$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#6908 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(27842)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(14) "54.146.154.243"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7070 (42) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(200) "/%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%B1%D8%B3-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(7) "upgrade"
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(19) "technologyreview.ae"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86bace57cfef208a-IAD"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(231) "https://www.technologyreview.ae/%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%B1%D8%B3-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9/"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(14) "54.146.154.243"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(79) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at technologyreview.ae Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(19) "technologyreview.ae" ["SERVER_ADDR"]=> string(11) "172.18.0.20" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "54.146.154.243" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "47280" ["REDIRECT_URL"]=> string(72) "/ميتافيرس-كلمة-جديدة-تعبر-عن-فكرة-قديمة/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711662314.439644) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711662314) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(4) "paid" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7069 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7068 (2) { ["content_id"]=> int(27842) ["client_id"]=> string(36) "1d1883f4-87d0-4156-8903-e6ceb0cb4224" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

تعرف على تاريخ الميتافيرس: عن تكنولوجيات سبقت ما نعرفه بكثير

11 دقيقة
جذور الميتافيرس
حقوق الصورة: أمريتا مارينو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أمضيت جزءاً طويلاً من حياتي المهنية، سواء داخل وادي السيليكون أو خارجه، وأنا أصر على أن جميع تكنولوجياتنا لديها تاريخ قديم، بل وحتى لديها وجود قبل هذا التاريخ، وأن هذه القصص ليس مرتبة ومتناسقة، بل هي بالأحرى مليئة بالفوضى والتناقضات والتضاربات والعديد من الروايات والمعاني. 

جاذبية خاصة للروايات!

والميتافيرس، الذي خرج خلال أقل من سنة من حيز التداول المحدود إلى عالم الشهرة، يعتبر مثالاً ممتازاً على هذه الفكرة. فقد بدأ تحوله في يوليو/ تموز من العام 2021، عندما أعلنت شركة “فيسبوك” (Facebook)، ميتا حاليّاً، أنها ستكرس العقد المقبل من العمل لنقل الميتافيرس إلى حيز التحقيق الفعلي. وخلال العرض التقديمي للشركة حول هذا المفهوم، يظهر الميتافيرس كأعجوبة مبهرة، فهو عالم رقمي غني وغامر يجمع عدة نواحٍ من التواصل الاجتماعي واللعب على الإنترنت والواقع المعزز والافتراضي. وقد كتب مؤسس ميتا مارك زوكربيرغ قائلاً: “ستكون الخاصية المميزة للميتافيرس الحضور، أي ستشعر بحضورك بالكامل مع شخص آخر في مكان آخر”، وتخيل زوكربيرغ عالماً “يصل إلى مليار شخص، ويتضمن مئات المليارات من الدولارات من التجارة الرقمية، ويدعم الوظائف لملايين المبتكرين والمطورين”. وبحلول ديسمبر/ كانون الأول من العام 2021، قامت العديد من الشركات التكنولوجية الأميركية الكبيرة، بما فيها “مايكروسوفت” (Microsoft) و”إنتل” (Intel) و”كوالكوم” (Qualcomm) بتطوير خطط ميتافيرس خاصة بها.

وبحلول وقت بدء معرض الإلكترونيات الاستهلاكية في يناير 2022، بدا أن كل شيء يحمل ارتباطاً ما بالميتافيرس، مهما بدا مستبعداً أو سخيفاً، فقد كان هناك سترات لمسية، بما فيها سترة مزودة بمكيف هواء يسمح لك بالحصول على مناخ خاص بك، وعمليات تزيين وتجميل للشخصيات الرقمية، وشاحنات توصيل افتراضية تقوم بتوصيل الأغراض الافتراضية إلى منزلك الافتراضي. 

علاوة على ذلك، عُقدت الكثير من النقاشات حول ارتباطات “ميتا” (Meta) (المعروفة سابقاً باسم فيسبوك) وموقعها الحالي المثير للجدل كمنصة تواصل اجتماعي بتأثير كبير على حياتنا. كما ظهرت نقاشات أكثر عمومية حول الشكل الذي سيتخذه الميتافيرس، أو الذي يجب أن يتخذه، وذلك من حيث القدرات التقنية، وتجارب المستخدمين، ونماذج الأعمال، والوصول، والتنظيم، بل وأيضاً –ودون ضجيج- الهدف الذي يجب أن يحققه والحاجات التي سيلبيها.

