”

“منذ بضعة أيام، سألني شرطيان متخفيان بملابس عادية ما إذا كان البروفسور لاو يتواصل معي، كما طلبا معلومات الاتصال بأقاربه وأصدقائه في هونج كونج.”

“لقد ظننته قيد المعالجة الإجبارية منذ بعض الوقت؟”

“أجل، في مركز رعاية خاصة في شينجين. ولكنه تمكن من الخروج وهرب نحو هونج كونج، وقد فقدوا أثره. يجب أن نعثر عليه قبل الشرطة.”

“لماذا؟” قال إنج لوك تين وهو يتفحص وجهي بدقة، وكأنه يتحقق من سلامة عقلي. وفجأة، أدرك كل شيء: “أنت لا تصدق أنه أصيب بالجنون على الإطلاق، أليس كذلك؟”

“لن أجزم بهذا قبل أن أراه شخصياً”. لم أتمكن من إخفاء الشك في صوتي: “ساعدني، أرجوك.”

كان البروفسور لاو جيم واي، وهو من كبار الخبراء في التصوير العصبي السلوكي، أحد المشرفين علينا نحن الاثنين في الجامعة، ولكنه كان أكثر من مجرد مدرّس بالنسبة لي.

منذ أكثر من عقد من الزمن، عندما كنت أرزح تحت الضغط والتوتر بسبب رسالة الدكتوراه، وأشعر باليأس بسبب القطيعة مع عائلتي، كان البروفسور لاو يرسل لي رسائل بالبريد الإلكتروني يومياً، مقتبساً بعض الجمل من أفلامه المفضلة في توقيعه في نهاية الرسالة. وقد كنت أعرف بأن هذه الجمل التي تتسم بالدفء والتشجيع والإلهام موجهة إليّ خصيصاً، على الرغم من أنه لم يقل ذلك صراحة.

لم أر بعض هذه الأفلام حتى، ولكنني أتذكر كل اقتباس أرسله إليّ، مثل هذا الاقتباس من فيلم “نادي القتال Fight Club” (1999): “إذا استيقظت في وقت مختلف، وفي مكان مختلف، فهل يمكن أن تستيقظ كشخص مختلف؟”

عندما أصبحت شخصاً مختلفاً في تلك الليلة الماطرة، كان هو الشخص الذي أنقذني.

يجب أن أعرف ما حدث مع البروفسور لاو وخوارزميته “ديسكو”

قام لاو بتطوير ديسكو (اختصاراً بالإنجليزية لعبارة: مراقب الترابط الداخلي الموزع) بناء على نموذج الترابط الداخلي (ISC) من التصوير العصبي السلوكي.

في التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI) التقليدي، يجب على الباحث أن يقلل إلى حد كبير من المتغيرات من أجل دراسة الترابط ما بين العمليات الإدراكية ومناطق الدماغ. ولكن النتائج المستخلصة من ظروف مخبرية اصطناعية كهذه لا يمكن تعميمها على تعقيدات سيناريوهات الحياة الفعلية. عند حضور حفل موسيقي، أو الاستماع إلى قصة قبل النوم، أو مشاهدة فيلم… إلخ… يتعرض الدماغ إلى تأثير عدد كبير من العوامل الخارجة عن السيطرة، مثل البيئة المحيطة، والتقلبات المزاجية، والتفاعلات الاجتماعية العفوية.

تقوم طريقة الترابط الداخلي على الفرضية التالية: ضمن نفس الظروف العصبية، وبفرض تطابق جميع الأدمغة من حيث العمليات البيولوجية، فإن تعرض أفراد مختلفين إلى نفس المحفزات سيؤدي إلى تفعيل نفس المناطق الدماغية لديهم. وعلى سبيل المثال، إذا كان شخصان يشاهدان نفس فيلم الرعب معاً، وأظهرا تزايداً في نشاط الجسم اللوزي في الدماغ، فيمكن أن نستنتج أن الجسم اللوزي ينشط أثناء التعرض للخوف بشكل عام. وإذا أمكن قياس ردود الأفعال لدى عدة أشخاص في نفس الظروف الطبيعية في نفس الوقت ومقارنتها، يمكن أن نتجاهل التشويش من باقي العوامل التي لا يمكن التحكم بها.

