نتائج تجربة مولد اللغة الجديد جي بي تي-3 من أوبن إيه آي تُظهر أنه جيد إلى حد مذهل

4 دقائق
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

غرّد المطور والفنان المقيم في سان فرانسيسكو، أرام سابيتي، الأسبوع الماضي، قائلاً: “إن اللعب بنموذج جي بي تي-3 (GPT-3) يبدو أشبه برؤية المستقبل”. وهي تغريدة تلخص إلى حد كبير ردودَ الفعل التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، على أحدث أدوات توليد اللغة المُعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي أنتجتها مؤسسة أوبن إيه آي (OpenAI).

كانت أوبن إيه آي قد وصفت نموذج جي بي تي-3 لأول مرة في ورقة بحثية نُشرت في شهر مايو الماضي، إلا أنها بدأت الأسبوع الماضي في توفير البرنامج لأشخاص مُختارين طلبوا الوصول إلى إصدار تجريبي خاص. وفي الوقت الراهن، تريد أوبن إيه آي من المطورين الخارجيين مساعدتها على استكشاف ما الذي يُمكن لنموذج جي بي تي-3 فعلَه، لكنها تخطط لتحويل هذه الأداة إلى منتج تجاري في وقت لاحق من هذا العام، وأن تتيح للشركات الحصولَ على هذا الذكاء الاصطناعي عبر السحابة الإلكترونية من خلال اشتراك مدفوع.

يُعد جي بي تي-3 أقوى نموذج لغوي على الإطلاق، وكان سلفه جي بي تي-2، الذي تم إصداره العام الماضي، قادراً بالفعل على كتابة مقاطع نصية مُقنعة باستخدام مجموعة من الأساليب المختلفة، عند مدِّه بجملة افتتاحية. بيد أن نموذج جي بي تي-3 يمثل قفزة كبيرة إلى الأمام؛ إذ يحتوي على 175 مليار مُعامل وسيط (القيم التي تحاول الشبكة العصبونية تحسينها أثناء التدريب)، مقارنة بـ 1.5 مليار مُعامل في نموذج جي بي تي-2 الهائل الحجم بالفعل. وعندما يتعلق الأمر بالنماذج اللغوية، فإن الحجم يمثل أهمية كبرى.

ونشر سابيتي مقالةً على مدونته عرض فيها قصصاً قصيرة وأغاني وبيانات صحفية وإرشادات تقنية وغيرها من المواد التي استخدم الذكاء الاصطناعي في إنشائها. كما يُمكن لنموذج جي بي تي-3 أيضاً أن يُحاكي أسلوب كُتّاب معينين. فقد شارك ماريو كلينجمان، وهو فنان يعمل في مجال التعلم الآلي، قصة قصيرة بعنوان “أهمية التواجد على تويتر”، مكتوبة بأسلوب الكاتب الإنجليزي جيروم كلابكا جيروم، تبدأ بمقطع يقول فيه: “إنها حقيقة غريبة أن يكون الشكل الأخير المتبقي من أشكال الحياة الاجتماعية التي لا يزال سكان لندن مهتمين بها هي تويتر. لقد صُدمت بهذه الحقيقة الغريبة حين ذهبت في إحدى عطلاتي الدورية إلى شاطئ البحر، ووجدت المكان بأكمله يغرد وكأنه أحد أقفاص طائر الزرزور”. ويقول كلينجمان إن كل ما أعطاه للذكاء الاصطناعي هو العنوان واسم المؤلف والكلمة الافتتاحية “إنها”. وثمة مقالة غنية بالمعلومات حول نموذج جي بي تي-3 مكتوبة بالكامل بواسطة جي بي تي-3 نفسه.

