مادة أنابيب نانوية تنقل الحرارة باتجاهٍ واحد فقط يمكن أن تُحدِث ثورةً في أنظمة التبريد

3 دقائق
مصدر الصورة: ويكيميديا للعموم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر الحرارة مصدرَ إزعاجٍ بالنسبة للمهندسين الكهربائيين؛ فهي تُقلِّل من موثوقية الأجهزة الإلكترونية، بل قد تتسبب في تعطيلها بالكامل. ولهذا السبب يتم مسح المكوِّنات الحاسوبية بكميةٍ كبيرة من اللواصق الحرارية، ويتم توصيلها بأنابيب نقل الحرارة ومراوح وحتى أنظمة تبريدٍ مائية.

يكمن الهدف في توجيه الحرارة بعيداً عن المكونات الحساسة بحيث تتبدَّد في الوسط المحيط، لكن مع تقلُّص حجم الأجهزة، يغدو التحدي أكثر صعوبةً. وعلى سبيل المثال، تُقاس أبعاد الترانزستورات الحديثة بالنانومتر، وهو جزءٌ من المليار من المتر.

وتُعتبر المعادن أكثرَ الموصِلات كفاءةً من حيث التكلفة، كالنحاس على سبيل المثال، إلا أنَّ الحرارة تنتقل عبرها بشكلٍ متساوٍ في جميع الاتجاهات. مما يعني إمكانية انتشار الحرارة ووصولها إلى أيّ مكوِّنٍ على تماسٍّ حراري مع المعدن.

إذن، من أجل تحقيق فعاليةٍ أكبر، يجب أن يقوم الموصِل بنقل الحرارة في اتجاهٍ واحد دون أن ينقلها في الاتجاه المتعامد مع اتجاه سريانها. عندها، سوف تنتقل الحرارة على طول هذه المادة دون أن تنتشر على جوانبها. ولا شك في أن الحصول على هذا النوع من النواقل غير المتناظرة من شأنه أن يُسهِّل عمل مهندسي الحرارة إلى حدٍّ بعيد، غير أنَّ تصنيعها ليس بالأمر السهل.

وهنا يأتي دور شينجي ياماجوتشي من جامعة طوكيو باليابان مع مجموعةٍ من زملائه؛ فقد تمكنوا من صناعة مادة تنقل الحرارة بهذه الطريقة تماماً، وذلك من خلال مراصفة أنابيب نانو كربونية بشكلٍ دقيق. وقد تتمكن هذه المادة الجديدة من إحداث ثورةٍ في طريقة تصميم مهندسي الحرارة وتصنيعهم لأنظمة تبريد الحواسيب وغيرها من الأجهزة الإلكترونية.

ولنبدأ ببعض المعلومات الأساسية عن هذا الموضوع. يدرك علماء المواد تماماً أن أنابيب النانو الكربونية تمثِّل موصلاتٍ استثنائية؛ حيث تتمتع هذه الأنابيب صغيرة الحجم بناقليةٍ حرارية تتجاوز 1000 واط لكل متر كلفن. وبالمقارنة، فإن الناقلية الحرارية للنحاس تبلغ حوالي 400 واط لكل متر كلفن.

وتبرز المشكلة عندما يحاول علماء المواد صناعةَ مادةٍ كبيرة الحجم من هذه الأنابيب النانوية؛ حيث يقومون بذلك عن طريق تمكين الأنابيب من الاستقرار على شكل طبقةٍ فوق شريحةٍ بلاستيكية، إلا أن الأنابيب النانوية تميل إلى التراصف الضعيف أو الانتظام العشوائي.

ونتيجةً لذلك، فإنها تكون في حالة تماسٍّ حراري ضعيف فيما بينها، وهذا يخفِّض ناقلية المادة الإجمالية المُشكَّلة منها. ويقول ياماجوتشي وزملاؤه: “من الضروري التخلص من هذه العيوب البنيوية من أجل تحقيق الاستفادة من الناقلية الحرارية العالية لأنابيب النانو الكربونية المنفردة عند تجميعها بشكلٍ متراصف”.

وكان حلهم لهذه المشكلة بسيطاً في جوهره؛ حيث يقومون بتكوين مادةٍ تكون فيها أنابيب النانو الكربونية متراصفةً بدقةٍ، وبالتالي في حالة تماسٍّ حراري جيد من الطرف إلى الطرف.

وقد تمكنوا من فعل ذلك بفضل تقنية تُعرف باسم ترشيح الشفط الخاضع للتحكم. ففي عام 2012، اكتشف الفيزيائيون أن من الممكن لأنابيب النانو الكربونية الحرة -في ظروفٍ معينة- أن تشكِّل بنيةً ذاتية التنظيم بحيث تصبح جميعها متراصفةً بانتظام كما في بلورة الكريستال.