تطبق خوارزمية ديسكو التي طورها لاو طريقة الترابط الداخلي بأسلوب متميز

بعد هجوم محطة القطار في مدينة الربيع منذ أكثر من عقد، تضاعفت حوادث القتل الجماعي العشوائي المماثلة بشكل كبير، وكأنها مرض معدٍ ينتشر من دون مسار محدد. حيث يتحول أشخاص عاديون، كانوا يعيشون حياة طبيعية تماماً حتى تلك اللحظة، إلى أعاصير من العنف بشكل مفاجئ، مندفعين نحو الحشود بسواطير الجزارين أو الإبر المسممة أو حتى الزجاجات المكسورة، محدثين أكبر قدر ممكن من الإصابات والأضرار قبل أن تتدخل الشرطة. وكما حدث في جائحة حوادث الانتحار بين العاملين المهاجرين قبل ذلك ببضع سنوات، لم يكن هناك في البداية أي إجماع على السبب الفعلي. هل كان هذا ناتجاً عن ضغوط الحياة “غير الحقيقية إلى حد بعيد” والتي تهيمن عليها التكنولوجيا في الصين العصرية، حيث ضُغط التقدم الذي حدث في كل مكان آخر على مدى قرون كاملة إلى عدة عقود؟ هل كان هذا تجسيداً لمجتمع ضائع، فقد مثالياته القديمة والفاشلة، ولم يجد بديلاً عنها؟ أم أن السبب شيء أكثر رعباً؟

في نهاية المطاف، أعلنت السلطات أنها توصلت إلى أن المنفذ في كل واحدة من هذه الحوادث كان يعاني من نمط غريب من الأمراض العقلية، يؤدي إلى إطلاق نوبات من العنف الشديد. وعلى الرغم من وجود اسم لاتيني رسمي للمرض، فقد أطلق عليه معظم الناس اسم “الضدية” نسبة إلى “ضد الجميع”. وتصاعدت ضغوط العامة من أجل التقييد المسبق للأشخاص الذين تثبت إصابتهم بهذا المرض. غير أن الطرائق التقليدية للتشخيص النفسي كانت تعتمد إلى حد كبير على التفسيرات الشخصية للأطباء، كما أن العملية القانونية لتطبيق التقييد الإجباري كانت بطيئة ومعقدة وعرضة لإساءة الاستخدام، وهكذا وقعت الحكومة في عدة مشاكل ونزاعات متتابعة ومتشابكة.

مع استمرار الهجمات، بدأ الكثيرون يشككون في فعالية نظام التقييد الإجباري الحكومي في منع العنف. وفي نفس الوقت، فقد كان الكثير من المرضى الذين شُخصت إصابتهم بالمرض بأساليب غير الموثوقة – حيث أن البعض لم يظهروا أدنى ميل إلى العنف – قد حُرِموا من حرياتهم الشخصية بدون وجه حق، ما تسبب في استياء شعبي عارم. غير أن الحكومة لم تكن قادرة على إبطال نظام التقييد الإجباري ببساطة بدون وجود ما يحل محله، لأنها سترسل في هذه الحالة الكثيرين من المرضى العقليين إلى عائلاتهم. وبسبب الرعب والنظرة الشائعة إلى هذه الأمراض، ستقوم العائلات بإلقاء هؤلاء المرضى إلى الشوارع، ما سيؤدي إلى المزيد من الأزمات الاجتماعية.

وأخيراً، عندما وصلت وزارة الصحة العقلية إلى حالة من العجز الكامل، ظهرت خوارزمية ديسكو في المشهد وكأنها هدية من السماء.

تمكن لاو من تدريب وتكرار عمل خوارزمية ديسكو مئات الملايين من المرات، وذلك بالاعتماد على بنك معلومات هائل وشامل من مقاطع كاميرات المراقبة من البر الرئيسي الصيني، وبيانات المرضى من مستشفى هويلونجوان للأمراض العقلية، وهو أكبر مؤسسة للأمراض العقلية في آسيا. وعلى عكس طرائق التصوير العصبي التقليدي مثل التصوير بالرنين المغناطيسي MRI، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET، والتصوير بمصفوفة الانتشار DTI، والتي تتطلب جميعها تجهيزات خاصة، فإن ديسكو قادرة على تشخيص ومراقبة وتوقع نوبات الغضب المفاجئ الناتجة عن الضدية حصراً، وذلك باستخدام بصمات الصوت، والتعبيرات اللالفظية، والتغيرات في الأنماط السلوكية.

كان هدف لاو من خوارزمية ديسكو بناء أداة موثوقة للتشخيص، بحيث يمكن مساعدة المرضى، وتأمين الحماية والأمان لغير المصابين. ولكن الحكومة كانت تخطط لاستخدامها في أمور أخرى.

تبيّن أن ديسكو يمكن تكييفها بسهولة للعمل على كاميرات المراقبة الذكية تي 2000 ديب جايز، والتي تعمل كشبكة حاسوبية موزعة. لقد تم تدريب الخوارزمية للتعرف على المرض الجديد، ولكن ما أشكال الانحرافات الأخرى التي يمكن لنظرتها أن تكشفها؟

لا أعلم ما إذا كان من الممكن تلخيص التعقيد البشري بمجموعة من الأرقام، بحيث يمكن استخدامها لتوقع الميل إلى العنف بدون خطأ، ولا أعلم ما إذا كان البروفسور لاو قد وُصِم بأنه شخص خطير من قبل خوارزميته التي ابتكرها، ووُضِع قيد العلاج الإجباري.