“تتميز القصص التي تصف التكنولوجيات بأنها جديدة تماماً بجاذبية خاصة”.

اقرأ أيضاً: جاذبية خطيرة لمستقبل قائم على التكنولوجيا

التساؤل حول هوية الميتافيرس

وهي حوارات جيدة ويجب أن نخوضها. ولكننا قد نكون مخطئين إذا لم نتراجع بعض الشيء ونتساءل، ليس فقط عن هوية الميتافيرس أو من سينشئه، بل عن مصدره أيضاً، سواء بالمعنى الحرفي للكلمة، أو القيم التي يجسدها. من الذي ابتكره، وهل كان اختراعاً حقيقياً؟ وماذا عن العوالم الافتراضية التي بنيناها وتخيلناها وضخمناها سابقاً؟ وكيف يمكن أن نستفيد منها حول طريقة تطبيق الميتافيرس الآن، وما هي المخاطر والاحتمالات؟ 

تتميز القصص التي تصف التكنولوجيات بأنها جديدة تماماً –أو على الأقل لا تتسم بتاريخ طويل ومعقد- بجاذبية خاصة. ووفقاً لهذه النظرة، نجد أن المستقبل عبارة عن فضاء من الابتكارات والاحتمالات الجديدة، وليس شيئاً وثيق الصلة بحاضرنا أو بماضينا. ولكن التاريخ ليس مجرد قصة حدثت في الماضي، بل هو عبارة عن أساس ومخطط وخريطة للمناطق التي قطعناها. إن معرفة تاريخ التكنولوجيا، أو الأفكار التي تجسدها، يمكن أن يسمح لنا بطرح أسئلة أفضل، والكشف عن الأخطاء والدروس التي تعلمناها، وفتح نافذة نطل منها على حياة الذين تعلموا هذه الدروس. وليس الميتافيرس –الذي ليس في الواقع جديداً تماماً كما يبدو- باستثناء لهذه القاعدة. 

إذن، من أين أتى الميتافيرس؟ الجواب الشائع –والواضح والمتناسق أيضاً- هو أن الميتافيرس ظهر لأول مرة في العام 1992 في رواية الخيال العلمي “Snow Crash” للكاتب نيل ستيفنسون، حيث وصف عالماً افتراضياً مولداً بالحاسوب، ويعتمد على البرمجيات وشبكة عالمية من الألياف الضوئية. وفي لوس أنجلوس القرن الحادي والعشرين، حيث تقع أحداث الكتاب، فإن العالم تسوده الفوضى والتباينات الاجتماعية والمجتمعات المنغلقة التي تتسم بالتمييز الجنسي والعنصري، ناهيك عن انتشار المراقبة وتغوّل الرأسمالية والشركات الهائلة وفساد الشرطة.

بطبيعة الحال، يتسم الميتافيرس في هذه الرواية بنفس الدرجة من الفوضى. ويعج أيضاً، وبنفس الطريقة، بالتفاوتات الاجتماعية والرأسمالية المتغولة. ولا يعثر الجميع على طريقهم هناك. وبالنسبة لمن يستطيعون التكيف معه، فإن نوعية تجربتهم تعتمد على مستوى تجهيزاتهم، وقدرتهم على تحمل تكاليف الاتصال بالإنترنت، والكهرباء، وقدرة الحوسبة. وبإمكان ذوي الإمكانات الكبيرة الاستمتاع برسومات رقمية خاصة ودقيقة. أما الآخرون، فيجب أن يكتفوا برسومات بسيطة ومسطحة وتجهيزات بسيطة تُباع للجميع، مثل مجموعات “براندي” و”كلينت”.  قد لا يكون من المفاجئ معرفة أن الكثيرين ممن قرؤوا الكتاب لم ينظروا إليه كمجرد رواية مشوقة من الخيال العلمي، بل اعتبروه أشبه بتعليق ونقد للرأسمالية المتأخرة والرؤى التكنولوجية الطوباوية.

