لماذا يقع عبء تطبيق التحوّل الإلكتروني على عاتق الرؤساء التنفيذيين

8 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشرة خاصة من ماكنزي آند كومباني:

تمتلك البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي قوّة مزعزعة كبيرة إلى حدّ أنّها أدّت إلى حصول انقلاب في ديناميكية القيادة في مجال التكنولوجيا.

عندما يتقاطع العلم والتكنولوجيا مع النظم الاجتماعية والاقتصادية، فإنّك تميل إلى رؤية شيء يشبه ما اسماه الراحل ستيفن جاي غولد “التوازن المتقطّع” في معرض وصفه لعلم الأحياء التطوّري. أي أنّك أمام شيء كان مستقراً لفترة طويلة من الزمن لكنّه يخضع لزعزعة مفاجئة جذرية ثم يستقر في حالة من التوازن الجديد. وتشمل قائمة الأمثلة المشابهة عبر التاريخين الاجتماعي والاقتصادي كلاً من اكتشاف النار، وتدجين الكلاب، وظهور التقنيات الزراعية، وفي العصر الحديث، مطبعة غوتنبرغ، وآلة جاكار النسيجية، والمُعالِجات المتناهية الصغر، والإنترنت. فكل اختراع من هذه الاختراعات اصطدم بمجتمع كان يمر بفترات من السكون النسبي الذي تلته زعزعة هائلة.

يُعتبرُ مفهوم “التوازن المتقطّع” مفيداً كإطار للتفكير في الزعزعة التي نراها في الاقتصاد اليوم. فتكنولوجيا السيارات في الولايات المتحدة كانت في حالة ساكنة نسبياً منذ إصدار القانون الفدرالي الخاص بالطرق السريعة ما بين الولايات عام 1956. أمّا الآن فإنّ الوصول المتزامن لكن من تيسلا وأوبر والمركبات الذاتية القيادة يُحدث حالة من الفوضى. وعندما تنتهي هذه الحالة، سيبزغ فجر توازن جديد. ومشغّلو الخطوط الهاتفية الأرضية تعرّضوا لزعزعة هائلة نتيجة ظهور الهواتف الخلوية، التي تعرّضت بدورها لخضّة نتيجة طرح جهاز آيفون في 2007 – الذي استقرّ في العقود التالية في حالة سكون جديدة، مع تغيير الحوسبة المحمولة باليد لطبيعة التواصل الشخصي ذاتها.

تشير البراهين إلى أنّنا نشهد زعزعة هائلة في عالم الشركات تشبه النوبات المتكرّرة التي أشار إليها غولد لانقراض الأنواع الحيّة على نطاق واسع. فمنذ العام 2000، تعرّضت أكثر من 50% من شركات فورتشن 500 للاستحواذ، أو الاندماج، أو الإفلاس دون نهاية منظورة في الأفق. ونتيجة لذلك، فإننا نشهد الظهور الواسع النطاق لـ”أنواع” جديدة من الكيانات التجارية المُبتكرة ذات حمض نووي جديد بالكامل، مثل أمازون، وبوكس، وفيسبوك، وسكوير، وتويليو، وأوبر، وويورك، وزابوس.

لكنّ عمليات الانقراض الواسع النطاق لا تحصل دون سبب. وضمن ظروف الانقراض الحالي، فإنّ العامل المسبّب هو التحوّل الرقمي.

الانغمار في المعلومات

يندرج التحوّل الرقمي اليوم في كل مكان على جداول أعمال مجالس إدارة الشركات، وبات يتصدّر الخطط الاستراتيجية لكبار الرؤساء التنفيذيين. فقبل انتشار الحاسب الشخصي أو الإنترنت، تنبأ عالم الاجتماع الراحل في هارفارد دانييل بيل بمجيء عصر المعلومات في عمله البارز “مجيء المجتمع ما بعد الصناعي”. فالتغيّر البنيوي الناتج في الاقتصاد العالمي، كما كتب، سيرقى إلى مستوى الثورة الصناعية. وفي العقود الأربعة التالية، قادت ديناميكيات قانون مور والتقدّم التكنولوجي المرافق في الحواسب المتناهية الصغر، وقواعد البيانات المترابطة، والحواسب، والإنترنت، والهاتف الذكي إلى إنشاء صناعة تكنولوجيا معلومات مزدهرة تزيد قيمتها على ترليوني دولار تماماً كما كان بيل قد أخبرنا سلفاً.