هل أعتقد أنه مجنون؟ يجب أن أعثر عليه أولاً.

بدأنا بأبسط شكل من البحث، حيث تحدثنا مع عائلة وأصدقاء البروفسور لاو واحداً واحداً. وبوصفه مُلاحقاً من قبل السلطات، فلن يجرؤ على كشف معلوماته الحيوية للنظام، ولهذا لم نرَ أية جدوى من البحث في قوائم نزلاء الفنادق.

تجولنا في منازل مزدحمة كأعشاش النمل مخصصة للإسكان العام، ومطاعم تحت الأرض تعبق بالعفن، وأروقة طويلة ومظلمة وملتفة. وأخذت الأعين المشككة تحدق فينا بإمعان من خلف البوابات الصدئة. لقد أصبح التردي والجمود الاقتصادي أكثر وضوحاً مما كان عندما غادرت، وهو من عواقب فقدان هونج كونج لمكانتها كمنطقة جمركية خاصة في الغرب خلال الحروب التجارية.

لم نعثر على شيء.

سألني إنج لوك تين بعد أن جلسنا في كافيه دي كورال: “ماذا سنفعل الآن؟”

قلت متأملاً: “دعني أفكر. لقد وضع نفسه في خطر شديد بقدومه إلى هونج كونج بعد الهروب من مركز العلاج. لماذا؟ ما الذي يأمل بتحقيقه هنا تحديداً؟”

هز بكتفيه نافياً وجود أية إجابة لديه. ومن ثم لمعت عيناه: “تذكرت. لقد دعوته للقدوم إلى مهرجاننا السينمائي منذ عدة أشهر. أعتقد أنه كان بدا بالعلاج في ذلك الحين، ولكنني لم أتلقّ سوى رد آلي بالبريد الإلكتروني”.

“أي مهرجان سينمائي؟”

“ألم أخبرك؟ أنا مستشار علم الأعصاب لمهرجان (جوّال العقل) السينمائي”. وأشار إلى خارج النافذة باتجاه لوحة إعلانات إلكترونية فوق شوارع شرق تسيم شا تسوي، وهي تتنقل في العرض بين عدة إعلانات لأفلام مختلفة. “سينتهي المهرجان غداً.”

“وما حاجة مهرجان سينمائي إلى مستشار في علم الأعصاب؟ كما أنني لا أتذكر أنك كنت من هواة السينما أيضاً.”

قال خجلاً: “لقد كان هذا منذ عدة سنوات. على أي حال، لقد بدأنا باستخدام تكنولوجيا الترابط الداخلي في صناعة الأفلام أيضاً. ولقد بدا لي أن البروفسور لاو سيستمتع برؤية تطبيق جديد لهذه التكنولوجيا.”

تمتمت لنفسي قائلاً: “هل عاد إلى هنا لهذا السبب؟ الأفلام…”

عندما كان البروفسور لاو شاباً، كان يحلم بأن يصبح مخرجاً، ولكنه بدلاً من ذلك دخل إلى كلية الطب استجابة لإلحاح والديه. وعندما كان يجد متسعاً من الوقت في جدوله المزدحم، كان يسارع إلى السينما ليشاهد فيلماً جديداً. وفي مختبرنا، كان في الكثير من الأحيان يجري دراسات الترابط الداخلي باستخدام الأفلام كمحفزات. وأعتقد أنها كانت أفضل طريقة متاحة له للجمع ما بين هوايته وعمله.

اتسعت عينا إنج لوك تين بارتياب: “أتعتقد حقاً أن البروفسور لاو هرب من المستشفى والشرطة حتى يشاهد بعض الأفلام في هونج كونج؟”

كان ذهني يقلب المعلومات ويتأمل بهذه الفكرة الجديدة: “لا أعتقد أنه سيفعل شيئاً بهذه السخافة. ولكن إذا قلت لي أن الترابط الداخلي يستخدم في الأفلام، فمن المحتمل أنه يريد استخدام مواده البحثية المفضلة لإثبات شيء ما. مثل… سلامته العقلية. هل ما زلت محتفظاً برده الآلي على البريد الإلكتروني؟”

فتح إنج لوك تين رسالة البروفسور لاو على هاتفه. وانجذبت عيناي فوراً إلى الاقتباس ضمن التوقيع في نهاية الرسالة: “هنا نخبة المرضى العقليين، جاهزة للانطلاق ضمن التشكيل”. من فيلم “الذي طار فوق عش الوقوق One Flew Over the Cuckoo’s nest” (1975). وركزت على تاريخ الرد: إنه تماماً اليوم الذي أُدخل فيه إلى العلاج الإجباري.

