ميتافيرس يعاني منذ الآن من مشاكل التحرش الجسدي

6 دقائق
التحرش الجسدي في ميتافيرس
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مؤخراً، فتحت شركة “ميتا” (Meta) (وهي الشركة الأم المعروفة سابقاً باسم “فيسبوك” (Facebook)) إمكانية الوصول إلى منصتها الخاصة بالتواصل الاجتماعي في الواقع الافتراضي، هورايزن وورلدز. وتشير أولى التوصيفات لهذه المنصة إلى أنها تبدو مسلية وغنية، كما أنها توحي بمحتوى شبيه بما نجده في لعبة ماينكرافت. وفي هورايزن وورلدز، يمكن لما يصل إلى 20 شخصية رقمية الاجتماع في وقت ما للاستكشاف والتسكع والبناء ضمن العالم الافتراضي.

ولكن على ما يبدو، لم يكن كل شيء رائعاً ومريحاً. فوفقاً لميتا، وفي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، أبلغت إحدى عاملات الاختبار للمرحلة التجريبية عن حادثة مثيرة للقلق، فقد تعرضت للتحرش الجسدي من قبل أحد الغرباء على هورايزن وورلدز. وفي 1 ديسمبر/ كانون الأول، كشفت ميتا عن أن الموظفة نشرت عن تجربتها في مجموعة عاملي اختبار المرحلة التجريبية لهورايزن وورلدز على فيسبوك.

وقد وجد التحقيق الداخلي الذي أجرته ميتا حول الحادثة أن الموظفة كان يجب أن تستخدم أداة تسمى “المنطقة الآمنة”، والتي تمثل جزءاً من مجموعة إجراءات الحماية المدمجة في هورايزن وورلدز. وتمثل المنطقة الآمنة فقاعة واقية يستطيع المستخدمون تفعيلها عندما يشعرون بانعدام الأمان. وضمن هذه الفقاعة، لا يستطيع أحد لمس صاحب الفقاعة، أو التحدث إليه، أو التفاعل معه بأي طريقة كانت، إلى أن يقوم صاحب الفقاعة بالإشارة إلى رغبته برفعها.

وقد وصف فيفيك شارما -وهو نائب رئيس هورايزن- الحادثة بأنها “مؤسفة للغاية”، وقال لموقع ذا فيرج: “على الرغم من هذا، فإن هذه الحادثة هي أيضاً تنبيه جيد لنا، لأنني أرغب بجعل ميزة الحجب سهلة للغاية، إضافة إلى زيادة سهولة العثور عليها”.

ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها أحد المستخدمين للتحرش الجسدي في الواقع الافتراضي، للأسف، ولن تكون الأخيرة. ولكن هذه الحادثة تبين أن الميتافيرس لن يكون مكاناً آمناً على الإطلاق، ما لم تجد الشركات طريقة لحماية المستخدمين.

اقرأ أيضاً: الشخصيات الرقمية في الميتافيرس: المجال الجديد للتشوه الجسمي على الإنترنت

“وهكذا، وجدت نفسي ضحية للتحرش الجسدي الافتراضي”

عندما سمع آرون ستانتون بحادثة ميتا، عاد بالذاكرة إلى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016. في ذلك الوقت، أرسلت إحدى هاويات ألعاب الفيديو، جوردان بيلامير، رسالة مفتوحة على موقع ميديوم، حيث وصفت كيف تعرضت للتحرش الجسدي في كويفر، وهي لعبة شارك ستانتون في تصميمها، حيث يقوم اللاعبون المسلحون بالأقواس والسهام بقتل مخلوقات الزومبي.

وفي الرسالة، وصفت بيلامير كيف دخلت نمط اللعب متعدد اللاعبين، حيث كانت جميع الشخصيات متطابقة، باستثناء أصواتها. “بين موجتين من الزومبي والشياطين التي يجب قتلها، كنت أقف قرب المستخدم بيغ برو 442، منتظرة الهجوم التالي. وفجأة، وجدت خوذة بيغ برو 442 أمامي مباشرة. واقتربت يده وهي تحوم في الهواء من جسدي، وبدأت تتحسس جسدي افتراضياً. “كفّ عن هذا!”. صرخت محاولة إيقافه، ولكن هذا دفعه إلى مواصلة ما يفعله، وحتى عندما استدرت محاولة الابتعاد عنه، بدأ بمطاردتي، وتحريك يديه بحركات مزعجة بقصد التحرش بي جسدياً. وبعدها تشجع وزادت وقاحته، حتى أنه أخذ يتحسس مناطق حساسة من جسدي الافتراضي.

“وهكذا، وجدت نفسي ضحية للتحرش الجسدي الافتراضي في قلعة مغطاة بالثلج، أمام عيني زوجي وأخيه”.

وعلى الفور، استجاب ستانتون وشريكه في تأسيس الشركة، جوناثان شينكر، باعتذار سريع وتعديل في اللعبة لإصلاح المشكلة. حيث ستتمكن الشخصيات الافتراضية من مد أذرعها بشكل حرف V، ما يؤدي تلقائياً إلى دفع أي معتدٍ بعيداً.