اقرأ أيضاً: هل ستنجح الشركات التكنولوجية في العمل معاً لتحسين أمان الميتافيرس؟

أفكار من الخيال العملي على أرض الواقع

وخلال العقود الثلاثة التي تلت نشر هذا الكتاب، تحققت الكثير من الأسس والأدوات التي يعتمد عليها عالم ستيفنسون الافتراضي، مثل الشبكات الاجتماعية والذكاء الاصطناعي. وعلى غرار الكثير من الأفكار الأخرى التي توقعتها روايات الخيال العلمي التي تحدثت عن المستقبل، وجد الميتافيرس طريقه نحو الانتشار والحوار العام. فقد ظهر في عدة أفلام حديثة، مثل “Ready Player One” و”Free Guy”. كما أثر بدرجة كبيرة على المشهد الرقمي الذي نعيشه حالياً. ولكنني أعتقد أن الميتافيرس يتجاوز الشكل الذي يظهر به في “Star Crash” وشكله الجديد الحالي.

وفي الواقع، فإن حوارات اليوم حول الميتافيرس تذكرني كثيراً بالحوارات التي كنا نخوضها منذ 20 سنة حول لعبة “Second Life”، والتي أطلقتها شركة فيليب روزديل “ليندن لاب” (Linden Lab) في 2003. لقد كان روزديل صريحاً للغاية حول استلهامه رواية “Snow Cash”. ولكنه كان صريحاً أيضاً حول تأثير رحلته في أواخر التسعينيات لحضور مهرجان “الرجل المحترق” على تفكيره في العوالم الافتراضية وسكانها وروحهم الجماعية. لقد صُممت لعبة “Second Life” حتى تكون “عالماً ثلاثي الأبعاد على الإنترنت يمتلكه المستخدمون ويبنونه”. وحققت نجاحاً هائلاً، وهيمنت على العناوين الإخبارية والحوارات الإعلامية.

وتنازعت الشركات والعلامات التجارية على أسبقية وضع أساس لنفسها في هذا النطاق الجديد، كما تضمنت اللعبة حفلات موسيقية ومؤتمرات، بل وحتى أماكن عبادة. وفي العقد الأول من القرن الجديد، تقاطر الملايين على المنصة لبناء حياتهم فيها. وقام مختصو علم الإنسان بدراستهم*، كما خاض السياسيون وصانعو السياسات العديد من النقاشات حولهم. وبعد فترة قصيرة، صُدم المنظمون وصانعو السياسات بوقائع العالم الافتراضي الكامل، وظهرت العديد من المخاوف حول العملات النقدية الحكومية، وغسيل الأموال، والبغاء. 

اقرأ أيضاً: دليلك لفهم الميتافيرس: عالم تدخله بدلاً من الاكتفاء بمشاهدته

تاريخ أبعد مما نعتقد: مبنى هايد بارك المعدني

ولكن، أعتقد أنه يوجد تاريخ أكثر قدماً حتى من هذا، ويمكن أن نرتكز عليه في تفكيرنا. فقبل “Second Life”، وقبل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وقبل الويب والإنترنت، وقبل الهواتف الخلوية والحواسيب الشخصية، وقبل التلفزيون والراديو والأفلام، قبل كل هذا، ظهر مبنى عملاق من الحديد والزجاج في المتنزه الشهير المعروف باسم هايد بارك في لندن. لقد حدث هذا في صيف العام 1851، حيث كان المستقبل معروضاً أمام الجميع. 