هل حاول البروفسور لاو إرسال رسالة عبر توقيع البريد الإلكتروني بنفس الطريقة التي كان يخفف عني بها بعدما أدرك أن خوارزميته بدأت تنقلب عليه؟

قمنا بتضييق الاحتمالات إلى تسعة عروض سينمائية، أي الوحيدة التي تستخدم جهاز عرض بالترابط الداخلي. كانت ستة منها في فترة ما بين هذه الليلة وصباح اليوم التالي، أما العروض الثلاثة الأخيرة فقد كانت في نفس الموعد غداً بعد الظهر.

من الغسق حتى الفجر، ومن يوين لونج في الشمال الشرقي إلى ساي كونج في أقصى الغرب، اندفعنا حتى نحضر عروض الترابط الداخلي الستة الأولى في ست صالات مختلفة وكأننا زوج من مهووسي السينما. وعلى الطريق، شرح إنج لوك تين كيف أمكن تطبيق تقنية التصوير العصبي التي تعتمد عليها خوارزمية ديسكو في صناعة الترفيه التفاعلي.

باختصار، وفي جهاز العرض بتقنية الترابط الداخلي، يتم استخدام تجهيزات مصغرة للتصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي fMRI لقياس النشاط العصبي لكل شخص من الحاضرين خلال المشاهد الهامة. ويتم بعد ذلك توليد توصيف ترابط داخلي للاستجابة العصبية الإجمالية للحضور. ولكن إذا كانت الاستجابة المقاسة لأي شخص من الحضور تبعد عن المتوسط العام بمقدار انحرافين معياريين على الأقل –ما يعني أن الاستجابة العصبية لدى هذا الشخص خلال المشهد الهام مختلفة بشكل ملحوظ عن اغلبية الحضور- فسوف تُعرض على هذا الشخص حبكة فرعية خفية مصممة خصيصاً لهذا الغرض. لقد أصبحت الأفلام المحسنة بالترابط الداخلي واسعة الانتشار في هونج كونج، لأن كل شخص يريد التحقق من تميز دماغه، والتسامي فوق الغوغاء كلقلق أنيق يعلو فوق سرب من الدجاج، والفوز بجائزة الحبكة الفرعية الخفية الخاصة.

ربما يريد البروفسور لاو أن يستخدم أحد الأفلام المحسنة بتقنية الترابط الداخلي، ويعتمد على نفس التكنولوجيا التي تحملها كاميرات المراقبة، حتى يبرهن أن استجابته العصبية لا تنحرف عن الاستجابة الوسطية.

سألت إنج لوك تين بحيرة: “ولكن كيف يمكن أن تعرض حبكة مختلفة لبعض الأشخاص الجالسين في نفس الصالة فقط؟” وأجابني بابتسامة غامضة: “سترى بنفسك قريباً”.

بفضل منصب إنج لوك تين الاستشاري الخاص، تمكنا من الدخول حتى بعد بدء العرض. وأثناء تنقلنا ببطء داخل الصالات المظلمة، حاولنا أن نعثر على الرجل الذي نبحث عنه بين مئات الوجوه نصف المخبأة تحت الخوذات والنظارات. لم نتجرأ على ذكر اسم لاو أو هويته أو عرض صورته لأي شخص من المشرفين أو الحضور، حتى لا نفضح نوايانا أمام العملاء الحكوميين الذين يطاردونه، ونفقد فرصتنا بالعثور على البروفسور لاو إلى الأبد.

كان كل شخص من الحاضرين مثبتاً من الرقبة والكتفين بقيود مطاطية على ظهر المقعد، وذلك لضمان صحة عمليات المسح للتصوير العصبي. وكانت الخوذات الفضية على رؤوس الجميع متصلة بكابلات ومعالجات خلف المقاعد.

ولكن هذه الخوذات لم تكن لتقديم تجربة اندماجية في الواقع الافتراضي، بل كانت النظارات عبارة عن عدسات تعمل كنوافذ مزودة بمصاريع تفتح وتغلق بشكل متزامن مع الوميض المتكرر لشاشة العرض، ويمكن تغيير مستوى ناقلية العدسات التي تحوي على البلورات السائلة مرات كثيرة خلال الثانية الواحدة. وعن طريق التلاعب بدقة بعمل النظارات على خوذتين، من الممكن أن نجعل شخصين مختلفين يشاهدان لقطات مختلفة من نفس الفيلم. يجب أن يتخطى معدل التحديث للنظارات 60 هرتز لمنع الدماغ من اكتشاف التقطع. وحتى تستطيع نفس الشاشة أن تعرض صورتين متحركتين مختلفتين في نفس الوقت خلال الأقسام المعززة بالترابط الداخلي من الفيلم، واحدة من أجل الفيلم الرئيسي والأخرى من أجل الحبكة الفرعية الخفية، يجب أن يتخطى معدل التحديث في هذه الحالة 120 هرتز.

