لماذا تعتمد فيسبوك على راي بان للاستيلاء على وجوهنا؟

5 دقائق
نظارة-الواقع-المعزز-من-فيسبوك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الأسبوع الماضي، أطلقت فيسبوك نظارتها الجديدة راي بان ستوريز بسعر 299 دولاراً. ويستطيع مرتدي النظارة استخدامها لتسجيل الصور ومقاطع الفيديو القصيرة ومشاركتها، والاستماع إلى الموسيقى، وتلقي الاتصالات الهاتفية. وقريباً، سينتشر مستخدمو هذه النظارات في الأماكن العامة والخاصة، وهم يصورون ويسجلون الجميع، ويستخدمون تطبيق “فيو” الجديد من فيسبوك لتصنيف المحتوى ورفعه.

يكمن جزء من مشكلتي مع هذه النظارات في طبيعتها، غير أن المسألة الأساسية هي ما يمكن أن تتحول إليه، وكيف سيؤثر هذا في المشهد الاجتماعي.

كيف سنشعر إزاء متابعة حياتنا بشكل طبيعي في العلن، ونحن نعرف أننا معرضون في أي لحظة للمراقبة من قبل تكنولوجيا خفية يرتديها الأشخاص المحيطون بنا؟ على الرغم من أن تسجيل الآخرين في العلن أمر موجود منذ عقود، فقد أصبح كشفه على الشخص العادي أمراً أكثر صعوبة مؤخراً، وسيصبح حتى أكثر صعوبة من ذلك بفضل نظارات فيسبوك الجديدة، بما أنها تشبه نظارات راي بان وتحمل علامتها التجارية.

وبما أن هذه العلامة التجارية تحمل إرثاً موثوقاً من الموضة والأناقة، فقد تجعل نظارات فيسبوك جذابة بالنسبة للكثيرين بدرجة تفوق نظارات سناب سبيكتاكلز وغيرها من نظارات التصوير. (جدير بالذكر أن مستخدمي فيسبوك يزيدون على مستخدمي سناب شات بحوالي مليارين) إضافة إلى ذلك، يمكن لفيسبوك الاستفادة من البنية التحتية لسلاسل التوريد ومنافذ البيع لشركة لوكسوتيكا، وهي الشركة الأم لراي بان. وهذا يعني أنه لا داعي للبطء في عملية إطلاق المنتج، حتى على مستوى العالم.

ويمكن لنظارات فيسبوك أن تحقق شعبية خاصة خلال زمن الوباء، حيث تقدم طريقة لتسجيل الصور والأصوات دون الحاجة إلى لمس الهاتف أو أي سطح آخر. كما قد تحقق نجاحاً باهراً مع الأهالي الذين يحاولون مراقبة أطفالهم باستمرار، ويرغبون في نفس الوقت بالتقاط اللحظات العفوية.

للوهلة الأولى، قد لا يبدو التسجيل باستخدام نظارات فيسبوك مختلفاً إلى درجة كبيرة عن التقاط صورة أو تسجيل فيديو باستخدام هاتف ذكي. ولكن طريقة تغطية النظارات لعيني المستخدم والتقاط صور ومقاطع فيديو من وجهة نظر هذا الشخص تغير ما يعنيه هذا النشاط للمجموعات الاجتماعية.

فبفضل هذا المنتج، ستستولي فيسبوك على وجوهنا حتى تصبح مساحة تسرح فيها تكنولوجياتها. وستصبح النظارات أداة لكشف اتجاه النظر بشكل متواصل، وتحدد وجهة نظر المستخدم وفق تجربته ضمن أي مجموعة. ولهذا، فإن مرتدي هذه النظارة قد يكونون أكثر ميلاً إلى تصوير المشاهد وفقاً لوجهة نظرهم الخاصة منهم إلى المشاركة الفعلية. وبما أنه يمكن أن يوجد في المجموعة الواحدة أكثر من شخص واحد يرتدي هذه النظارات، فقد يتضخم هذا الأثر، ويؤدي إلى مزيد من التفكك الاجتماعي.