اكتشف آخرون أن نموذج جي بي تي-3 يمكنه توليد أي نوع من أنواع النصوص، بما في ذلك العلامات الموسيقية الخاصة بالجيتار أو النصوص البرمجية. على سبيل المثال، من خلال تعديل نموذج جي بي تي-3 بحيث يولّد لغة ترميز النص الفائق (إتش تي إم إل HTML) بدلاً من اللغة الطبيعية، أظهر مطور مواقع الويب شريف شاميم أنه يمكنه جعل النموذج ينشئ تصميمات لصفحات الويب، عن طريق إعطائه أوامر نصية على غرار “زر يشبه البطيخة” أو “نص كبير باللون الأحمر يقول ‘مرحباً بك في نشرتي الإخبارية’، وزر أزرق مكتوب عليه ‘اشترك’”. وحتى المبرمج الأسطوري جون كارماك -الذي كان أحد رواد رسومات الحاسوب ثلاثية الأبعاد المُستخدمة في ألعاب الفيديو المبكرة مثل لعبة دوم (Doom) والذي يقدم حالياً خدمات استشارية لمدير التكنولوجيا التنفيذي في شركة أوكلوس في آر (Oculus VR)- عبَّر عن توتره بالقول إن “الاكتشاف الأخير -شبه العرضي- لكَوْن نموذج جي بي تي-3 يمكنه -نوعاً ما- كتابة تعليمات برمجية يُسبب رعشة خفيفة”.

ولكن بالرغم من الحيل الجديدة التي يُمكن لنموذج جي بي تي-3 القيام بها، فإنه لا يزال عرضة لنشر لغة كراهية تحمل تحيزات جنسية وعنصرية. وكان الضبط الدقيق لنموذج جي بي تي-2 قد ساعد على الحد من هذا النوع من المخرجات.

لا غرابة أيضاً في أن يسارع الكثير من الناس إلى بدء الحديث عن الذكاء، إلا أن المخرجات شبه البشرية التي ينتجها نموذج جي بي تي-3 وتنوعها المدهش هي نتاج هندسة ممتازة، وليست ذكاءً حقيقياً. وأحد الأسباب هو أن الذكاء الاصطناعي لا يزال يرتكب أخطاءً سخيفة تكشف عن افتقاره التام إلى الحس السليم. وحتى النجاحات التي يُحققها تفتقر إلى العمق، وتبدو أقرب لمهام القص واللصق منها للمؤلفات الأصلية.

لا يزال ما يجري داخل نموذج جي بي تي-3 غير واضح بالضبط، إلا أن ما يبدو أنه يجيده هو توليف النص الذي وجده في مكان آخر على شبكة الإنترنت، الأمر الذي يجعله نوعاً من سجلات القصاصات الضخمة والمنتقاة التي تم إنشاؤها من ملايين وملايين المقتطفات المُقطعة من النصوص، والتي يلصقها معاً بطرق غريبة ورائعة عندما يُطلب منه.

ولا يقلل هذا الأمر من شأن الإنجاز الذي حققته أوبن إيه آي، فأداة كهذه لها العديد من الاستخدامات الجديدة، سواء كانت جيدة (بدءاً من تشغيل نوعيات أفضل من بوتات الدردشة وحتى مساعدة الناس على البرمجة)، أو سيئة (بدءاً من تشغيل نوعيات أفضل من البوتات المخصصة لإنتاج معلومات مُضللة وحتى مساعدة الأطفال على الغش في حل واجباتهم المنزلية).

ومع ذلك، ففي الكثير من الأحيان عندما يجتاز الذكاء الاصطناعي مرحلةً هامة فإنها تضيع وسط الضجة التي تصاحبها. حتى إن سام ألتمان، الذي شارك في تأسيس أوبن إيه آي مع إيلون ماسك، حاول تخفيف حدة الأمور قائلاً إن “الضجة المثارة حول نموذج جي بي تي-3 أكبر من اللازم، فهو مثير للإعجاب (شكراً على هذا الإطراء اللطيف!) لكنه لا يزال يعاني من نقاط ضعف خطيرة، ويرتكب أحياناً أخطاءً سخيفة للغاية. إن الذكاء الاصطناعي سيغير العالم، لكن جي بي تي-3 هو مجرد لمحة مبكرة للغاية، ولا يزال لدينا الكثير لنكتشفه”.

عندما يتعلق الأمر باكتشاف الذكاء، فإننا نطبق معايير منخفضة. وإذا كان هناك شيء ما يبدو ذكياً، فمن السهل أن نخدع أنفسنا بأنه كذلك فعلاً. وأعظم خدعة نفذها الذكاء الاصطناعي على الإطلاق هي إقناع العالم بوجوده. إن نموذج جي بي تي-3 يُمثل قفزة هائلة إلى الأمام، لكنه لا يزال أداة من صنع البشر، بكل ما ينطوي عليه ذلك من عيوب وقيود.