إنه تصميم ذكي للغاية، ويحفظ القيمة الجماعية لمشاهدة الفيلم في صالة العرض مع ترك مجال لبضعة أشخاص مختارين لمشاهدة الحبكات الفرعية الخفية.

قبل المشاهد الهامة، يظهر وميض أخضر من شاشة العرض، ما يعني أن الحضور يجب أن يجلسوا بثبات. وعندما يتحول الضوء إلى اللون الأحمر، تبدأ عمليات المسح، والتي تدوم لمدة تتراوح من 6 إلى 15 ثانية أثناء العرض. يتم نقل معلومات المسح في الزمن الحقيق إلى المعالجات خلف المقاعد، بعد تصحيح الانزياح وتقييس القيم. ومن ثم يتم تحميل نتائج المسح لكل شخص من أجل حساب معامل الارتباط للمجموعة بالنسبة لنفس المجال الزمني. وأخيراً، تُقارن نتيجة كل فرد مع النتائج الأخرى لتحديد النسخة التي سيراها هذا الشخص من الفيلم.

مع تنقلنا من صالة عرض إلى أخرى، شهدنا سقوط عملاق في مجال الصحف، ورقصة جميلة في المطر، ووحش يفقس من شرنقة، واندفاع سيل من الدم عبر بوابة. وفي الظلام، من السهل أن تميز عدم التزامن بين النظارات باستخدام تطبيق للكاميرا على الهاتف الذكي، بشكل يشبه وميض الزجاج البحري والأصداف تحت ضوء القمر. لم نعثر على البروفسور لاو بين الحضور.

جلسنا بارتخاء على مقعد مقابل للصالة الأخيرة عند الفجر. حتى الشمس الذهبية لم تكن قادرة على التخفيف من إحباطنا وإرهاقنا. كانت العروض الثلاثة الأخيرة بالترابط الداخلي في نفس الفترة بعد الظهر. وحتى لو قسمنا جهودنا وذهب كل منا إلى صالة عرض، سنفوت على أنفسنا العرض الثالث، ما يعني فرصة تساوي الثلث لتفويت فرصة العثور على البروفسور لاو.

إضافة إلى هذا، فإن خطتنا بأكملها تقوم على افتراض غير مثبت بأن التوقيع في ذلك الرد الآلي كان يحمل تلميحاً مقصوداً، لا مجرد أمنية وهمية من قبلنا.

أملت رأسي نحو إنج لوك تين قائلاً: “إن عرض الأفلام مع تقنية الترابط الداخلي مجرد حيلة لجذب المزيد من الناس إلى صالات السينما، أليس كذلك؟”

وبدلاً من أن يجيب بشكل مباشر، رد على السؤال بسؤال آخر: “أتذكر ذلك النقاش الذي خضناه قبل التخرج؟”

“بالتأكيد. فقد دعانا البروفسور لاو إلى الانضمام إلى فريقه التطويري. ولكنك لم ترفض العرض مباشرة، بل كنت فظاً للغاية بصراحة.”

تذكرت كيف ناقض إنج لوك تين البروفسور لاو. فقد قال أنه يستحيل وجود تعريف موضوعي وثابت للأمراض العقلية، حيث أن دليل التشخيص والإحصائيات يتطور باستمرار ويتم تحديثه مع تقدم العلم والأخلاقيات. وكان الحرص أساسياً وضرورياً عند استخدام تكنولوجيا التصوير العصبي لتشخيص الأمراض العقلية. لقد عرف المجتمع الجنون على أنه نتيجة تجمع ما بين الطب والسياسة، وفي المحصلة، فإن تشخيصاً شاملاً وعميقاً يتطلب أن نأخذ بعين الاعتبار التصوير العصبي، والبيانات السلوكية، والعادات والمعايير الاجتماعية، والكثير من العوامل الأخرى. إن منح أهمية غير مستحقة لمعاملات معينة لمجرد أنها سهلة القياس سيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير.

بدا السخط واضحاً على البروفسور لاو، ولكن بدلاً من دحض رأي إنج لوك تين، صرفه ببرود بإشارة من يده.

سألت: “هل تغير موقفك من هذه المسألة؟”

بدا وكأن إنج لوك تين يحاول تجنب سؤالي: “من الصحيح أن أفلام الترابط الداخلي واسعة الانتشار في هونج كونج حالياً، ولكن هل كنت تعرف أن هذه التكنولوجيا تم اختراعها في دونج جوان، المدينة الصينية التي تحاول أن تتصدر تكنولوجيا الترفيه على مستوى العالم؟ لقد قاموا بتجريب هذه التكنولوجيا في بضعة سلاسل كبيرة من صالات السينما، ولكن النتائج الأولية عبرت عن فشل ذريع”.

“ما الذي حدث؟ هل كانت الرقابة هي السبب؟” في البر الرئيسي الصيني، كان الإبداع الثقافي مقبولاً بنسبة أقل بكثير من الإبداع التكنولوجي.