في القرن الحادي والعشرين، تشهد ديناميكية بيل تسارعاً، بعد طرح تكنولوجيات مزعزعة جديدة بما في ذلك البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية المرنة (السحابة)، وإنترنت الأشياء. وتُعتبر الشبكة الذكية هي المثال النموذجي الملفت على هذه القوى عندما توضع موضع التطبيق العملي. ولعلّ الشبكة الكهربائية اليوم، والمؤلفة من مليارات العدّادات الكهربائية، والمحوّلات، والمكثّفات، ووحدات قياس الطور، وخطوط الكهرباء، هي أكبر الآلات التي طوّرها الإنسان وأكثرها تعقيداً. وتشير التقديرات إلى إنفاق ترليوني دولار هذا العقد لتحويل سلسلة القيمة هذه إلى الاعتماد على “أجهزة الاستشعار” من خلال تحديث مجموعة كبيرة من الأجهزة في البنية التحتية للشبكة أو استبدالها بحيث يمكن التعامل مع جميع هذه الأجهزة عن بعد بواسطة الآلات.

عندما تكون شبكة الكهرباء متّصلة بالكامل، يمكن لشركات المرافق الخدمية أن تجمع عمليات التفاعل والعلاقات بين كميات هائلة من البيانات الواردة من جميع أنواع الأجهزة وتقوّمها وتربطها فيما بينها – يُضاف إلى ذلك معلومات الطقس، والحمولة، والقدرة الإنتاجية – في كل لحظة من اللحظات. ويمكنها بعد ذلك تطبيق خوارزميات تعلّم الآلة المبنية على الذكاء الاصطناعي على هذه البيانات بهدف تشغيل الشبكة بصورة مثالية، وتقليل تكلفة التشغيل، وتعزيز المرونة، وتعزيز الأمن السيبراني (أمن الإنترنت) وتمكين الطاقة من التدفّق في الاتجاهين، وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة. وتُعتبر قوّة إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي هي السمات المُميّزة لـ”التحوّل الرقمي” في قطاع المرافق الخدمية.

ثمّة حلقة فاضلة تعمل هنا. فتأثيرات الشبكة الناجمة عن العملاء المترابطين والخاضعين لمراقبة أجهزة الاستشعار، وإنتاج الطاقة محلياً، وتخزينها (وكلّ ذلك بات أرخص من ذي قبل) تتيح المزيد من البيانات للتحليل، ممّا يجعل خوارزميات التعلّم العميق للذكاء الاصطناعي أكثر دقّة ويزيد من كفاءة الشبكة الذكية. وفي غضون ذلك، ومع تزايد حجم مجموعة البيانات الضخمة، فإنّها تغيّر طبيعة القرارات التجارية. ففي السابق، كانت الحسابات تُجرى على عيّنات من البيانات، في حين كانت تُستعمل هذه الطرق الإحصائية لاستقراء النتائج بناءً على هذه العيّنات، وكانت الاستنتاجات الناجمة تُستعمل بدورها لتشكّل أساساً لاتخاذ القرارات التجارية. أمّا البيانات الضخمة فهي تعني أنّنا نجري الحسابات على “جميع” البيانات؛ وليس هناك خطأ في جمع العيّنة. وهذا يمكّن الذكاء الاصطناعي – الذي كان في السابق فئة من الحسابات لا يمكن الحصول عليها وهو يعتمد على تعلّم الآلة والتعلّم العميق بهدف تطوير خوارزميات للتعلّم الذاتي – من إجراء تحليلات تنبئية ووصفية دقيقة.