في وقت سابق من هذا العام، كتبت بحثاً حول الأخلاق مع كاثرين فليك من جامعة دي مونفتورت في المملكة المتحدة، ونُشر هذا البحث في مجلة Responsible Technology في مايو 2021. وفي هذا البحث، قلنا إن إطلاق “النظارات الذكية” على نطاق واسع دون قيود يثير تساؤلات جدية وغير مسبوقة حول مستقبل التفاعل الاجتماعي العام.

تمثل راي بان ستوريز خطوة نحو رؤية مارك زوكربيرج على المدى البعيد لفيسبوك، التي تقوم على تحقيق “الكون الموازي” والمشاركة فيه. يصف مستثمر رؤوس الأموال ماثيو بول هذا الكون الموازي كفضاء يتميز بدرجة غير مسبوقة من الترابطات وقابلية تبادل المعلومات مع اقتصاد سلس ومتكامل. وقد شرح زوكربيرج طبيعة هذا الفضاء واصفاً إياه بفضاء مشترك يوحد الكثير من الشركات والتجارب الوسيطة، بما فيها العوالم الحقيقية والافتراضية والمعززة.

كما وصف راي بان ستوريز بأنها علامة فارقة على طريق بناء نظارات واقع معزز بدرجة عالية من الاندماجية. في 2020، أعلنت فيسبوك عن مشروع آريا، الذي يعتمد على نظارات واقع معزز لمسح المناطق العامة وبعض المساحات الخاصة. ويهدف هذا الجهد للمسح إلى مراكمة معلومات المواقع الجغرافية والملكيات الفكرية لتقديم البيانات المطلوبة لمستخدمي نظارات الواقع المعزز في المستقبل، وعلى الأرجح تدعيم مشاركة فيسبوك في الكون الموازي. وكما ذكر زوكربيرج في مقطع فيديو لتقديم راي بان ستوريز، فإنه يخطط لاستبدال الهواتف المحمولة بنظارات فيسبوك الذكية في نهاية المطاف.

حيث تعطي النظارات مؤشرات اجتماعية مختلفة عن الهواتف الذكية. فعندما يستخدم شخص ما هاتفه، نستطيع معرفة ذلك بسهولة لأننا نرى الهاتف في يديه. أما تحديد الشخص الذي يرتدي نظارة فيسبوك فقد يكون أكثر صعوبة. يمكن أن نعزو فشل تجربة نظارة جوجل جزئياً إلى أن النظارة بدت مختلفة عن النظارات العادية، ما يسمح لنا بسهولة بكشف من يرتديها وتفاديه. أما نظارات راي بان ستوريز، فهي شبيهة بنظارات راي بان العادية إلى درجة كبيرة.

ومع راي بان ستوريز، لا يمكن أن نحدد على الدوام من يقوم بالتسجيل، أو متى أو أين يتم هذا التسجيل، أو ما سيحدث بهذه البيانات. وعلى الرغم من وجود ضوء صغير يشير إلى قيام النظارة بالتسجيل، فإن هذا الضوء غير واضح عن مسافة بعيدة. كما أن النظارة تصدر صوت “مصراع” هادئ عند التقاط الصور، ولكن يصعب على الآخرين سماع هذا الصوت. وحتى مع إمكانية سماع الصوت، فإن عدم معرفة ما سيفعله الشخص بالمعلومات المسجلة يمكن أن يتسبب بالقلق لأي شخص حريص على خصوصيته.