انفجر إنج لوك تين ضاحكاً: “بل كان السبب عدم قدرة أي شخص على رؤية الحبكات الفرعية الخفية خلال الاختبارات الأولية! أليس هذا مضحكاً؟”

بدا أنني لم أتقبل محاولته للسخرية من الوضع، فعاد إلى تجهمه السابق. وقال: “أنت تعتقد أن استخدام خوارزمية يُفترض أنها محايدة لتحديد المجانين أو المنحرفين سيساعد الناس على العيش بكرامة وأمان أكثر. ولكنني أعتقد أن الترفيه هو الشيء الوحيد الذي تصلح له هذه الخوارزمية”.

عندما دعا البروفسور لاو طالبيه المفضلين للانضمام إلى مشروعه، اتخذنا خيارات متعاكسة. فقد تبعت معلمي إلى الشمال نحو البر الرئيسي لتطوير تلك التكنولوجيا الناشئة بدعم حكومي. ولم أر لنفسي مستقبلاً في هونج كونج، حيث الحنين للماضي البائد جعل الناس خائفين من اعتناق المستقبل. ولم يكن تطوير خوارزمية تحدد مصادر العنف ممكناً بدون التطور في العالم الحقيقي، مع بيانات حقيقية ومرضى حقيقيين وعواقب حقيقية.

أما إنج لوك تين، من جهة أخرى، فقد بقي في البرج العاجي، وقرر بناء قصر نظري دقيق محبوك من المصطلحات والأرقام، والبحث عن الحل المثالي الذي يمكن أن يأخذ كل العوامل بعين الاعتبار بطريقة ما.

والآن، وبعد عقد كامل، اتخذت قصة حياتنا مسارات غير متوقعة.

منذ سنتين، عندما كانت السلطات على وشك إطلاق عمليات المراقبة بخوارزمية ديسكو، قام البروفسور لاو بنقلي من مجموعة البحث الأساسية، مع ذريعة رسمية تقول أنني “سأُكلف بمهام أخرى”. كلفت بوظيفة صورية بدون جهد فعلي في وكالة لإدارة الصحة العقلية في شينجن. لم يقدم لي البروفسور لاو تفسيراً واضحاً لهذا التغيير المفاجئ، ولكنني كنت أعرف في أعماقي أن السبب هو ما حدث في تلك الليلة الماطرة.

هل كان البروفسور لاو قد فقد الثقة في خوارزميته منذ ذلك الحين؟ هل أبعدني عن تطوير الخوارزمية، التي تتطلب كل تلك الملاحظة، حماية لي؟ لن أعرف ما لم أعثر عليه.

في ذلك الحين، وفي هونج كونج، حيث خرج السكان في مظاهرات احتجاجية ومنعوا تركيب كاميرات المراقبة المزودة بخوارزمية ديسكو، انتهى المطاف بإنج لوك تين بتطبيق نفس التقنية للنظر إلى أعماق وعي كل شخص في السينما، والتلاعب ببعض الحضور لإيهامهم بأنهم كانوا مميزين نوعاً ما بما يكفي لرؤية قصة مختلفة.

يقودنا الزمن جميعاً إلى خيانة مثاليات أوقات الشباب. ببساطة شديدة، فإن البشر معقدون لدرجة لا تسمح باختصارهم في مسارات يمكن حسابها.

تنهدت بإحباط: “هل كنا مخطئين بافتراضنا أننا نعرف البروفسور لاو بما يكفي حتى نتوقع ما يمكن أن يفعله؟”

حاول إنج لوك تين أن يخفف عني: “إذا لم يكن مجنوناً بالفعل، فلا بد أنه ما زال يتبع أنماطاً سلوكية منطقية.”

“ولكن حتى لو كنا محقين في أنه يرغب بحضور العروض السينمائية ذات الترابط الداخلي، فمن المستحيل أن نتواجد في ثلاثة صالات في نفس الوقت”.

كانت العروض الثلاثة لنفس الفيلم: “مزاج مناسب للحب In the Mood for Love” من إخراج وونج كار واي. أخذ إنج لوك تين -غارقاً في التفكير- يحدق بامرأة ترتدي زياً تقليدياً على إعلان الفيلم. وكانت الأضواء تومض حول الإعلان وكأنها نجوم روبوتية.

فجأة، قفز واقفاً على قدميه بصرخة خفيفة: “سآخذك إلى مكان يتيح لك رؤية العروض الثلاثة في نفس الوقت.”

وصلنا إلى غرفة التحكم المركزية في صالة برودواي الخاصة في ياو ما تي. يمكننا في هذه الغرفة أن نرى جميع البيانات في الزمن الحقيقي من عروض الترابط الداخلي الثلاثة على شكل مصفوفة من الأضواء. أقيم العرضان الآخران في سينما جراند ويندسور في خليج كوزواي وصالة موفي تاون في ساحة شا تين الجديدة.