يتم في البداية خلط الأنابيب النانوية معاً في سائلٍ يحتوي على خافضٍ للتوتر، وهو يُخفض توتر سطح السائل؛ فإذا كان تركيز الأنابيب النانوية في السائل أدنى من مستوى حرج معين، فإنها تبدأ بعملية تنظيم ذاتي على سطح السائل وتصبح متراصفةً بشكلٍ كثيف.

ثم تتم إزالة السائل من خلال شفطه بحرصٍ وتأنٍّ عبر مرشِّحٍ باستخدام آلة شفط، لنحصل على الأنابيب النانوية المتراصفة. والمادة الناتجة تكون صفيحة رقيقة من أنابيب النانو الكربونية فائقة التراصف والتي تتمتع بخصائصَ استثنائية.

ويقول ياماجوتشي وزملاؤه إن المادة الجديدة تنقل الحرارة في اتجاه اصطفاف الأنابيب النانوية مع ناقليةٍ حرارية تبلغ 43 واط لكل متر كلفن. وفي المقابل، فإن الناقلية في الاتجاه المتعامد مع اتجاه تراصفها هي أقلُّ بثلاث درجاتٍ من القوة، حيث تبلغ 0.085 واط لكل متر كلفن، وهي تقريباً نفس درجة ناقلية الألياف الزجاجية.

وبعبارة أخرى، فإن هذه المادة أفضل بـ 500 مرة في نقل الحرارة باتجاهٍ واحد دون الآخر، وهي أعلى درجة من عدم التناظر يتم تسجيلها في هذا النوع من المواد.

وسبب عدم التناظر بسيط؛ فعندما تكون الأنابيب النانوية في حالة تماسٍّ حراري من الطرف إلى الطرف، فإن الحرارة تنتقل بسهولةٍ من أحد الطرفين إلى الآخر. لكن هذه الأنابيب ليست في وضعية تماسٍّ حراري جيدة على طولها، نظراً لكون أثر التماسّ ضئيلاً بالنسبة للأنابيب المتجاورة.

كما يسارع ياماجوتسي وزملاؤه في الإشارة إلى حدود إمكانات مادتهم الجديدة؛ فعلى الرغم من امتلاكها لخصائص عدم تناظر هائلة، فإن أعلى درجةٍ لناقليتها الحرارية لا تتجاوز 43 واط لكل متر كلفن، وهو ما يكافئ ناقلية نقطة لحام القصدير مع الرصاص.

ومع ذلك، يعتقد هؤلاء الباحثون أنهم يعرفون سبب انخفاض ناقلية هذه المادة ككلّ مقارنةً بناقلية أنبوب نانو كربوني منفرد؛ حيث يقولون إنه على الرغم من كون الأنابيب النانوية في حالة تماسٍّ حراري من الطرف إلى الطرف، فإن هذا التماسّ ليس كاملاً. وبالتالي فإن كل قفزةٍ للحرارة من أنبوبٍ نانوي واحد إلى الأنبوب التالي ستؤدي إلى تخفيض الناقلية الحرارية للمادة، وكلما كانت الأنابيب أقصر طولاً، زاد عدد القفزات اللازمة لانتقال الحرارة.

ويستخدم ياماجوتشي وزملاؤه أنابيب نانوية لا يتجاوز طولها 200 نانومتر. ويقولون: “يشير هذا إلى أنَّ [الناقلية الحرارية في اتجاه تراصف الأنابيب النانوية] يمكن أن تكون أقوى عند استخدام أنابيب نانو كربونية أطول في تشكيل المادة”.

إنَّ صنع مادةٍ مماثلة باستخدام أنابيبٍ نانوية أطول لن يكون بسيطاً بالضرورة؛ حيث إن سلوك التنظيم الذاتي الذي يؤدي إلى إنشاء الشرائح المتراصفة هو أمرٌ أكثر صعوبة في الأنابيب النانوية الأطول. وبالطبع سيثير هذا النوع من التحدي في علم المواد اهتمامَ ياماجوتشي وزملائه. ولا شكَّ أنَّ التجارب في هذا الموضوع جاريةٌ على قدمٍ وساق بالفعل، مع تمنيات مهندسي الحرارة بالتوصُّل إلى نتيجةٍ ناجحة.

المرجع: arxiv.org/abs/1911.11340
النقل الحراري وحيد الاتجاه في شرائح أنابيب النانو الكربونية المتراصفة على جدارٍ واحد.