ووفقاً لإحدى المراجعات، فإن تطبيق فيو من فيسبوك “يعد بأن يكون فضاء آمناً”، ولكن رفع البيانات عبر تطبيق فيو إلى تطبيقات أخرى من فيسبوك قد يجعل من الصعب تمييز سياسة الخصوصية المطبقة وكيفية استخدام المحتوى الذي ستسجله النظارات في نهاية المطاف. كما قد يتعرض مستخدمو راي بان ستوريز إلى مراقبة إضافية. حيث ينص تطبيق فيو على أن الأوامر الصوتية للمستخدم يمكن تسجيلها ومشاركتها مع فيسبوك من أجل “تحسين تجربة المستخدم وجعلها أقرب إلى تفضيلات المستخدم الشخصية”. ويجب على المستخدم أن يختار بنفسه إلغاء هذه العملية.

وعندما نرى أن بعض الأشخاص الذين نتفاعل معهم (وليس جميعهم) يرتدون نظارات راي بان ستوريز، فقد لا نكون قادرين على التعاون بالكامل بعضنا مع بعض. فقد لا نرغب في أن يتم تسجيل ما نقوم به. وإذا لم نكن من مالكي نظارات فيسبوك، أو ليس لدينا حساب على فيسبوك، فقد لا نرعب بالمشاركة في النشاطات الاجتماعية بنفس طريقة مشاركة مرتدي راي بان ستوريز فيها.

لم تطرح فيسبوك من قبل في الأسواق عتاداً صلباً محمولاً يعمل مع هاتف خلوي وتطبيق ببرمجة داخلية ذاتية العمل، ومن الواضح أنها مستجدة في هذا المجال. ولم تضع الشركة سوى خمس قواعد “مسؤولية” لمشتري هذه النظارات. وفي الواقع، فإن اعتقاد الشركة بأن الناس سيمتثلون لهذه القواعد فعلياً يعبر عن سذاجة أو تفاؤل بالغ.

تمثل هذه النظارات خطوة فيسبوك الأولى نحو بناء نظام بيئي متكامل من العتاد الصلب لتأطير محاولات الشركة لتأسيس الكون الموازي في المستقبل. ومع راي بان ستوريز، اكتسبت الشركة قدرات جديدة لجمع البيانات حول الناس، من حيث السلوك، والموقع، والمحتوى -حتى لو لم تستخدم هذه المعلومات بعد- مع عملها نحو تحقيق أهداف أكثر طموحاً.

وفيما تجري فيسبوك تجارب ضخمة على نطاق واسع في فضاءاتنا العامة، فإن الأشخاص الذين يشعرون بالقلق سيصبحون أكثر حذراً في الأماكن العامة، بل قد يلجؤون إلى اتخاذ إجراءات وقائية، مثل ارتداء القبعات أو النظارات، أو الالتفات بعيداً عن أي شخص يرتدي نظارات راي بان. وإذا أضافت فيسبوك ميزة التعرف على الوجوه إلى هذه النظارات في المستقبل –وهو أمر تدرسه الشركة وفقاً لبعض الأقاويل- فسوف يتعين على الناس اتخاذ إجراءات وقائية جديدة. وهو ما سيحرمنا من راحة البال.

الآن، طُرحت راي بان للبيع في أسواق الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة. وإيرلندا، وإيطاليا، وأستراليا. وستتباين طريقة استخدام الناس لهذه النظارات واستجابتهم لها إلى درجة كبيرة بين البلدان المختلفة التي تختلف فيما بينها من حيث المعايير الاجتماعية، والقيم، والقوانين، وتوقعات الخصوصة. قد تكون فيسبوك إحدى أولى الشركات التي تحاول إطلاق نظارات ذكية مع كاميرا، لكنها لن تكون الأخيرة بالتأكيد. وسوف تتبعها الكثير من الأجهزة المشابهة، وسيتعين علينا أن نكون حذرين للغاية، ليس من راي بان فحسب، بل من كل أنواع الأجهزة التي تسجل كل ما نقوم به بطرق أكثر خفية أيضاً.

والآن، اخرج واشتر لنفسك نظارات سوداء كبيرة
بعدسات سوداء تحجب حتى اسمك عنهم
والخيار لك، فهناك خياران أمامك
إما نظارات مزينة بحجر الراين، أو نظارات شمسية رخيصة

-فرقة زي زي توب