تحقق الطاقم من التجهيزات عدة مرات. وبدأ العد التنازلي على شاشة التوجيه الكبيرة، وكأن المكان قاعدة لإطلاق الصواريخ، لا صالة سينمائية ستعرض فيلماً قديماً حول علاقة عاطفية خارج إطار الزواج. كان المخرج معروفاً بحمايته الشديدة لأعماله، ولم يسمح للصالات بتعديل لقطات من الفيلم الأصلي بإضافة إشارات ترابط داخلي وماضة للمشاهد الهامة. ولهذا، قام العاملون بنصب شاشات إلكترونية قرب الشاشة لتنبيه الحضور إلى ضرورة الاستعداد لعملية المسح عند الحاجة.

وهذه كانت فرصتنا.

لم أحب هذا الفيلم قط، ليس بسبب القصة، ولكن بسبب اللقطات الفنية -شوارع مليئة بالأبنية التي تحاكي ماضياً لم يوجد قط، مساكن تونج لاو، وعواصف مطرية لم يتعلم أحد كيفية توقعها- التي تعيد ذكريات تنهمر علي مثل أمطار غزيرة، حتى أشعر كأنني أشارف على الغرق.

لاحظ إنج لوك تين ضيقي، ولف ذراعه حول كتفي مؤكداً لي أننا سنعثر على البروفسور لاو لا محالة. إنه لا يدرك مدى البلبلة التي تسود دماغي في هذه اللحظة.

أخيراً، وصل الفيلم إلى ذلك المشهد الشهير في مطعم جولدفينش، الذي يتصف بجو رومانسي مميز بفضل وهج الإضاءة الخافت وأغطية الطاولات الخضراء وورق الجدران المميز. كانت ماجي تشيونج، مرتدية الزي التقليدي، تحرك قهوتها بملعقة صغيرة. أما توني ليونج، جالساً قبالتها، فكان عابساً بنظرة حزينة في عينيه. أما في المشهد التالي، فسوف يتقبل هذان الجاران الحقيقة البشعة: أن زوجها وزوجته مرتبطان بعلاقة عاطفية.

بدأ العد التنازلي للترابط الداخلي، مذكراً الجمهور بوجوب الجلوس بسكون والاستعداد للمسح. وظهر سطر من الكلمات على اللوح الإلكتروني: بروفسور لاو، شكراً لك لأنك عثرت علي. كيو

بالنسبة لمعظم الحاضرين، فإن هذه العبارة الغريبة، والصبيانية بعض الشيء، بدت متضاربة بشكل فاضح مع الجو المتوتر والكئيب للمشهد على الشاشة، ولكنها ستكون حدثاً عشوائياً يمكن تجاهله، فهي ليست موجهة إليهم.

أما بالنسبة للبروفسور لاو، في حال وجوده بين الحاضرين، فهي تعني أن دماغه سيلتقط المحفز فوراً، ويطلق عملية استرجاع لذكرى بعيدة من منطقة قرن آمون في الدماغ، ويأمر الجسم اللوزي بإطلاق استجابة عاطفية شديدة.

كانت ليلة ماطرة منذ عشر سنوات.

لا أتذكر شيئاً من بداية ما حدث. فبعد أن انتهى كل شيء، أخبرني زملائي أنني أصبت بانهيار مفاجئ، وخرجت هارباً من غرفتي مختفياً في العاصفة غير المتوقعة، عابراً الشوارع ذات المنظر الأثري أمام الأبنية التي غشاها المطر.

بحث عني أصدقائي في كل مكان بدون نتيجة.

بعد أن استعدت الوعي، أدركت أنني كنت أقف خارج غرفة الدراسة المفتوحة على مدار الساعة في المكتبة، حاملاً قطعة متعرجة الحواف من الزجاج المكسور في يدي. كان الطلبة في الداخل غارقين في كتبهم، ولم يكن لديهم أدنى فكرة أنهم كانوا على وشك مواجهة الموت. وفي الواقع، لم يدركوا حتى أنني موجود في الخارج.

جلس البروفسور لاو القرفصاء أمامي، راسماً ابتسامة شاحبة على وجهه. كان الدم ينزف بغزارة من جرح عميق في راحة يده، متقطراً من أطراف أصابعه، متجمعاً في بقعة حمراء عميقة قرب قدميه.

“كل شيء على ما يرام الآن، يا آه-كيو. لقد عثرت عليك.”

لا أحد يعرف ما حدث تلك الليلة سوى نحن الاثنان.

كان من الممكن أن أوضع قيد العلاج الإجباري. كان من الممكن أن أخسر كل شيء. ولكنه عثر علي واحتفظ بسري. ما الذي جعله واثقاً أنني لن أصاب بنوبة أخرى؟ لمَ اعتقدَ أنني تراجعت بعد أن وصلت إلى عتبة الجنون؟

هناك أسئلة لا يمكن الإجابة عنها. البشر معقدون للغاية.