فقد كان المعرض مليئاً بالمصابيح القوسية والمكابس الهيدروليكية (التي تعمل بمحركات بخارية مخفية)، وآلات التيليجرام الكهربائية، ونموذج أولي لآلة الفاكس، وطيور ميكانيكية في أشجار اصطناعية، وغواصة، والعديد من الأسلحة، وأولى المنحوتات طبيعية الشكل والحجم للديناصورات، ومطاط غوديير المُفَلكن، وصور فوتوغرافية داجيرية لماثيو بريدي (التصوير الشمسي على ألواح فضية)، وحتى أولى المراحيض العامة المزودة بنظام شطف مائي في بريطانيا. كان المعرض مؤلفاً من ثلاثة طوابق من غرف وأجنحة العرض مع أعلام حمراء ولافتات تعلن عن البلدان التي أتت منها هذه المعروضات، ممتداً على مساحة تزيد على 92,000 متراً مربعاً من المساحات المغطاة بالزجاج المتألق، وكما وصفته إحدى المجلات الساخرة، كان أقرب إلى قصر من البلور.

لقد كان عالماً كاملاً مخصصاً للمستقبل، حيث يمكن لأي شخص تقريباً أن يندمج، ويتعلم، ويواجه التحديات، ويجد الإلهام، والتشويق، والتحفيز. 

بدأ المعرض الكبير لأعمال الصناعة في جميع الدول، وهو الاسم الرسمي للحدث الاستثنائي، كفكرة من بنات أفكار الأمير ألبرت، الزوج المحبوب للملكة فيكتوريا. وكان يتضمن أكثر من 100,000 قطعة من المعروضات المختلفة من كافة أنحاء العالم. وزارته الملكة شخصياً أكثر من 30 مرة. وفي خطابها الافتتاحي، أعلنت بوضوح عن أجندتها لهذا الحدث: “إن رغبتي الملحة هي تعزيز روح التنمية لدى الدول لجميع تلك الفنون التي تزدهر في وقت السلام، والتي تساهم بدورها في الحفاظ على السلام في العالم”. وعلى الرغم من أن الإمبراطورية البريطانية كانت قد دخلت عصر التراجع مسبقاً، فقد كان المعرض الكبير حدثاً هاماً لترسيخ النفوذ ورؤية لمستقبل بريطانيا، ونموذجاً للمستقبل الصناعي العصري، حتى لو تطلب تحقيقه وجود مستوطنات في كافة أنحاء العالم. 

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الويب 3 محور أحاديث أوساط العملات المشفرة؟

“شاهد العالم بشلن واحد”

بطبيعة الحال، كانت لندن مسبقاً مدينة مليئة بالمعارض والاستعراضات، حيث يمكنك أن ترى الغرائب وتستمتع بالأعاجيب. وقد كان تشارلز باباج يميل بشكل خاص إلى متحف ميرلن الميكانيكي، والذي يعج بالنماذج الآلية. كما فضل آخرون معارض المشاهد الساكنة للأراضي المقدسة وباريس. ولكن المعرض الكبير كان مختلفاً، بسبب ضخامته، ودعم الإمبراطورية له. ولم يكن مجرد مكان للزيارة والمشاهدة، بل كان عالماً كاملاً مخصصاً للمستقبل، حيث يمكن لأي شخص تقريباً أن يُغمر، ويتعلم، ويواجه التحديات، ويجد الإلهام، والتشويق، والتحفيز. ولم يكن عبارة عن مجموعة متفرقة من الأجزاء المشتتة، بل كان تعبيراً موحداً ضخماً ومهيباً ولا يمكن تفاديه. 

ولكن، وفي تلك الفترة، كان هناك منتقدون كثر للمعرض الكبير، فقد شعر البعض بالقلق على أشجار الدردار القديمة في المتنزه، والتي وجدت نفسها محاطة بمبنى ضخم. وشعر البعض الآخر بالقلق إزاء قدرة الزجاج على التماسك. وشهدت الصحافة عدة أشهر من السخرية، حيث وصف أحد السياسيين هذا المعرض بأنه “أحد أضخم عمليات النصب والاحتيال وأسوأ المهازل على الإطلاق”. وفي قاعات البرلمان، شكك البعض بدوافع الأمير ألبرت، مبررين شكوكهم بوضعه كأمير أجنبي، مشيرين إلى كون المعرض الكبير لا يتجاوز مجرد كونه ممارسة دعائية لتشجيع الهجرة إلى بريطانيا، بل وربما إخفاء تزايدها. وأشار آخرون إلى أن هذا المعرض سيجتذب النشالين وبائعات الهوى والجواسيس، داعين إلى نشر ألف شرطي إضافي. 