تُعتبرُ المنافع والمكاسب من النوع الذي يجعل المرء يحبس أنفاسه. فجميع سلاسل التوريد ستخضع للزعزعة، سواء في قطاعات الدفاع أو التعليم أو الخدمات المالية أو الخدمات الحكومية أو الرعاية الصحية أو التصنيع أو النفط والغاز أو تجارة التجزئة أو الاتصالات وغيرها. ودعونا نعطيكم بعض الأمثلة النموذجية هنا:

  • الرعاية الصحية: في وقت غير بعيد ستكون جميع الأجهزة الطبية مرتبطة بأجهزة استشعار، وكذلك سيكون حال جميع المرضى. وسوف تخضع سجلات الرعاية الصحية وسلاسل الجينوم للرقمنة. سوف تراقب أجهزة الاستشعار عن بعد النبض، وكيمياء الدم، ومستويات الهرمونات، وضغط الدم، والحرارة، والأمواج الدماغية. وباستعمال الذكاء الاصطناعي، يمكن التنبؤ بالمرض بدقّة منذ لحظة ظهوره والوقاية منه. وسوف تطبّق الممارسات الطبية الفضلى المبنية على الذكاء الاصطناعي بشكل موحّد وعلى نطاق أوسع.
  • النفط والغاز: سيستعمل المشغّلون الصيانة التنبئية لمراقبة الأصول المنتجة والتنبؤ بحالات الفشل في الأجهزة، والحيلولة دون حصولها، سواء تعلّق الأمر بمضخّات النفط المغمورة تحت الماء أو حفّارات النفط في المياه العميقة. وستكون النتيجة عبارة عن تكلفة إنتاج أخفض وأثر بيئي أقل.
  • التصنيع: تلجأ الشركات إلى استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستخدام المخزون بطريقة مثالية بهدف تقليل تكاليف الاحتفاظ بالمخزون، وإلى الصيانة التنبئية بهدف تخفيض تكلفة الإنتاج وزيادة موثوقية المنتج، وإلى آليات التقليل من الخطر في شبكة التوريد بهدف ضمان تسليم المنتج في الوقت المناسب وكفاءة التصنيع.

المحرّك الجديد للتغيير: الرؤساء التنفيذيون

لعلّ الجانب الأكثر فرادة لهذا الاتجاه التكنولوجي هو أن التحوّل الرقمي يُقاد من الأعلى، بحيث أنّه يخضع لتوجيه من الرئيس التنفيذي شخصياً. وهذا شيء جديد.

في آخر 70 عاماً من الحوسبة، انتقل العالم من الصمّام المفرّغ إلى الترانزستور إلى أشباه الموصلات، ومن حوسبة الإطار الرئيسي إلى الحوسبة الدقيقة إلى الحوسبة الشخصية إلى الإنترنت. وتطوّرت البرمجيات من البرمجة الخاصة بحسب احتياجات الزبون إلى التطبيقات البرمجية المستخدمة على شكل رزمة خاصة بالمشروع ضمن مقر الشركة ثم أصبحت تقدّم البرمجيات على شكل خدمة – أي عبارة عن حلول موجودة في السحابة. وكان من ثمار ذلك زيادة الإنتاجية والربحية، وتخفيض تكلفة التشغيل، والنمو الاقتصادي.

لقد شهدتُ أنا شخصياً العديد من دورات تبنّي التكنولوجيا هذه على مدار آخر 30 عاماً. ومع وجود وعد بإدخال تحسينات على الأداء وزيادة الإنتاجية، فإنّ هذه الابتكارات كانت تُطرح داخل القطاع من خلال قسم المعلوماتية. وعلى مدار أشهر أو سنوات وبعد عدّة محاولات وتقويمات، كان كل واحد منها يكسب اهتمام مدير المعلوماتية الذي كان مسؤولاً عن تبنّي التكنولوجيا. وكان الرئيس التنفيذي يُبلّغ دورياً بالتكلفة والنتائج.

ولكن مع بروز التحوّل الرقمي في القرن الحادي والعشرين، حصل انقلاب في دورة تبنّي التكنولوجيا. فما أراه الآن، في جميع الحالات تقريباً، هو أن التحوّلات الطارئة على الشركات العالمية تنطلق على يد الرئيس التنفيذي الذي يكون هو الشخص المشرف على إدارة العملية. فالرؤساء التنفيذيون الأفراد من أصحاب الرؤية هم محرّكات التغيّر الهائل وغير المسبوق في تاريخ تكنولوجيا المعلومات، وربما غير المسبوق في تاريخ التجارة.

