نسخة افتراضية من كرة دافنشي الزجاجية الغامضة تساعد على تفسير غرابتها

3 دقائق
لوحة سالفاتور موندي لليوناردو دافنشي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 2017، بِيعت لوحة زيتية تحمل اسم سالفاتور موندي (منقذ العالم) بمبلغ 450.3 مليون دولار في دار كريستي للمزادات في نيويورك، وأصبحت بالتالي أغلى لوحة في العالم بهامش ملحوظ. تنتمي هذه اللوحة إلى مجموعة صغيرة تضم أقل من 20 لوحة يُعتقد أنها لليوناردو دافنشي، على الرغم من وجود بعض الشكوك في هذا الأمر.

غير أن هذا ليس اللغز الوحيد المتعلق بهذه اللوحة؛ حيث إنها تصور السيد المسيح حاملاً كرة زجاجية تمثل السماوات. من المُفترض أن تلعب هذه الكرة دور عدسة محدبة، بحيث تكبّر وتقلب شكل الثوب الذي خلفها، غير أن الثوب خلف الكرة لا يبدو مقلوباً، ويكاد يبدو غير مشوه.

كان ليوناردو مدركاً تماماً لكيفية انكسار الضوء في الزجاج، فقد كانت دفاتر ملاحظاته مليئة بالتوصيفات حول كيفية انعكاس الضوء عن أجسام مختلفة وانكساره فيها، وهو ما يثير التساؤلات حول سبب رسمه للكرة بهذه الطريقة. واليوم، سنحصل على إجابة بفضل عمل ماركو ليانج ومجموعة من زملائه في جامعة كاليفورنيا إيرفين. فقد استخدم الباحثون برمجيات حاسوبية رسومية لبناء نموذج مجسم للمشهد، ودراسة كيفية انكسار الضوء عبر كرات من أنواع مختلفة.

وبعد مقارنة النتائج مع اللوحة الأصلية، استنتج الباحثون أن الكرة ليست مصمتة على الإطلاق، وأن اللوحة هي تمثيل واقعي فيزيائياً لكرة جوفاء بنصف قطر 6.8 سنتمتر وسماكة لا تتجاوز 1.3 مليمتر.

ولنتطرق أولاً إلى بعض الأساسيات؛ حيث إن الرسم العكسي هو تقنية للرسوميات الحاسوبية تم تطويرها في البداية لإنتاج رسومات واقعية فيزيائياً لمشاهد افتراضية عن طريق محاكاة المبادئ الفيزيائية لانتقال الضوء، ومن أهداف هذه التقنية تحقيق محاكاة أفضل لشكل الأجسام الشفافة وشبه الشفافة المكونة من الزجاج أو الماء.

عند تطبيق هذه التقنية، يتم في البداية بناء تمثيل ثلاثي الأبعاد للمشهد، بحيث يتضمن سطوح وبنية جميع الأجسام التي يتفاعل الضوء معها، كما يجب أن يتضمن مصدر الضوء ونقطة النظر، وبعد ذلك، تقوم خوارزمية مخصصة لتتبع الأشعة بتشكيل إضاءة المشهد كما تُرى من نقطة النظر.

وهكذا بدأ ليانج وزملاؤه بتشكيل نسخة رقمية من اللوحة: “لقد قمنا بتشكيل البنية الهندسية للمشهد باستخدام تقريب عام للجسم، إضافة إلى تمثيل أكثر دقة للكرة واليد التي تحملها”.

وبالمقارنة مع أبعاد اليد، قدّر الباحثون أن نصف قطر الكرة يساوي 6.8 سنتمتر وأنها تبعد عن الجسم مسافة 25 سنتمتر، كما زادوا من دقة التمثيل الهندسي لليد التي تحمل الكرة بحيث تلمسها بنعومة، وذلك باستخدام برنامج مايا للنمذجة والتحريك ثلاثي الأبعاد.