لم يكن من المفاجئ أن الدعوات المنذرة بالشر كانت تنطوي على الكثير من المبالغة، وعلى مدى صيف مشمس كامل، تدفق الناس من جميع أنحاء بريطانيا إلى المبنى الزجاجي الضخم في الحديقة، مستفيدين من شبكة السكك الحديدية التي توسعت بسرعة. وحدد المنظمون رسم الدخول بشلن واحد، ما جعل الزيارة متاحة للطبقات العمالية في بريطانيا. وهكذا، شاعت عبارة “شاهد العالم بشلن واحد” في ذلك الصيف. 

اقرأ أيضاً: أسوأ إخفاقات التكنولوجيا في عام 2021

انعكاسات على عالم الأدب!

علاوة على هذا، فقد شهد القصر البلوري مشاركة نسبة كبيرة ومفاجئة من الأوساط الأدبية والعلمية في ذلك الوقت. وتضمنت الشخصيات المشاركة تشارلز ديكنز، وتشارلز دودغسون (والذي اتخذ لاحقاً اسم لويس كارول)، وتشارلز داروين، وكارل ماركس، ومايكل فاراداي، وسامويل كولت، وشارلوت برونتي، وتشارلز باباج، وجورج إيليوت. وقد كره ديكنز هذا المعرض، فقد بدا له مادياً إلى درجة كبيرة، ويزعم أحدث كتّاب سيرته الذاتية أن تجاربه هناك أثرت على جميع أعماله اللاحقة. أما برونتي، وعلى العكس، فقد كتبت: “لقد بدا وكأن السحر وحده قادر على تجميع كل هذه الثروات من أقاصي الأرض، وكأن يدين خارقتين قامتا بترتيبه بهذه الطريقة وكل هذا التألق وتآلف الألوان المتباينة والتأثير الرائع”. وقد مر دودغسون بلحظة مماثلة عند دخوله القصر البلوري. وكتب: “إن الانطباع الأول لدى الدخول هو الذهول. فالمكان يبدو أقرب إلى بلاد العجائب”.

شرارة بدء معارض عالمية

وبعد ذلك، ودون سابق إنذار، أغلق المعرض الكبير أبوابه في 15 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1851. وخلال فترة عمل المعرض التي دامت خمسة أشهر ونصف، زار القصر البلوري، وفق التقديرات، أكثر من 6 ملايين شخص (كان تعداد بريطانيا من السكان في ذلك الوقت لا يتجاوز 24 مليون نسمة). وخلال فترة المعرض القصيرة في هايد بارك، حقق المعرض الكبير أرباحاً كبيرة تُقدر بمبلغ 186,437 جنيه (أكثر من 35 مليون دولار اليوم). خُصص جزء من هذا المبلغ لشراء أراضٍ في كينغستون الجنوبية لبناء منطقة المتاحف الحالية في لندن، وخُصص جزء آخر لصندوق تعليمي ما زال يقدم المنحات الدراسية للبحث العلمي حتى اليوم.

تم تفكيك القصر البلوري في شتاء 1851 ونقله إلى موقع جديد، حيث واصل مهمته في عرض جميع أنواع العجائب والغرائب، إلى أن تعرض إلى حريق هائل في 1936 وتحول على إثره إلى كتلة متفحمة من الحديد. وإذا رغبت بالاستمتاع بالمعرض الكبير حالياً، فما زال هذا ممكناً عبر جولة افتراضية يستضيفها موقع ذا رويال باركس