ويقول ستانتون، والذي يترأس حالياً معهد الواقع الافتراضي للصحة واللياقة، إن كويفر لم تقم بتتبع البيانات حول تلك الميزة، “ولا أعتقد أنها استُخدمت كثيراً”. ولكن ستانتون يفكر ببيلامير كثيراً، وغالباً ما يتساءل عما إذا كان بإمكانه فعل المزيد في 2016 لمنع وقوع حادثة هورايزن وورلدز منذ بضعة أسابيع. ويقول: “أمامنا الكثير مما يجب فعله. يجب ألا يضطر أي شخص إلى الفرار من تجربة في الواقع الافتراضي لتجنب الشعور بالعجز وقلة الحيلة”.

اقرأ أيضاً: دليلك لفهم الميتافيرس: عالم تدخله بدلاً من الاكتفاء بمشاهدته

التحرش الجسدي الافتراضي هو تحرش جسدي فعلي، ولا مجال لمناقشة هذا الأمر

نشرت مجلة جمعية أبحاث الألعاب الرقمية دراسة حديثة حول أحداث تجربة بيلامير، ووجدت أن “الكثير من الاستجابات لهذه الحادثة على الإنترنت كانت تستخف بتجربة بيلامير، بل وكانت في بعض الأحيان مسيئة ومعادية للنساء، وقد وجد القراء من جميع الشرائح صعوبة في استيعاب فظاعة الفعل، نظراً للسياق الافتراضي والمسلي الذي وقع ضمنه”. اختفت بيلامير من الواجهة، ولم أتمكن من العثور عليها على الإنترنت.

وبعد أن نشرت بيلامير تجربتها في ميديوم، أصبح أحد موضوعات الجدل المتواصل على المنتديات محاولة تحديد ما إذا كانت التجربة تُصنف فعلياً كتحرش فعلي، نظراً لعدم لمس الجسم الحقيقي.

يقول جيسي فوكس، وهو أستاذ مساعد في جامعة أوهايو الحكومية، ويدرس الآثار الاجتماعية للواقع الافتراضي: “أعتقد أن الناس يجب أن يتذكروا أن الناحية الفيزيائية لم تكن قط شرطاً للتحرش الجسدي، فقد يأخذ التحرش شكلاً لفظياً، كما يمكن أيضاً أن يكون تجربة افتراضية“.

أما كاثرين كروس، والتي تدرس التحرش على الإنترنت في جامعة واشنطن، فتقول إن السلوك المسيء الذي يقع في بيئة الواقع الافتراضي يصبح حقيقياً إذا كانت تلك البيئة مستحوذة على كامل الحواس وحقيقية. وتقول: “في المحصلة، إن طبيعة الفضاءات الافتراضية تقتضي أنها مصممة بحيث تخدع المستخدم حتى يعتقد أنه متواجد فيزيائياً في مكان معين، وأن جميع الحركات الجسدية تحدث ضمن بيئة ثلاثية الأبعاد، وهذا جزء من الأسباب التي تجعل الاستجابات العاطفية أكثر قوة في ذلك الفضاء، وهو السبب الذي يسمح للواقع الافتراضي بتحريض ذات النظام العصبي الداخلي وذات الاستجابات النفسية”.

لقد كان هذا صحيحاً في حالة المرأة التي تعرضت إلى التحرش الجسدي في هورايزن وورلدز. ووفقاً لموقع ذا فيرج، فقد ورد في منشورها ما يلي: “إن التحرش الجسدي على الإنترنت ليس بالمسألة التي يمكن الاستخفاف بها، ولكن الوجود في الواقع الافتراضي يضيف المزيد من العوامل التي تجعل الأمر أكثر حدة، فلم يقتصر ما حدث معي على التعرض إلى التحرش الجسدي في الليلة الماضية، بل كان هناك أيضاً العديد من الأشخاص الذين دعموا هذا السلوك الذي جعلني أشعر بأنني معزولة في الساحة (مكان التجمع المركزي في البيئة الافتراضية)”.

ليس الاعتداء الجنسي والتحرش الجسدي بالأشياء الجديدة، كما ليس من الواقعي أن نتوقع اختفاء هذه المشاكل من العالم تماماً. ولهذا، وبوجود أشخاص يختبئون خلف شاشات حواسيبهم لتجنب المسؤولية الأخلاقية، فسوف تستمر هذه الحوادث بالوقوع.

وربما تكون المشكلة الأساسية متعلقة بوجود وهم يصفه ستانتون بأنه “عقد بين المطور واللاعب” عند الاشتراك في لعبة أو في عالم افتراضي، وكما يقول ستانتون، فإن هذا العقد يأخذ من وجهة نظر اللاعب الشكل التالي: “بوصفي لاعباً، فأنا موافق على أن أكون قادراً على فعل ما أريد في عالم هذا المطور وفقاً للقواعد التي حددها”. “ولكن، وما إن يُنتهك هذا العقد وأفقد الشعور بالراحة، يتوجب على الشركة أن تعيدني كلاعب إلى المكان الذي أريده، وتعيد إليّ الشعور بالراحة”.