وبدراسة الظلال في اللوحة، استنتج الفريق أن الإضاءة أتت من مصدر قوي موجه من الأعلى، إضافة إلى الإضاءة العامة. وفي نفس الوقت، قدر الفريق أن نقطة النظر تبعد حوالي 90 سنتمتراً عن الأجسام في اللوحة: “بعد الانتهاء من المشهد الافتراضي، اختبرنا ما إذا كانت الكرة صلبة أم لا، وذلك بمقارنة رسومات الكرة الصلبة والجوفاء”.

A رسم للكرة المصمتة، B رسم للكرة الجوفاء.

توصل الباحثون إلى نتائج مثيرة للاهتمام. فلم يتمكنوا من إعادة تركيب اللوحة الأصلية إلا مع كرة جوفاء، إضافة إلى هذا، فإن الكرة الجوفاء تشوه الخلفية بطريقة خاصة. وعلى سبيل المثال، فإن الخط المستقيم الذي يمر في مركز الكرة لا يتعرض للتشويه، أما الخطوط المستقيمة التي لا تمر بمركز الكرة فتتعرض للتشويه بشكل يؤدي إلى عدم استمرار عند حافتها.

في اللوحة، يبدو الثوب مطوياً بشكل يُظهر خمسة خطوط تمر خلف الكرة، وتبدو أربعة منها على شكل مروحة تتقارب زاويتها في مركز الكرة، وبالتالي ليس هناك أي انقطاع مرئي في الصورة الجديدة أو الأصلية. أما الخط الخامس فلا يتبع هذا المنحى، وتبين الصورة الجديدة انقطاعاً واضحاً، أما في الصورة الأصلية، فقد قام الفنان بتغشية هذا القسم من اللوحة حيث يدخل خط الطية إلى الكرة، وهو ما يشير بقوة إلى أنه كان مدركاً لطريقة تشوه الخطوط المستقيمة عند مرورها خلف الكرة الجوفاء.

أجرى الفريق عدة تجارب مع سماكات مختلفة للكرة الجوفاء، وتشير النتائج إلى أنه يستحيل أن الكرة كانت أكثر سماكة من 1.3 مليمتر.

أما السؤال المثير للاهتمام فهو ما إذا كانت المواد ومصادر الإضاءة والمعارف البصرية التي يشير إليها العمل الجديد بمتناول ليوناردو أم لا. فمن ناحية البصريات، درس ليانج وزملاؤه ملاحظات ليوناردو، ويعتقدون أن هذه المعرفة كانت موجودة لديه ولا بد. أما الكرات الزجاجية الجوفاء فكانت معروفة وشائعة في ذلك الوقت، وظهرت في الكثير من اللوحات الفنية العائدة إلى تلك الحقبة، وأخيراً، فقد كان فنانو عصر النهضة خبراء في إعادة تشكيل ظروف إضاءة معينة.

ولهذا، كان ليانج وزملاؤه واثقين من استنتاجاتهم: “تبين تجربتنا أنه يمكن تشكيل صورة دقيقة من الناحية البصرية ومطابقة للوحة من الناحية الكيفية للوحة الزيتية، وذلك بالاعتماد على المواد ومصادر الإضاءة والمعرفة العلمية المتوافرة لدى ليوناردو في القرن السادس عشر”.

وبالطبع، ليس هذا الفريق أولَ من أشار إلى أن الكرة جوفاء؛ حيث إن والتر إيزاكسون الذي ألف سيرة حياة ليوناردو في 2017 أشار إلى نفس الشيء، كما ناقش آخرون هذا الاحتمال أيضاً. غير أن ليانج وزملاءه هم أول من أثبت الدقة الفيزيائية للوحة من حيث كون الكرة جوفاء، لا مصمتة.

هذا العمل سيساعد -على الأقل- في حسم بعض الجدل حول الصورة، وسعرها الباهظ للغاية.

المرجع: arxiv.org/abs/1912.03416
حول الدقة البصرية للوحة سالفاتور موندي