لقد أطلق هذا المعرض الكبير مجموعة من المعارض العالمية على مدى قرن كامل، حيث كانت بمثابة فضاءات للعجائب والدهشة، والتي أدت بدورها إلى تغيير العالم من حولها. ففي أميركا، تضمنت هذه النشاطات الهادفة إلى بناء عالم كامل المعرض الكولومبي العالمي لعام 1893، والمعروف أيضاً باسم معرض شيكاغو العالمي، وهو مدينة كاملة مؤلفة من أكثر من 200 مبنى خاص بتصاميم بيضاء لامعة لاستعراض العديد من التكنولوجيات المتنوعة، مثل مطبخ كهربائي كامل مع غسالة أطباق، وحاضنة دجاج كهربائية، ومقياس زلازل، ومكشاف الحركة الذي اخترعه توماس إديسون، والمصابيح الكاشفة، والتلغراف بشيفرة مورس، والعديد من مولدات الكهرباء، والمسارات المتحركة، وأول دولاب ملاهٍ عمودي في العالم. وقد زار أكثر من ربع الأميركيين هذا المعرض العالمي خلال أقل من ستة أشهر.

اقرأ أيضاً: كيف تحقق توازناً صحياً بين شخصيتك والتكنولوجيا؟

مفارقات رأسمالية: المدينة البيضاء

وإذا كان المعرض الكبير بمثابة احتفاء بقوة البخار، فإن المعرض الأميركي، الذي كان يحمل اسم المدينة البيضاء، كان كهربائياً بامتياز. كما كان هذا المعرض مساحة مخصصة ومدعومة من قبل الصناعة الأميركية التي قامت بعملية ترويج واسعة النطاق، حيث شهد ظهور العديد من أسماء العلامات التجارية التي أصبحت مألوفة للجميع لاحقاً، مثل جنرال إليكتريك، وويسترن إليكتريك، وويستنغهاوس، والتي استعرضت جميعاً أحدث تكنولوجياتها ورؤيتها للمستقبل، أي الديمقراطية الأميركية والرأسمالية الأميركية. وقد شهد هذا المعرض في جميع أنحائه حوارات معقدة حول المساواة الجنسية والعرقية، والتأطير الميثولوجي الخرافي للتفرد والتميز الأميركي. وعلى سبيل المثال، فقد كان هناك مبنى كامل مكرس لحياة النساء الأميركيات وأزمنتهن، ولكن لم يكن هناك مبنى مماثل للأميركيين الأفارقة، وهو ما أثار اعتراضاً وجدلاً حاداً من آيدا ويلز وفريدريك دوغلاس، واللذين اعتبرا ذلك فرصة للاحتفاء بإنجازات الأميركيين الأفارقة منذ إعلان تحرير العبيد.

علاوة على ذلك، فقد أطلقت المدينة البيضاء نوعاً جديداً من الاستعراضات. ففي متنزه ميدواي، والذي يمتد على مسافة نحو 1.6 كيلومتر على حافة موقع المعرض، يمكنك أن ترى عروضاً حية لمشاهد ساكنة متعددة، إضافة إلى نشاطات عروض جانبية وملاهٍ وأماكن لبيع المرطبات والأطعمة. لقد كان هذا المعرض عبارة عن مزيج فوضوي ومثير من الطابع الشرقي والاستبعاد والهيمنة الثقافية والاحتفالات. وقد كان أكثر الأماكن شعبية، وبفارق كبير عن غيره، ضمن المدينة البيضاء، حيث حقق أرباحاً كبيرة وصلت إلى 4 مليون دولار من دولارات العام 1893، أي ما يفوق 100 مليون دولار اليوم. 

اقرأ أيضاً: لماذا يتجنب المسنون التكنولوجيا؟

مستقبل أميركي قائم على التكنولوجيا بمسحة بريطانية

وقد أدى ميدواي بدوره إلى تأسيس جزيرة كوني في نيويورك، وفي نهاية المطاف، ديزني لاند في كاليفورنيا، والتي تمثل عالماً خيالياً بطابع مختلف تماماً. لا يمكن التقليل من تأثير هذه الأحداث على مخيلتنا. وكما كان هناك مسار مباشر من ميدواي إلى جزيرة كوني إلى ديزني لاند، هناك مسار مماثل من المدينة البيضاء إلى معرض نيويورك العالمي في 1939 وصولاً إلى معرض الإلكترونيات الاستهلاكية. ويمكننا أيضاً حتى رسم مسار مشابه من المعرض الكبير، والميتافيرس الحالي. وعلى غرار العالم الافتراضي الذي يعد به مروجو الميتافيرس، كان المعرض الكبير عالماً ضمن العالم، مليئاً بأعاجيب عصره، والوعود حول المستقبل. ولكن، ومع فتحه لفضاءات جديدة من الاحتمالات –والأرباح أيضاً- فقد أدى أيضاً إلى تضخيم وإعادة إنتاج هيكليات النفوذ الموجودة مسبقاً عبر خياراته من العارضين والمعروضات، واعتماده في الإشراف على الجمعية الملكية، ومحاولته الدائمة لطمس الحقائق المتعلقة بالمستوطنات.