أما السؤال الهام فهو التالي: على من يقع عبء مسؤولية ضمان راحة المستخدمين؟ تقول ميتا، على سبيل المثال، إنها تعطي المستخدمين إمكانية الوصول إلى العديد من الأدوات لحماية أنفسهم، ما يعني نقل العبء إليهم عملياً.

وكما قالت الناطقة باسم ميتا كريستينا ميليان: “نرغب بأن يحصل الجميع في هورايزن وورلدز على تجربة إيجابية، وذلك بفضل أدوات الحماية التي يمكن العثور عليها بسهولة، كما أن عدم استخدام الميزات التي نقدمها ليس خطأ المستخدم على الإطلاق، سنستمر بالعمل على تحسين واجهات المستخدم لدينا، وتحسين فهمنا لكيفية استخدام الناس لأدواتنا، بحيث يستطيع المستخدمون التبليغ عن حدوث أي شيء بشكل سهل وموثوق. نهدف إلى جعل هورايزن وورلدز أكثر أماناً، ونحن ملتزمون بتحقيق هذا الهدف”.

تقول ميليان إن المستخدمين يجب أن يجتازوا عملية تدريب بسيطة قبل الانضمام إلى هورايزن وورلدز لتعليمهم كيفية تفعيل ميزة المنطقة الآمنة. كما قالت إن الشاشات والملصقات ضمن هورايزنز وورلد مليئة بالتذكيرات المنتظمة.

التحرش الجسدي الافتراضي
حقوق الصورة: فيسبوك.
التحرش الجسدي الافتراضي
لقطات شاشة من واجهة المنطقة الآمنة. الصورة تقدمة من ميتا.

ولكن المشكلة بالضبط هي أن ضحية التحرش الجسدي في ميتا لم تفكر باستخدام المنطقة الآمنة، أو لم تستطع الوصول إليها، وذلك وفقاً لكروس. وتقول: “إن هذا التساؤل التفصيلي يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لي. وبشكل عام، وعندما تتعامل الشركات مع الإساءة على الإنترنت، فإنها تحل المشكلة بتحويلها إلى المستخدم، وكأنها تقول له: خذ، نحن نمنحك القوة لتعتني بنفسك”.

اقرأ أيضاً: موظفة سابقة تفضح فيسبوك وتقول إن خوارزمياتها خطرة… لكن لماذا؟

وهذا ليس من العدل في شيء، وليس بالطريقة الناجحة، إذ يجب أن تكون الحماية سهلة وفي متناول اليد، وهناك الكثير من الأفكار التي تسمح بتحقيق هذا. وبالنسبة لستانتون، فإن هذا لا يحتاج إلا إلى نوع من إشارة متفق عليها بين الجميع في العالم الافتراضي –ربما تكون إيماءة V في كويفر- حتى يدرك المراقبون وجود مشكلة ما. ويتساءل فوكس عما إذا كان من المفيد تحديد مسافة شخصية بشكل آلي، وبحيث لا تُخترق إلا باتفاق متبادل بين شخصين يرغبان بالتواجد قرب بعضهما. وتعتقد كروس أنه قد يكون من المفيد عرض قواعد تحاكي تلك القواعد المتبعة في الحياة العادية، وبشكل صريح وواضح: “في العالم الحقيقي، لن تقوم بتحسس أي شخص تريد كيفما اتفق، ويجب اتباع نفس القاعدة في العالم الافتراضي”.

وحتى الجهة المسؤولة عن حماية المستخدمين، فإن إحدى الخطوات الهامة التي يمكن أن نخطوها نحو تحقيق عالم افتراضي أكثر أماناً هو تأديب المعتدين، والذين غالباً ما يُتركون وشأنهم، ويبقون مؤهلين للمشاركة في المنصات على الإنترنت حتى بعد كشف سلوكهم. يقول فوكس: “نحن بحاجة إلى عقوبات رادعة”. وهذا يعني التأكد من العثور على المسيئين، وتعليق مشاركتهم أو حظرهم بالكامل. (قالت ميليان إن ميتا “لا تشارك أي تفاصيل حول الحالات الفردية”، وذلك عندما سُئلت عما حدث للمتهم بالتحرش).

يشعر ستانتون بالندم لأنه لم يبذل جهداً أكبر لدفع الصناعة إلى الاعتماد على الإيماءات على نطاق واسع، وعدم التحدث بما يكفي عن حادثة التحرش الجسدي التي تعرضت لها بيلامير. ويقول: “لقد كانت فرصة مهدورة، وكان من الممكن أن نتجنب وقوع تلك الحادثة في ميتا”.

وإذا كان من شيء واضح ومؤكد في هذه المسألة، فهو التالي: لا توجد جهة مسؤولة بشكل واضح عن حقوق وسلامة المشاركين في أي مكان على الإنترنت، ناهيك في العوالم الافتراضية. وإلى أن نشهد بعض التغيرات، سيبقى الميتافيرس مكاناً خطيراً ومليئاً بالمشاكل.