ثمّة شيء هام جوهرياً يحصل، وهو شيء يجده قادة الشركات محفّزاً كثيراً لهم ومُلحّاً أيضاً. فبحسب تخمينات مايكل بورتر من كلية هارفارد للأعمال فإن العالم الجديد من الأجهزة الذكية المتّصلة يمثل بحراً من التغيير في الديناميكيات الأساسية للمنافسة. ويقترح بورتر أنّ إنترنت الأشياء هي ليست ببساطة مسألة ميزة تنافسية، وإنما هي شيء وجودي. لا بل يذهب جون تشامبرز الرئيس التنفيذي لشركة سيسكو سيستمز إلى نظرة أكثر تشاؤماً ويتوقع فشل 40% من شركات اليوم خلال السنوات العشر المقبلة. كما يتوقّع أن تحاول 70% منها الدخول في طور التحوّل الرقمي، لكنّ 30% منها فقط ستنجح. وقد قال لجمهور من المدراء التنفيذيين: “إذا لم يجعلكم كلامي هذا تتصبّبون عرقاً من الخوف فإنّكم يجب تتعرّقواً خوفاً”.

تتجلّى التأثيرات التنافسية لهذا الكلام في السوق. ففي السيارات، أنظروا إلى تيسلا على أنها من إنترنت الأشياء التي تسير على عجلات. تبلغ القيمة السوقية لشركة تيسلا ما يُكافئ القيمة السوقية لجنرال موتورز رغم أنّ إيراداتها أقل من واحد على عشرين من إيرادات جنرال موتورز. وتجمع تيسلا ما مقداره تيرا بايتات من البيانات من مركباتها وتستعمل مفهوم تعلّم الآلة لتحسين الصيانة التنبئية، والقدرات في مجال القيادة الذاتية، وتجربة قيادة سياراتها بشكل كبير ومستمر. وكلما قطعت سياراتها مسافات أكبر، تجمع تيسلا بيانات أكثر، وتنمّي قوتها التنافسية أكثر. ويمكن للمستهلك أن يشتري سيارة تيسلا جديدة مصمّمة على ذوقه من موقع الشركة على الإنترنت في غضون ثماني دقائق. وفي عالم التجزئة، تحدث شركة أمازون تحوّلاً في القطاع باستعمال البيانات، والذكاء الاصطناعي، وتأثيرات الشبكة. فحصتها من سوق التجارة الإلكترونية الأميركية تبلغ 34% ويمكن أن تزداد إلى 50% بحلول 2021.

واستجابة لذلك، فإنّ بعض الرؤساء التنفيذيين الذين يمتلكون رؤية بعيدة المدى أخذوا يدخلون إصلاحات على طريقة عملهم. فقد شكّلت إيزابيل كوشير، الرئيسة التنفيذية لشركة إنجي، وهي شركة طاقة متكاملة مقرّها باريس، فريقاً تنفيذياً لديها ليسرّع عملية التحوّل في الشركة. وقد عمل أعضاء الفريق معاً على تحديث استراتيجيتها من خلال طرح مستهدفات تجارية جديدة تشمل توقعات محدّدة في مجال خلق القيمة الرقمية. ويفكّر رؤساء تنفيذيون آخرون نعمل معهم في السيناريوهات المختلفة لتوقع الزعزعة المستقبلية، ويطرحون أسئلة من قبيل: “ما الذي يشتريه زبائننا بحق، أو هل يحتاجوننا حقاً، أو هل يمكن لمنافس رقمي أن يوفّر لهم رأياً أو منتجاً أفضل بتكلفة أقل؟” وهم يستعملون هذه “الأسئلة الافتراضية” بهدف الخروج من هذه العقلية المنغلقة وإعادة تخصيص الاستثمارات لدعم الجهود الرقمية المستقبلية. وقد استعمل أحد الرؤساء التنفيذيين في قطاع الرعاية الصحية سيناريوهات مختلفة لرسم خارطة طريق لإدخال مئات التحسينات على تطبيقات من الجيل القادم في عموم أقسام شركته. وفي الأماكن التي تحتاج إلى أشخاص موهوبين لتعزيز جهود فريق الإدارة التنفيذي، فإنّ الرؤساء التنفيذيين يستعينون بأشخاص لشغل مناصب من قبيل المدير الرقمي ويمنحونه الصلاحيات والموازنات المطلوبة لتحقيق النتائج المرجوّة.