وقد ساعد كل هذا على وضع مسحة بريطانية واضحة على المستقبل. فقد اعتمد المعرض على قوة البخار والتلغراف لجلب الزوار إلى فضاء من التجارب الجديدة، مع إخفاء الآثار السلبية المحتملة لهذه التكنولوجيات، فقد أُخفيت المحركات والأنابيب تحت الأرض بعيداً عن الأنظار. لقد كانت حركة خداع متعمدة. وإذا رأت برونتي السحر –وليس النفوذ والتمييز ضد الأجانب والقومية- فهذا يعود إلى أن السحر هو ما يفترض بأن يراه الجميع.

اقرأ أيضاً: هل تؤدي التكنولوجيا فعلاً إلى تفاقم العنصرية بين البشر؟

هل سيعيد التاريخ نفسه مع الميتافيرس؟

أعتقد أن تاريخنا مع هذه التجارب السابقة للميتافيرس يجب أن يجعلنا أكثر ارتياباً إزاء أي ادعاءات حول قدرات التكنولوجيا والمنصات التكنولوجية على تحريرنا من قيودنا، فقد تعرضت كل من هذه التجارب إلى عدة أنواع من التفاوتات الاجتماعية، وأدت إلى إعادة إنتاجها، على الرغم من محاولتها تفادي هذا الأمر، وأدت الكثير منها إلى ظهور نتائج لم تكن متوقعة من قبل مصمميها. ولكن، يجب أن يدفعنا هذا التاريخ أيضاً إلى الانفتاح على الاحتمالات المدهشة للاختراعات والابتكارات العجيبة وغير المتوقعة، ويجب أن يذكرنا بأن الميتافيرس لن يكون مجرد تجربة أحادية الجانب، فسوف يعني أشياء مختلفة بالنسبة لأشخاص مختلفين، وقد يؤدي إلى ظهور أفكار وإيديولوجيات جديدة. لقد أدى المعرض الكبير إلى توليد القلق والعجب في نفس الوقت، كما كان بمثابة ذكرى مشؤومة وإلهام رائع في نفس الوقت لعدة أجيال من المفكرين والفاعلين. وأحب أن أتساءل عن هوية الشخص الذي سيؤلف كتاباً على غرار “Bleak House” أو “Alice In Wonderland” استجابة لما سيرونه في الميتافيرس. 

إن المعرض الكبير وما تلاه من تجارب مماثلة تعبر عن التاريخ البشري الطويل والمعقد في بناء العوالم. وقد يؤدي استكشاف هذه القصص التاريخية وما قبلها إلى توليد الكثير من الأفكار والكشف عن الكثير من الخبايا. لن يكون الميتافيرس هدفاً في حد ذاته. وبالأحرى، سيكون عدة أشياء في نفس الوقت، مثل فضاء للاستكشاف، ومدخل، وإلهام، بل وحتى ملجأ للهروب. ومهما كان الشكل الذي سيتخذه، فسوف يكون على الدوام في تفاعل دائم مع العالم الذي قام ببنائه. إن مهندسي الميتافيرس في حاجة إلى مراقبة العالم الحقيقي خارج حدود العالم الافتراضي. وفي القرن الواحد والعشرين، يعني هذا بالتأكيد الاهتمام بأمور تتجاوز أشجار الدردار القديمة أو قوة التحمل للزجاج. ويتطلب التفكير بعمق بقدراتنا وحدودنا كصناع للعوالم الجديدة.

 

Content is protected !!