أضاءت مصفوفات النقاط المضيئة التي تمثل معاملات الترابط الداخلي للحضور في الصالات الثلاثة في نفس اللحظة، وكأنها مئات من النجوم الزرقاء المتلألئة، وأخذت تومض بتزامن وكأنها تتنفس. وفجأة، أضاءت نقطة واحدة بلون برتقالي بدلاً من الأزرق، ولكنها عادت إلى حالتها السابقة مثل بقية المصفوفات بعد جزء من الثانية.

اندفعت نحو الباب: “خليج كوزواي!”

على الرغم من أن الذهاب إلى منطقة خليج كوزواي عبر نفق مرفأ كروس يتطلب فقط 13 دقيقة –إذا لم يمكن مزدحماً- فقد بدت الرحلة أبدية الطول. وعلى الطريق، أخذت أخطط مع إنج لوك تين لجميع الاحتمالات. ولكن الشيء الذي كان يستحيل التحكم به هو ردة فعل البروفسور لاو عند رؤيتنا.

وبشكل لم أستطع فهمه، بدا مزاج إنج لوك تين مواتياً للمحاضرات الأكاديمية في ذلك الحين: “أرأيت بنفسك؟ من المستحيل أن نتنبأ بالسلوك الفردي، لأن أصغر تشويش يمكن أن يؤدي إلى تغيرات كبيرة. ولكن عندما نغير المستوى وندرس الإنسانية ككل، يمكننا بسهولة أن نميز أنماطاً يمكن توقعها.”

“آمل أنكما ستتابعان النقاش الذي بدأتماه منذ عشر سنوات. فقد أصبح لديك حجج جديدة، ولا شك في أنه وجد حججاً جديدة أيضاً.”

هز إنج لوك تين كتفيه بلا مبالاة، وكأنه يقول إن الفوز حليفه لا محالة.

عندما دخلنا إلى الصالة، كانت قائمة المشاركين في العمل قد ظهرت على الشاشة بعد نهاية الفيلم. وببطء، أخذنا نفتش في الظلام، ونحدق بإمعان في الوجوه في كل صف من المقاعد. لقد بدا الجميع متماثلين بالنسبة لي، مختفين جزئياً تحت الخوذات في ضوء فضي. تحركت بسهولة وانسيابية قدر الإمكان، حتى لا أفوّت رؤية الرجل أو أخيفه.

توقفت مع إنج لوك تين عند نفس الصف.

كان البروفسور لاو قد خلع خوذته، وكانت الشاشة الضخمة تضيء وجهه المكشوف. ونظر إليّ ثم أشار إلى الشاشة.

استدرت، ورأيت على الشاشة اقتباساً من رواية “Tête-Bêche“، التي بني عليها فيلم “مزاج مناسب للحب In the Mood for Love”. في الفرنسية، يشير اسم الرواية إلى زوج من الطوابع المتصلة المطبوعة بشكل متقابل، بحيث يبدو كل منهما مقلوباً بالنسبة للآخر.

“لقد تذكر تلك السنوات الغائبة، وكأنه ينظر عبر نافذة مغطاة بالغبار. كان قادراً على رؤية الماضي، ولكنه لم يستطع لمسه. وكان كل ما يراه مغشى وغير واضح. لو استطاع أن يكسر تلك النافذة المغطاة بالغبار، لعاد إلى تلك السنوات الغائبة.”

عادت عيناي بسرعة إلى الرجل، خوفاً من أن يختفي بين الجمهور في أية لحظة.

بدلاً من ذلك، اتجه نحونا، وكان إنج لوك تين يقترب متمايلاً حتى ينضم إلى لم الشمل.

في الظلام، كان الجميع ينتظرون نهاية الفيلم.

ابتسم البروفسور لاو جيم واي، وكأنه يقول: “لست أنت من وجدتني، بل أنا من وجدتك”.

على غرار ذلك الوميض البرتقالي في بحر من النقاط الزرقاء، فإن بعض الأشياء قابلة للقياس والتأكيد. ولكن ما لا يمكن قياسه هو المعنى الكامن خلف ذلك الوميض، الليلة الماطرة، الزجاج المكسور، الإيمان بأنه ليس من السهل تحديد وتأكيد الجنون والعقل، أو الانحراف والتساوق.

همس البروفسور لاو: “أنا بحاجة إلى مساعدتك. إن خوارزمية ديسكو تحوي خطأ قاتلاً. إن بعض التفاصيل الدقيقة التي تتجاهلها الخوارزمية قد تكون هامة لتحديد مصير الفرد، أو بالأحرى، مصير الكثير من الأفراد”.

نظرت وإنج لوك تين إلى بعضنا البعض مبتسمين. هذه ليست النهاية، بل بداية حبكة فرعية جديدة.

Content is protected !!