يسعى رؤساء تنفيذيون آخرون إلى استلهام تجارب الآخرين من خلال تنظيم زيارات إلى معاقل الزعزعة في شركات مثل آبل، وتيسلا، وأوبر. (استضافت شركتي أكثر من 30 زيارة من هذا النوع في عام 2017 لوحده). وهم يعيدون تزويد المدراء التنفيذيين بالأدوات المطلوبة عبر دورات تدريبية قصيرة ومكثفة في مجال الابتكار الرقمي. كما أنهم يتواصلون مع أشخاص من خارج الشركة أو القطاع حتّى لتبادل الممارسات الفضلى وتعميمها. ففي ألمانيا، شكّل الرؤساء التنفيذيون في القطاعات الرائدة مجموعة عمل اسموها “الصناعة في طورها الرابع” أو “الصناعة 4.0″، لتقديم المشورة للحكومة الفدرالية حول السياسات الصناعية التي تتطلبها “الثورة الصناعية الرابعة”، القائمة على إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. وقد شكّلت مئات الشركات “تجمّع الإنترنت الصناعي” لتسريع تبنّي “الأنظمة السيبرانية المادية” في مجالات الطاقة، والرعاية الصحية، والتصنيع، والمدن الذكية، والنقل.

ينطوي التحوّل الرقمي على تغيير شامل. وهو يغيّر كل شيء من طريقة تصميم المنتجات، إلى طريقة تصنيعها، وبيعها، وتقديمها، وصيانتها، وهو يجبر الرؤساء التنفيذيين على إعادة النظر في كيفية تنفيذ الشركات للمطلوب منها، من خلال العمليات التجارية الجديدة، والممارسات الإدارية، وأنظمة المعلومات، إضافة إلى كل ما يتّصل بطبيعة العلاقات مع الزبائن. وأنا أرى القادة الذين تصلهم الرسالة. وهم مسيطرون على الوضع تماماً: فهم يريدون إطلاق خمس مبادرات في مجال التحوّل الرقمي الآن مباشرة؛ وهم يتحدّثون إليّ أنا وإلى كل قائد يعرفونه في المجال الرقمي حول مصادر التهديدات التكنولوجية؛ وهم يوظفون أفضل الناس ليقدّموا المشورة لهم. لكنني في المقابل في حالة من الصدمة بل ومن الخوف حتى من العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين أعرفهم والذين يبدون غافلين تماماً عمّا هو حاصل. وهم لا يرون الزعزعة الهائلة القادمة نحوهم من التهديدات الرقمية، المرئية وغير المرئية، ولا يبدو أنهم يفهمون أن ذلك سيحصل بسرعة كبيرة.

لذلك عندما أرى رؤساء تنفيذيين ربما يجرّبون هنا وهناك بالذكاء الاصطناعي أو الحوسبة السحابية، فإنني أقول لهم إنّ ذلك لا يكفي. فالأمر لا يتعلّق بتبنّي أهداف مشرقة. والترقيع لا يكفي. نصيحتي لهم هي أنهم يجب أن يواصلوا الحديث عن هذا الأمر طوال الوقت، مع مجالس الإدارة لديهم، ومع أعضاء الفريق التنفيذي، مع تعبئة جهود كل من في الشركة. فالتهديد الذي يطالهم وجودي. وبالنسبة لمجالس الإدارة، إذا لم يكن هذا الأمر على أجنداتهم، فإنهم يعملون على الأجندة الخطأ. وإذا لم يكن رئيسكم التنفيذي يتحدّث حول كيفية ضمان بقاء الشركة وسط عملية الزعزعة الرقمية، فربما أنتم لديكم الشخص الخاطئ في الموقع الخاطئ. قد يبدو كلامي هذا ضرباً من المبالغة لكنه ليس كذلك.

بات من الواضح بصورة متزايدة أننا نشهد حدثاً مزعزعاً هائلاً سيقود إلى انقراض كبير. العديد من الشركات التي تخفق في إدخال التحوّلات على نفسها سوف تختفي. ولكن كما هو الحال في تطوّر الأنواع في الطبيعة، فإنّ العديد من الشركات الجديدة وغير المتوقعة سوف تظهر إلى حيّز الوجود، في حين أنّ العديد من الشركات الحالية سوف تتحوّل نحو نماذج عمل جديدة. ولا يمكن تجاوز التهديد الوجودي إلا من خلال الفرصة.